وليد شقير

تضخيم الحزب للذرائع اللبنانية...

15 تموز 2022

02 : 00

سبق لـ»حزب الله» أن شبّه المعركة في الانتخابات النيابية، بحرب تموز أخرى، من أجل استنهاض جمهوره والحؤول دون استرخائه، سواء بالاطمئنان إلى التحالف المتين للثنائي الشيعي، أو بالامتناع عن التصويت جرّاء الضيقة المالية والحياتية التي تحول دون انتقال الناخبين إلى أقلام الاقتراع. مواجهة «حرب تموز الانتخابية» كانت أهم من تلك الضيقة، بحسب أدبيات الحزب.

اليوم يشبّه الحزب ما يحيط بالتفاوض على ترسيم الحدود البحرية بالذهاب إلى حرب أخرى، يضعها الأمين العام للحزب في مصاف مواجهة النسخة الجديدة لـ»الشرق الأوسط الجديد» الذي يعتقد أن الرئيس الأميركي جو بايدن جاء بها إلى المنطقة، وصولاً إلى القول إن الحرب «أشرف» للبنانيين من البقاء على حال الفقر والعوز، بسبب عدم استخراج النفط والغاز من البحر. اختلطت في خطاب السيد أمس المبررات الإقليمية التي هي الأساس في التحضير لأي مواجهة عسكرية «جدية» مع إسرائيل، بالمرافعة اللبنانية، دفاعاً عن تلك الحرب، والمتعلقة بترسيم الحدود البحرية للبنان مع إسرائيل. وهو استرسل في افتعال الذرائع اللبنانية التي تسوغ للحزب الذهاب بالمسيّرات أو غيرها من الأسلحة إلى ما بعد بعد «كاريش». والمقصود ليس المدى الجغرافي هنا، بل حجم المواجهة الإقليمية، من إيران إلى سوريا، مروراً بالعراق واليمن.

اضطر نصرالله إلى تعظيم الأمور في بناء منطوق الحجج لتبرير الإقدام على أمر لأهداف تتعدى لبنان وتتجاوزه. ولذلك بدا متناقضاً. فإذا كان الكنز في البحر يستنقذ اللبنانيين من الجوع والفقر وأمام لبنان أقل من شهرين لتحقيق ذلك، فما هو هذا «السراب» كما سبق لأحد الدبلوماسيين الفرنسيين أن وصفه، الذي سينتشل البلد مما هو فيه، بينما نصرالله نفسه، بعد وعده اللبنانيين بمئات مليارات الدولارات من استخراج النفط والغاز، قال إن استخراجهما يحتاج إلى سنوات؟ هذا لا يقود إلا إلى الاستنتاج بأن التذرع بإفقار أميركا وإسرائيل اللبنانيين ليس سوى غطاء غير موفق من أجل استخدام قضية الحدود لإدخال الجبهة اللبنانية في مغامرة مدمرة للبلد في سياق المواجهة الأميركية الإيرانية. والأرجح أن مهلة الشهرين التي لوح بها نصرالله هي الأسابيع القليلة المعطاة من دول الغرب لطهران كي تحسم أمرها في شأن الاتفاق على النووي، في إطار الضغط على قيادتها كي تتخلى عن شروطها للقبول بالنسخة الجاهزة والمحدثة من الاتفاق.

مع نفيه أن تكون التهديدات التي أطلقها حرباً نفسية، فإن اعتبار وسيلة لبنان لتسريع الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية، هي أن يفتح «مشكلاً»، هي حرب نفسية على اللبنانيين، وتحضير نفسي لجمهور المقاومة من أجل التهيؤ للمآسي التي ستنجم عن اضطرار الحزب إلى خوض حرب جديدة تدرك قيادته أنها ستكون كارثية. وفي سياق هذه «الحرب النفسية» في الداخل اللبناني قد يكون على اللبنانيين ألا يتأففوا كثيراً لأن الفقر والعوز والتشرد هي حال بعض المناطق في مدن الولايات المتحدة الأميركية. وإذا كان نصرالله يريد من المسؤولين أن يمارسوا المناورة و»يستغلوا» المقاومة ليقولوا للأميركيين والأوروبيين إن «الجماعة ‏خارج السيطرة ولا ينصتون لأحد ولا نعرف أين يمكن أن يدخلوا المنطقة، بأي حائط ولذلك عالجوا موضوع الحدود». فما المصلحة في كشف تلك المناورة إذا كان القصد تمكين المفاوض اللبناني بأوراق قوة جرى إهدارها قبل استخدامها؟ فمن يناور لا يكشف مناورته مسبقاً بالتأكيد، إلا إذا كان قصده شيئا آخر، كما هي حال الحزب أمام جمهوره.

قد يكون على حليف الحزب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن يحتج قبل غيره على مصادرة نصرالله مرة جديدة، بوضوح لا لبس فيه هذه المرة، صلاحياته بالتفاوض حول الترسيم، التي قاتل لانتزاعها، فإذا بالأخير يقبض عليها قافزاً فوق إعلانه منذ سنوات أنه يقف خلف موقف الدولة، في ترسيم الحدود. ورفضه معادلة قانا للبنان وكاريش لإسرائيل صفعة لحليفه جبران باسيل، لأن مسرح المقايضة أوسع وأكبر بكثير مما يطمح إليه الأخير ويتجاوز لبنان.

أما نفيه حصول أي اتفاق على التفاوض مع إسرائيل الذي يستهدف بيان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب، فيضع شريكه رئيس البرلمان نبيه بري الذي تولى الأمر لأكثر من 10 سنوات بالتنسيق معه، في موقف حرج، ويربك أولئك المسؤولين الذين سبق أن سألوا قيادته أكثر من مرة عن موقفها من جولات اللقاءات مع آيموس هوكشتاين، فكان الجواب تابعوا التفاوض ولا تتوقفوا عند بعض التصريحات. فأي مناورة على المفاوض اللبناني أن يتبنى؟


MISS 3