وليد شقير

التغيير بالحكومة بدل الحريري متراساً

20 تشرين الثاني 2019

02 : 00

تسجيل الحراك الشعبي نقطة جديدة على أهل السلطة، بحؤوله دون عقد الجلسة النيابية أمس، يعيد إلى الواجهة المسألة الجوهرية والتي هي تأليف الحكومة الجديدة لملء الفراغ في السلطة التنفيذية.

في وقت يعتقد بعض المسؤولين أنهم ينجحون في «تعجيز» الحراك عبر مطالبته بمحاورة الرئيس ميشال عون، وبتوحيد مطالب المتظاهرين وطرحها عليه، يبرهن الثوار أنهم أكثر ثباتاً ووعياً لمطالبهم حين يصرّون على تأليف حكومة تكنوقراط واختصاصيين من خارج أحزاب السلطة، كخطوة أولى نحو الإصلاحات ومكافحة الفساد. هم منسجمون مع أنفسهم حين يقترحون إيكال تحقيق ما يريدون، إلى أشخاص يشبهونهم، بعدما انعدمت الثقة بالطاقم الحالي الذي أغدق عليهم الوعود بالإصلاح.

يبدو أن القيادة الجماعية للحراك والوعي الشبابي الذي يشحن ديناميته المتجددة، سريعة الاستجابة لمنطق تسلسل الأمور. فحين طلب المتظاهرون استقالة الحكومة على وقع تنامي الاحتجاج الشعبي في الأيام العشرة الأولى للانتفاضة، وحققوا أول إنجاز باستجابة الرئيس سعد الحريري، كان من الطبيعي أن يتقدم مطلب تأليف الحكومة على المطالب الأخرى المتعلقة باستعادة الأموال المنهوبة وملاحقة الفاسدين والسلطة القضائية المستقلة... لأن متابعة هذه المطالب تبدأ بقيام سلطة تنفيذية لا تناور ولا تساوم عليها.

بعد 20 يوماً على تنحي الحريري، جرى استبعاد السياق الدستوري الطبيعي لإيجاد بديل لحكومة الحريري بالكامل لأن شركاء الحريري الأساسيين يرفضون الاستجابة للمطلب الجوهري: البداية هي التغيير في السلطة. وبداية البداية تغيير الحكومة.

ففريق الرئيس عون و»الوطني الحر» والرئيس نبيه بري و»حزب الله» فضلوا خيار المناورة بتبني مطالب الحراك، عبر تكرار الحديث المزمن على الإصلاح ومكافحة الفساد ومعالجة الأزمة الاقتصادية، التي حالت تناقضات رجال السلطة وقواها وجنوحها نحو إخضاع تنفيذ هذه الشعارات للمزايدة السياسية في سياق التنافس على المواقع والمحاصصة وفي إطار التحالفات لأهداف تتعلق بالخيارات الإقليمية والمواقف الخارجية. قضت المناورة بتأجيل بدء الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة المكلف خلافاً للسياق الدستوري الطبيعي.

لم تقتنع أحزاب السلطة أنه لم يعد ممكناً الالتفاف على مطالب الحراك، وأن البداية هي من التغيير الحكومي. ولم يدرك الشركاء أن معالجة الأزمة تقتضي، في مرحلة انتقالية، إزاحة رموزهم عن سلطة القرار في البلد، لخوض تجربة مختلفة عن ممارساتهم التي كشف الجمهور الواسع في كل الطوائف والمناطق، عقمها. والدليل هو الإصرار على عودة بعض رموز المرحلة السابقة من «الطاقة» بعد خروجهم من «باب» استقالة الحريري. ولم يكن اعتراض شركاء الحريري على استقالته استجابة للحراك، سوى فعل «ممانعة» للتغيير الذي يمكن أن يستوعب الانفجار الشعبي. والأرجح أنهم أرادوا له أن يبقى متراساً بينهم وبين الشارع.

فضلاً عن أن التعاطي مع أزمة الحكومة البديلة كشف حالة الإنكار التي يغرق فيها بعض أهل السلطة، مثل القول لبعض السفراء إن «هناك حرباً كونية» على الرئاسة، فإنه أظهر أيضاً تناقضاً في السلوك وضياعاً وتخبطاً في قراءة جذور الانتفاضة الشعبية.

بعض شركاء الحريري يتهمونه بأنه ينسق مع الثوار وينسجم مع المخطط الأميركي لتقويض السلطة وإخراج «حزب الله» من الحكومة، ثم يصرون عليه للبقاء في الرئاسة الثالثة. يتعاطون معه على أنه الرئيس المكلف تأليف الحكومة عبر مباحثات التأليف، في وقت شرطه ترؤس تركيبة بالكامل، والاستشارات لم تحصل على رغم أن الرئيس عون وعد سفراء دول كبرى وديبلوماسيين يستعجلون استعادة الثقة بتأليف حكومة «فعالة وذات صدقية». يقول الوزير باسيل بحكومة اختصاصيين وينسب اقتراحها لنفسه، ويطرح الرئيس عون في خطاب الذكرى الثالثة لانتخابه اختيار الوزراء وفق كفاءاتهم لا ولاءاتهم للزعامات، ثم يصر على حكومة سياسية فيها تكنوقرط وممثلون للحراك، ويعود البحث بتمثيل باسيل فيها. يسمي باسيل الوزير محمد الصفدي ثم ينسبه إلى الحريري إثر سقوط هذا الخيار.


MISS 3