جوزيفين حبشي

...وطلع على قصر البيكاديللي الصباح

25 تموز 2022

02 : 01

إنه مسرح من خشب التاريخ، إنه الشاهد الأكبر على عز لبنان ودوره الثقافي والفني الكبير في هذا الشرق العظيم. إنه الصرح الثقافي اللبناني- العربي- العالمي الذي افتتحه وزير الداخلية الشيخ بيار الجميل سنة 1965 كممثل لرئيس الجمهورية شارل حلو. إنه الصامد الحزين خلال حقبة الجنون، والحاضن الأكبر لذكريات لا تزال تعشش في ارجائه كالبيوت المسكونة بالمجد. إنه صالة مخملية مزينة بثريات كريستال، وبصورة عملاقة لسفيرتنا الى النجوم فيروز، كانت ترتادها كافة الطبقات المخملية والشعبية، للاستمتاع بأوركسترا فيينّا للموسيقى الكلاسيكية، ومتابعة اجمل مسرحيات الرحابنة "هالة والملك" و"جبال الصوان" و"لولو" و"يعيش يعيش" و"صح النوم" و"بترا"، ومتابعة باليه البولشوي والتحليق مع صوت داليدا، والضحك مع عادل إمام ومسرحيات مثل "مدرسة المشاغبين" و"الواد سيد الشغال".

إنه تحفة احترق قلبها مع الحريق الذي لم يطفئ تاريخها الذهبي رغم السواد سنة 2000، وانتظرت طويلاً من ينفض عنها رماد الحرب وغبار النسيان، ويعيد اليها وهج الحياة. مهمة كانت شبه مستحيلة، وتحتاج "معجزة"، فرغم بعض المبادرات، الا أن الكلفة المرتفعة جداً لاعادة الترميم حالت دون ذلك. ولكن الأمل ظل موجوداً مع تحوّل القصر جزءاً من المؤسسة الوطنية لضمان الودائع التي رفضت فكرة عرضه للاستثمار التجاري. قرار حكيم، وإلا كان يمكن أن يتحول "التاريخ" بقعة جغرافية لمطعم مع "اراغيل" أو ملهى ليلي ربما. وأخيراً تحققت المعجزة، فالقصر الذي غرق لسنوات في ليل طويل، يبدو أن "الصباح" سيطلع عليه قريباً. والفضل لأبناء هذا الوطن الذين اثبتوا انهم هم الدولة وهم الدعم والمساندة والدواء للبنان. فكما هرع اللبناني لمساعدة شقيقه اللبناني اثناء الازمات والانفجارات والانهيارات، وكما اوصلنا مخرجو لبنان الى الاوسكار ومهرجانات "كان" و"برلين" و"البندقية"، وكما أسعد فريق الأرز البطل قلب كل لبناني بفوزه على الصين والأردن ووصوله الى نهائيات أسيا، استعداداً لبطولة كأس العالم في كرة السلة، يهرع اليوم المنتج صادق الصبّاح لترميم قصر البيكاديللي ولتجهيز مسرح في قصر الاونيسكو أيضاً. صاحب شركة سيدرز آرت برودكشن الذي أعاد البريق للدراما اللبنانية ورفع من شأنها بانتاجاته التي تلامس العالمية، يستعد قريباً لاعادة البريق والحياة لأحد اهم مسارح بيروت العز. هذا الترميم لن يصب فقط في صالح الصناعة الدرامية التي ستسلّط الضوء على القصر من خلال تصوير اعمال فنية مستقبلاً فيه، بل يصب في مصلحة استعادة ولو بارقة أمل من ماضينا الجميل وتراثنا الأصيل، بعدما اطفأ القيمون على هذا الوطن الامل نهائياً في قلوبنا... صادق الصبّاح، شكراً على بادرة تثبت أن الليل مهما طال، لا بد أن يبزغ الفجر ويطل "الصباح".


MISS 3