د. فادي كرم

الدفاع عن لبنان ليس تهمة بل هوية

25 تموز 2022

02 : 00

عندما تشنّ جماعات المحور الايراني في لبنان هجوماتها المؤدْلجة على مُعارضيها السياديين اللبنانيين، تُركّز مفرداتها على كل ما يُدعّم منطق التخوين وفبركة الملفّات الاتّهامية بالعمالة مع العدو، وبالإذعان للتعليمات الأميركية، وبالرضوخ للعجرفة الغربية وبالتماهي مع التراخي والاستسلام العربي، مُستعينةً بكلّ ما تُمكّنها اللغة العربية من مفردات وتعابير مُسيئة وتهويلية، فتزوّد أبواقها المأجورة بها، لتتكامل جهود القياديين مع الاعلاميين والأمنيين منهم لخلق منصّةٍ إتهامية دائمة العمل، هدفها الدائم حشر سياديّي لبنان في زاوية الإتهام المستمر لإحراجهم فإخراجهم من الحياة الوطنية ومن معركة الدفاع عن الهوية اللبنانية، ومُحاولين بذلك تثبيت معادلتهم العدائية للبنان، والقائلة بأنّ كل من يتجرأ للدفاع عن سيادة لبنان هو عميل للخارج وللعدو.

إن الذهنية المتحكّمة بثقافة المحور تسمح لجماعاته وأتباعه بكيل الدعوات الالغائية لمناهضي مشروعه، وتدفعهم لقلب الحقائق ولإعتماد الكذب والخداع والنفاق. وبحال نجاح المحور بخططه الممنهجة فسيشكّل الخطر الاكبر على الثقافة اللبنانية. ومن البديهي ان تسعى هذه المنظومة، واستكمالاً للمؤامرة لتوجِيه ابواقها وشياطينها لصبّ غضبهم واحقادهم وشرّهم على «القوات اللبنانية» وعلى قيادتها وفكرها ومنهجها، لان «القوات» تُشكّل بتكوينها وبتوجيهاتها، الحقيقة المعاكسة للمحور وخط الدفاع المانع لإزالة لبنان عن الخريطة السياسية. ان «القوات اللبنانية» التي تُمثّل لبنان الوطن برسالته وتركيبته المتعدّدة وانفتاحه على الثقافات والحضارات، قد فرضت المعادلة المواجهة لمعادلة «حزب الله»، وهي ان كره «القوات» والعدائية لها من كره لبنان ووجوده.

إن الاستمرار بالحملات المُنظّمة ضد «القوات اللبنانية» ومحاولة شيطنتها من قبل ممثّل المحور في لبنان، اي «حزب الله»، والمُنفّذة من قبل صغار المحور المُجنّدين لصالحه طمعاً بالمناصب السلطوية والحمايات الفسائدية، وإن كانت تتوجه فعلياً لكسر «القوات اللبنانية» فهدفها البعيد هو كسر لبنان الوطن، وهذا الواقع يوضح الواقع الوطني الانقسامي الجذري بين فئتين، واحدة تعمل لإلغائه لصالح مشاريع توسّعية دينية وسلطوية وعقائدية، والثانية مؤمنة بالدفاع الوجودي عنه.

هاتان المعادلتان الواضحتَا المعالم قد اكدتهما بشكل كبير احداث الاسبوع المنصرم في لبنان، فمن التصريح الاعلامي لرئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيد هاشم صفي الدين الذي شدّد على رفض «حزب الله»، كما اسماها، الثقافة الغربية، وتمسّكه بثقافته الصادرة عن الولي الفقيه، ناقلاً الصراع، كخطأ متعمّد، الى جبهة الثقافات الغربية والشرقية، ومُعتبراً ان توجيهات الفقيه هي الثقافة الشرقية، ومُصنّفاً كل من هو لبناني الفكر والإرث والعقل بأنه غربي، يؤكد بكلامه هذا أن فكر «حزب الله» إلغائي لكل ما يمتّ للبنان بصلة وهوية. أمّا الحدث الثاني المُعبّر، فقد كان توقيف المطران موسى الحج لساعاتٍ على الحدود اللبنانية عند رجوعه من الاراضي التابعة لأبرشيّته في حيفا والاراضي المقدّسة والهاشمية بقرار صادر عن قاضي التحقيق العسكري فادي عقيقي، المُكلّف من قبل المحور لتركيب الملفّات ضد مُعارضي أعداء الوجود اللبناني، وهذا الأمر الوقح والمُتقدّم في التعدّي على قناعات الآخرين وهويتهم قد أثبت ان «حزب الله» خطا خطوة كبيرة نحو الاستعداد لمحو أثر معارضيه، مدعّماً نفسه بفرض الاتهامات التخوينية على سيادييّ لبنان وإمكانية اللجوء الى مفهوم الإزالة بكل السبل.

ويبقى التنافس الداخلي الذي تشهده الساحة السيادية من وقت لآخر، فنظرياً لا يمكن اعتباره في الظروف العادية والمُستقرّة واقعاً سلبياً، ولا منهجية غريبة عن الديمقراطية اللبنانية وعن الحرّيات فيه، ولكن تأثيره في هذه الفترة المصيرية من تاريخ لبنان سلبي جداً حيث يُضعف جبهة المواجهة مع مشروع «حزب الله»، فالمواجهة بين المعادلتين قد وقعت، وأي تلهٍّ عن الاساس يُعدّ انتحاراً. فلنمضِ فوراً في الطريق التي تؤمّن السيادة وتحمي الهوية وتؤكد الوجود، وبعد المرحلة الاولى لاستعادة الوطن من مُصادريه، نذهب الى معالجة الحقوق المواطنيّة المُحقّة، وإن لم نُدرك ونُحدّد الاولويات، وإن اخطأنا بترتيب المراحل، فاننا نُضيف معادلة ثالثة نتيجتها العملية خدمة المنصّات المُقامة من قبل المحور والتي تهدف لشرذمة القوى المناوئة لمشروع الغاء لبنان.

التاريخ لن يرحم لا المتواطئين ولا المخطئين.