رفيق خوري

الهرب من تحديات "الكتلة الشعبية" للتغيير

20 تشرين الثاني 2019

09 : 19

كانت زرقاء اليمامة، حسب الروايات، ترى ما لا يراه سواها، وتتنبأ بالأحداث والحروب قبل وقوعها. والظاهر أن بين الذين دفعتهم الأحداث إلى الهامش في لبنان اليوم من يقلدون وينافسون زرقاء اليمامة في لعب دورها، ولكن بالخفة لا بالإستشراف. ففي بداية الثورة الشعبية السلمية التي دخلت شهرها الثاني ظهر داخل السلطة من يراهن على تعب الثوار وتلاشي الثورة ناصحاً بلعب ورقة الوقت للحفاظ على الستاتيكو. وفي ساعة اليقظة الوطنية التي حققتها الثورة، سمعنا من يصف الوضع الحالي بأنه يشبه الأجواء عشية 1975 ويرى حرباً أهلية مقبلة.

وليس ذلك من باب التحذير بل من باب الخوف من التغيير. فالعاقل في الوضع المأزوم الذي نحن فيه يرى خطورة شراء الوقت، ويعيد التذكير بالمثل القائل: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك". حتى المجنون يدرك أن الثورة العابرة للطوائف والمذاهب ليست الطريق إلى حرب أهلية بل إلى تجاوز التركيبة السياسية – الإقتصادية – الميليشيوية المتحكمة بنا منذ حرب لبنان. ومن لم يفقد ذاكرته يعرف أن الذهاب إلى حرب أهلية يحتاج إلى قرارين: خارجي وداخلي، ولا شيء يوحي أنهما جاهزان. فضلاً عن أن تجارب الحرب علّمت الجميع دروساً ثمينة باللحم الحي.

ذلك أن الثورة قدمت ما كان الحالمون بالتغيير يطالبون به ويرونه شرطاً لإعادة تكوين السلطة: ولادة "كتلة شعبية" لها مصلحة في التغيير. وهي كتلة أوسع من المشهد الرائع في الشارع، والذي كشف المشهد المريع للعناد والمماطلة داخل السلطة. ومن الوهم تجاهل العامل الجديد من تغيير موازين القوى والتوازنات السياسية، وهو وزن الكتلة الشعبية.

ولا جدوى بعد الآن من الإستمرار في تقليد هنري أدامز الذي كان يقول "إن السياسة العملية تكمن في إنكار الحقائق، وهي التنظيم المنهجي للحقد". فالأزمة مع السلطة ترافقها أزمة داخل السلطة. حل الأزمة الأولى معروف، لكن حسابات المصالح تمنعه. وحل الأزمة الثانية لن يغير شيئاً في تحديات الأزمة الأولى.

وإذا كانت حكومة الإختصاصيين هي مفتاح الحلول بالنسبة إلى الثوار، فإنها في نظر "حزب الله" وحلفائه جزء من "المؤامرة" لإخراج هؤلاء من "المعادلة" وكسر التوازنات التي جاءت بها الإنتخابات. وهي أيضاً نوع من التخلي عن منطق التسوية الرئاسية: السلطة للقوي في طائفته. لكن التسوية صارت بلا شركاء. والباقي لقاء مصالح بين حلفاء.

وما معنى التوازنات السياسية في قاع هاوية سياسية ومالية واقتصادية؟ وما فائدة الحفاظ على المقاعد في سفينة تغرق؟


MISS 3