شربل داغر

أحداثة بالقُطعة، لا بالجُملة؟

18 تموز 2022

02 : 01

باتت الصفة: "الحديثة"، بل المصدر: "الحداثة"، عنوان مرحلة بكاملها في الثقافة العربية. وإذا كان المصدر عنى اليفاعة في المتن القديم، فإنه ما لبث ان تأكد في المتن المتأخر، بل زادت حمولته، حتى لبدا الأكيد، والجوهري، في بنية ابتعدت عن القدامة والتقليد.

ولقد زاحمتْ هذا اللفظ ألفاظ اخرى: "العصري"، والحر"، و"الجديد" وغيرها، لكنها باتت اسماء موقتة لما هو أشد دلالة وأعمق فعلاً، وهو: "الحديث".

ولا يحتاج المتابع إلى فحص أو تحقيق واسعَين لكي يتنبه إلى أنه يعود إلى مدونة اوروبية، لا يشك مفكر او كاتب فيها من صلاحه وشرعيته.

وإذا ما تجلت اختلافات او اجتهادات في هذه المدونة، فإنها تأتت من تباينات قامت حول "بداية" الحداثة، وحول "محتواها" ومضامينها وتجلياتها. وهو ما يدعو إلى التحقق من جدوى ما نسميه: "الحداثة" في الثقافة العربية.

ولأبدأ بسؤال أول يحيط بالتسمية، بإطارها ومعانيها: هل الحداثة العربية (كما سبق ان كتبت) تشمل غير الادب ام انها حداثة "شعرية" وحسب؟

وطرحُ هذا السؤال لازمٌ، ما دامت الدراسات تتحدث عن بنية "بطريريكية" (ذكورية، ابوية) في البناء الاجتماعي، وعن بنية قائمة على الريعية والزبائنية في الاقتصاد السياسي، وعن تبعية تكاد تقترب من الصيغ الاستعمارية في البناء السياسي...

في الإمكان العودة إلى كثير من الإسهامات العربية، الفكرية، والسياسية، والاقتصادية، والتربوية وغيرها، التي لا تجد الحداثة في هذه البنى المتباينة والمتعالقة في هذه المجتمعات ذات الارتكازات التقليدية، وغير الديمقراطية.

إن مثل هذه الرؤى والمنظورات تصف وتعاين احوال هذه المجتمعات التي خرجتْ من عثمانيتها، من دون ان تخرج منها تماماً.

والعثمانية، هنا، تعني ان تقوى هذه المجتمعات (وقواها المحركة خصوصا) على اجتراح حكم جديد، ينهي الخلافة (اي سياسات الغلبة والطاعة)، من جهة، ويفتتح عهداً دستوريا أكيداً، من جهة ثانية.

إذا كانت تركيا نجحتْ في ذلك، فإن المجتمعات المعنية لم تنجح في ذلك، بل بدت العهود الاستعمارية فيها هي الأشد توازناً وحرية وتقدماً وتفتحاً.

إن مثل هذه التحققات مدعاة لأكثر من سؤال: أتكون الحداثة تحققتْ بمجرد الانفتاح على ثقافات أوروبية، وبحكم خروج الثقافة المحلية من مرجعيتها الخاصة والقديمة؟ أللحداثة أن تنشا وتتأكد في قطاع دون غيره في مجتمع؟ اتكون الحداثة ممكنة... بالقطعة، وليس بالجملة؟

لا يسع المتابع التوقف عن طرح مزيد من الأسئلة، من قبيل القناعة بأن المجتمع ليس مستقل البنى، وإن كان للثقافة بعض الاستقلالية النسبية.

أليس هذا مدعاة للتساؤل في ما لا نفكر فيه؟ أليس هذا مدعاة للتحقق من حداثتنا الثقافية؟ ألا تكون مزعومة ليس إلا؟ ألا تكون حداثة "تقنية" وحسب؟ أتكون مماشاة الاوروبيين، بل التثاقف معهم، التأشيرةَ الأكيدة لبلوغنا الحداثة، ولو في الأدب وحده؟

أتكون هذه الحداثة اكيدة، والأديب يتحول إلى "زعيم"، او مطرب جماهيري، او إلى إله مدني يعيد تكوين والأرض والريح والورد والمطر من دون... الإنسان؟


MISS 3