مجيد مطر

إتفاق الإطار كسلاح مهمل

16 تموز 2022

02 : 00

هناك من فعل كل شئ لنسف «اتفاق الاطار» الذي أنجزه الرئيس بري بصمت واقتدار، وتجنب فيه الدخول في لعبة المساحات والخطوط البحرية المتنازع عليها، بل أسس لمرجعية التفاوض اللبناني غير المباشر مع العدو الاسرائيلي، التي ابقت لبنان في موقع قوة الحق، وصاحب المصلحة في تكريس ثرواته الطبيعية امام الجميع، واعطته هامش المناورة الذي يتيح للبنان كسب الاصدقاء والداعمين لحقوقه في وجه الاطماع الاسرائيلية، كون ذلك الاتفاق جاء كتوليفة ناجحة استنادا لتفاهم نيسان، وقرار مجلس الامن 1701 وروحية القرار 425، لضمان وجود الامم المتحدة الضروري للبنان، لأن مصلحة لبنان تفرض هذا الواقع، فضلا عن اعلاء دور الدولة ومؤسساتها الشرعية من خلال تكريس دور الجيش اللبناني الذي سيتولى كامل المهمة التقنية لترسيم الحدود البحرية.

ولا خلاف، فقد كان ذلك سلوكاً موفقاً، زاد من صدقية لبنان ازاء العالم كله، الذي اصبح معنياً بعد الحرب الروسية - الاوكرانية بقضايا النفط والغاز في كل بقعة من بقاع الارض. وقد بدأ مضمون خطاب امين عام «حزب الله» السيد نصرالله، يؤسس لنقل ملف التفاوض من يد الدولة التي كانت سيدة الموقف فيه من خلال «اتفاق الاطار» الى موقع يكون فيه هو وحزبه في موقع الترجيح، الذي يفرض على الآخرين احترام الخط الاحمر الذي يرسمه، ربطاً بالملف النووي الايراني، وما يلاقيه من تطورات سلبية كانت ام ايجابية.

وما لم يكن في الحسبان، فقد شكل موقفه ذاك خطوة استباقية سياسية شديدة الدلالة، فمن جهة طعنت باداء السلطة وشككت فيه، ومن جهة ثانية ضربت موعداً للمواجهة العسكرية في لحظة لبنانية ـ دولية غير مؤاتية، لناحية أن العالم كله، وتحديداً اوروبا الصديقة للبنان، لن ترضى بتحويل غاز في شرق المتوسط الى «سلاح سياسي»، قد يزيد من برودة شتائها المقبل، كما ويفقد لبنان الدعم الدولي المطلوب. اما في ما يتعلق باللحظة اللبنانية غير المؤاتية فهي تشرح نفسها بنفسها.

ولم نكن لنصل الى هذه المعضلة، في ما لو تصرف المسؤولون في لبنان وحددوا موقف الدولة في هذا الملف الشديد الخطورة، اولاً انطلاقاً من «اتفاق الاطار» الذي صور لبنان المتمسك بالقانون الدولي كدولة سيدة، وتجنب لعبة المساحات المتنازع عليها، ليبقى للبنان التقدير الواقعي في المستقبل دون الزامات سوى الزامات المصلحة الوطنية. وما زاد الطين بلة، اعلان رئيس الجمهورية امام الجميع أن الخط 29 هو خط تفاوضي، الامر الذي يعتبر بمثابة نكسة استراتيجية للمفاوض اللبناني، اذ الزم نفسه بهذا القول، حيث تلقفه الوسيط الاميركي هوكشتاين، فضلا عن اسرائيل التي انتهزت الفرصة، وعززت من موقعها التفاوضي، نتيجة لذلك الموقف المتسرع، بحيث وضعتنا امام حلين احلاهما مر: التنازل المجاني عن خط 29، وعدم ضمان كل حقل قانا.

واذا استمرت الوجهة التي يسلكها اصحاب القرار في ملف التفاوض على ما هي عليه، لناحية عدم اتخاذ الموقف الواضح من المستجدات التي فرضها «حزب الله»

والتي تجاوزت مضامين «اتفاق الاطار»، والغت بصورة اعتباطية، وأسبغت ترجمة ميدانية لغلبته التي تذهب بنا الى حيث يريد ، وفرض اجندته، متجاوزاً كونه احد اركان السلطة والحكم الفاعلين والمؤثرين، المنوط بهم تطبيق الدستور لناحية اعلان السلم والحرب، فلم يعد بالإمكان تجهيل الفاعل في ظل حكومة، له دالة وازنة عليها.

وبعد القول الذي سمعه اللبنانيون، بان «حزب الله» لا ينتظر اجماعاً حيال ما يتخذه من مواقف تتعلق بملف الحدود البحرية وحقوق لبنان فيها، الامر الذي يطرح التساؤل الآتي: فطالما ان خطابه يفيض بالقوة وتجاوز الآخرين، لماذا اذن يدعو الى حكومة وحدة وطنية، فلتشكل حكومة اغلبية، وتتحمل مسؤولياتها، سواء في الحرب ام في السلم؟.

بعد كل ما جرى ويجري، يبدو بديهياً القول: أن لا الحكمة ضالتهم، ولا الدولة ايضاً...

MISS 3