د. نبيل خليفه

وزارة العدل الروسيّة تطلب حلّ منظمة "الوكالة اليهوديّة"! هل انتهى شهر العسل الروسي ـ الإسرائيلي؟

28 تموز 2022

02 : 00

بوتين واليهود والحسابات الجديدة

كان الاتحاد السوفياتي من أوائل الدوّل التي اعترفت بقيام دولة اسرائيل في أواخر الاربعينات من القرن الماضي. ذلك ان اليهود في الاتحاد السوفياتي وهم في عداد المليونين يشكلّون ثاني أكبر أقليّة يهوديّة في العالم بعد الولايات المتحدة. وليست أهميّتهم مرتبطة بالعدد فقط، بل ان مراجع روسيّة تعطي بعض الأرقام المعبّرة عن أهمية ودور اليهود في الاتحاد السوفياتي (وبالتالي في روسيا). من ذلك مثلاً: وجود 77 ألف طالب يهودي جامعي و 427 الف اختصاصي في العلوم الاقتصاديّة و36 الف عالم يهودي. ومع ان عدد اليهود كان لا يشكّل سوى نسبة لا تتجاوز 1,1% من عدد السكان السوفيات فإنّ اليهود يشكّلون 14,7% من مجموع أطباء الدولة و 14% من الكتّاب و 22% من الملحنين والمؤلفين و 13% من الفنّانين و 10,4% من المحامين وهناك ما مجموعه 7647 يهودياً في المراكز الحكومية والرسمية من مجلس السوفيات الأعلى وصولاً الى مجالس المدن، وصولاً الى اللجنة التنفيذيّة للحزب الشيوعي. خاصة وان كارل ماركس هو من أصول يهوديّة.

ما الذي يجري الآن بين نظام بوتين واليهود في روسيا؟

وهل انتهى شهر العسل القائم والمستمرّ منذ قيام الدولة اليهودية حتى الآن؟

هناك عدّة عوامل تسهم في خلق الهوة بين الجانبين، وهي عوامل لا تتأتي من جانب جهة واحدة بل من جانب الجهتين، وفي وضوء الأحداث التي تشهدها الحرب على أوكرانيا في تبريراتها وتداعياتها المحليّة والعالميّة:

1- المدخل الى النزاع بين روسيا واسرائيل كان الحرب الروسية على أوكرانيا، ذلك ان على رأس النظام الأوكراني رئيس يهوديّ انتماءً وديناً هو الرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي يواجه الهجوم الروسي بثياب الميدان ويشكّل بشخصه وبموقفه دعماً مباشراً وفعلياً لدولة اسرائيل داخل المنظومة السوفياتية ومن ثم الأوروبيّة.

2- وما زاد الطين بلة هو التحوّل الذي حصل في دولة اسرائيل بوصول لبيد وهو معروف بمواقفه المناهضة لروسيا الدولة، والرئيس بوتين بالذات. فقد وصف الهجوم الروسي على اوكرانيا بأنه «عملية إبادة» واستخدم عبارات غير لائقة منتقداً الرئيس الروسي.

3- الرئيس الروسي بوتين لم يتأخر في الرد فقد اتخذت السلطات الروسية قراراً بوقف نشاط الوكالة اليهودية في روسيا. وعلّق رئيس الوزراء الاسرائيلي لبيد «بان إغلاق مكاتب الوكالة سيكون حدثاً خطيراً سينعكس على العلاقات مع موسكو». جاء ذلك بعد طلب قدّمته وزارة العدل الروسية الى المحكمة في موسكو بتفكيك مؤسسات «الوكالة اليهوديّة».

اعتبرت اسرائيل القرار بانه قرار سياسي يهدف الى الانتقام من اسرائيل بسبب اختيار لبيد رئيساً للحكومة وهو المعروف بمواقفه العدوانية تجاه روسيا وتأييده لأوكرانيا. ولدى إقرار حكومة لبيد ارسال وفد للتفاوض مع موسكو حول موضوع الوكالة، ردّت موسكو بأنها ترفض استقبال الوفد لتسوية أزمة «الوكالة اليهوديّة».

