طوني فرنسيس

بيان جدة كيف يمكن ترجمته؟

19 تموز 2022

02 : 00

لم يخرج البيان الأميركي- السعودي في بنده اللبناني عن سياق المواقف السعودية والخليجية بشأن الأوضاع اللبنانية، ولا عن سياق المواقف الدولية عامةً التي باتت تردّد العناوين التقليدية المعروفة في دعم سيادة الدولة وحصرية السلاح الشرعي وتطبيق الدستور ومواعيده وإنجاز الإصلاحات ومنع تحول لبنان مقراً للإرهاب والتخريب والمخدرات ودعم قواته المسلحة للقيام بمهامها الوطنية.

للوهلة الأولى يمكن إضافة ما صدر إلى «الأرشيف العالمي الخاص بالأزمات اللبنانية»، ويمكن نقع البيان وشرب مائه عملاً بنصائح البرق والرعد، لولا السياق والظروف التي صدر فيها والأطراف التي قررته وأصدرته.

لقد خصّ الجانبان السعودي والأميركي عدداً محدداً من البلدان المأزومة باهتمامهما. منها سوريا، وشدّدا على تثبيت وقف النار وتنفيذ القرار 2254 ودعم مهمة مبعوث الأمم المتحدة، وليبيا حيث تم التأكيد على إجراء الانتخابات واستعادة السلام، ولبنان حيث أعاد الجانبان الإعلان عن رؤيتهما للمخارج المطلوبة.

لم تكن الرؤية الأميركية - السعودية لأوضاع هذه البلدان صدامية. فلا ذكر لإيران و»حزب الله» في سوريا، ولا انتقادات لروسيا أو تركيا، وخلاصة القول إن هناك نوعاً من الرضى والانتظار مشفوعاً بتمني انتصار منطق الأمم المتحدة ورغبات شعوب البلدان المعنية.

بشأن لبنان يصحّ الانطباع نفسه. يرسم السعوديون والأميركيون خارطة طريق، يعرفها اللبنانيون ويأملون تحقيقها في أغلبيتهم. لا يدخل صاحبا البيان في التفاصيل ولا يذكرّان بموقفيهما من «حزب الله» أو النفوذ الايراني، وإنما يتركان للبنانيين أن يقرروا أي طريق سيسلكون لتحقيق عناوين سيادتهم واستقلالهم وازدهارهم.

في ذلك بعض التخلي أو الكثير منه، لكن فيه أيضاً الحقيقة عارية أمام اللبنانيين. فبعد الانتخابات النيابية الأخيرة لاحظ العالم حدود التغيير السياسي الممكن، واكتشف أن صيحات الانتفاضة المكبوتة غير قادرة في ظل قانون انتخابي كالذي جرت الانتخابات بمقتضاه، على ترجمة نفسها بأغلبية نيابية سياسية تفرض بالديمقراطية وجهة أُخرى للبلد. لكن اللبنانيين والعالم يعرفون انه رغم العراقيل هناك إمكانية للعمل النيابي المختلف وصولاً إلى فرض وقائع سياسية جديدة أولاها وأبرز محطاتها (بعد الانتهاء من الحكومة الميمونة) انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

سيكون هذا الانتخاب الامتحان الأبرز للوجهة التي سيعتمدها لبنان، وعندها يمكن أن يصبح لبيان بايدن - بن سلمان معناه وترجمته، ليتاح للبنان العودة إلى عمقه العربي والخليجي، وهذه في المناسبة، عملية أشاد بها بايدن خلال لقائه ولي عهد الكويت الشيخ نواف الاحمد، مثنياً على جهود الكويت في تحسين العلاقات اللبنانية - الخليجية.

لفتة جدة مهمة للبنان، لكنّ الملتفتين ينتظرون ما سيقوم به اللبنانيون، نواباً وكتلاً نيابية، سياديين وتغييريين ومهما تعدّدت التسميات، الى جانب قوى المجتمع الحيّة والمتنوعة.

لن يخوض أحد معركة إصلاح ذات البين اللبنانية غير أصحابها، وفي الختام هذا ما يقوله بيان جدة وكل بيانات العواصم التي لا تزال تبدي اهتماماً ببلد الأرز.


MISS 3