4- ان تحويل موضوع الوكالة اليهودية الى القضاء الروسي هو محاولة لتصعيد الموقف السياسي ضد تل أبيب وهو أمر يؤدي في النهاية الى تدخّل سياسي من الجانبين تمهيداً للتوصّل الى حلول ترضي الجانبين ذلك ان كليهما يجدان مصلحة في التعامل مع الآخر: فليس لروسيا مصلحة في الصراع مع اسرائيل واليهود، كما ليس لإسرائيل مصلحة في معاداة روسيا.

5- ان أفضل تعبير عن ذلك هو في موقف الدولتين من الوضع في سوريا على حدود اسرائيل. فالتفاهم والتنسيق قائم بينهما في موضوع القصف الاسرائيلي للمواقع داخل سوريا سواء كانت مواقع ايرانيّة أم سورية ام لـ»حزب الله» اللبناني!

6- ان التنسيق السياسي بين روسيا وايران لا يهدف أساساً للنيل من اسرائيل. فروسيا المحاصرة من أميركا وأوروبا الغربية والعالم الاسلامي ( العربي – السني) تحاول ان تجد لها حلفاء منهم ايران والصين. في كل ذلك تبقى موسكو حريصة على أمن دولة اسرائيل في مختلف الظروف والأحوال. وفي هذا يعاد الى الأذهان كيف كان الرئيس بوتين يمضي خمس ساعات في لقاءاته السابقة مع زعماء اسرائيل، فالرئيس بوتين يدرك بالعمق مدى تأثير اليهود والجالية اليهودية في روسيا على الحياة العامة في البلاد. من هنا الحرص المتبادل لدى الجانبين الروسي والاسرائيلي على مراعاة مصالح كلّ طرف وعدم الدخول في مواقف متطرفة تضرّ بمصالح الجانبين في مرحلة تشهد تطورات دراماتيكيّة في العلاقات الدولية ان على الصعيد الخارجي ام على الصعيد الداخلي.

فالرئيس بوتين قادر على استخدام الأسلحة الصاروخية في معاركه الحربية ولكنه بحاجة ايضا وربّما أكثر الى استخدام رصيده البشري لحماية وتبرير وجوده وشرعيّته في السلطة.

7- باختصار ليس ما تقوم به «الوكالة اليهودية» في موسكو عملاً جديداً. إنّه قائم منذ نشوء الوكالة. والروس يعرفون ذلك، ولكن طرحه في هذا الظرف بالذات يستهدف النيل من السياسة الاسرائيلية، لا نقول المعادية، بل نقول غير المتجانسة مع سياسة موسكو في أوروبا والشرق الأوسط والعالم. وهو أمر يزعج موسكو بالتأكيد. إن التحدّيات المتبادلة بين الجانبين تهدف للوصول في النهاية الى تفاهمٍ كلّ منهما غير قادر على الخروج منه وعليه، وكلاهما بحاجة للوصول اليه.

** **

لقد كان الاتحاد السوفياتي بالأمس، وروسيا اليوم الخزان البشري اليهودي الوحيد القادر على مدّ الدولة العبرية بالدم اليهودي عبر الهجرة الى فلسطين لعشرات آلاف اليهود الروس وهو الأمر الذي أنقذ اسرائيل مؤقتاً من ان تصبح أقليّة ديمغرافيّة مطوّقة داخل فلسطين نفسها بالأكثرية العربية – الاسلاميّة. لقد قام شهر العسل الروسي – الاسرائيلي على دعم قيام الكيان الصهيوني أولاً وعلى مدّ هذا الكيان بالهجرة اليهودية الكبرى ثانياً، وبدعم كيان وأمن اسرائيل ثالثاً، وبالتنسيق معها اقليميا رابعاً. فهل جاء زمن الانفصال والانعزال الذي ينهي شهر العسل التاريخي بين الدولتين؟ اننا نشك في ذلك لأن كلاً منهما بحاجة للآخر وما يجري الآن ضغوط متبادلة للوصول لتفاهم سياسي جديد إن على صعيد الشرق الأوسط أم على صعيد الوضع الروسي الداخلي. وفي وضع كهذا يسعى كل جانب لأن يجري حساباته الجديدة!

.. لعلّ .. وعسى!