البيت النقدي اللبناني... والحلّ الصعب

02 : 00

كيف بنى سياسيو لبنان ومصارفه منظومة "بونزي"التي أوصلت الاقتصاد الوطني الى الحضيض؟

منذ نهاية الحرب الأهلية العام 1990، اعتمد لبنان في اقتصاده على المصارف والسياحة والعقارات لجذب العملات الأجنبية إليه لا سيما الدولار. في السياسة المالية، كانت تتم إعادة تدوير تلك الدولارات من قبل "مهندسين" ماليين معظمهم يمثّل البنوك التجارية المحلية والبنك المركزي، لإنشاء ما يُعرف بنظام "بونزي" الذي أفاد القطاع المصرفي وترك الشعب اللبناني يتكبّد الفاتورة. يُعتبر "بونزي" نظام بيع هرمياً، وشكلاً من أشكال الاحتيال من قِبل مجموعة تعمل على شكل كرة الثلج، والتي تتمثّل في وعد كبير بالربح، ويموّل هذا الربح من تدفّق رأس المال نفسه لتستثمر تدريجياً حتى انفجار فقاعة المضاربة. وكمثل أي مخطط، اعتمد "بونزي" المضاربة المالية في لبنان على الحقن المنتظم بالدولار الأميركي لإنشاء قشرة من الاستقرار المالي. مثّلت هذه القشرة نظاماً مالياً هشّا ومتهالكاً وغير قابل للتطوّر بسبب تصميمه على الدفاع عن ربط العملة وزيادة أرباح القطاع المصرفي.

البيت النقدي اللبناني، الذي بناه وصانه أبطال ثلاثة: الدولة والبنوك التجارية ومصرف لبنان، انهار، وهذا ما أدّى إلى انتفاضة شعبية ارتكزت على أزمة السيولة والديون. ومع الافتقار الى العملة الأجنبية الجديدة لتغذية مخطط "بونزي"، لم يعد بوسع الدولة المفلسة ولا حتى مصرف لبنان تقديم حوافز للبنوك التجارية لتجميد "دولاراتها" لدى "المركزي".

الفائدة السنوية وخدمة الدَّين

إذاً، لم يعد بإمكان مصرف لبنان إنتاج الفائدة السنوية المقدّرة بأربعة مليارات دولار التي يُدين بها للبنوك التجارية على ودائعها المقدّرة بـ 60 مليار دولار. أما الدولة فغير قادرة على خدمة الدين العام المتراكم بنحو 86 مليار دولار، وهو للمناسبة الآن ثالث أسوأ معدل في العالم قياساً الى الناتج المحلي الإجمالي.

من غير المرجح أن يحلّ النمو الاقتصادي المشكلة، بالنظر إلى الانكماش الملازم له والآخذ بالتزايد على نحو مطّرد، والذي تبلغ قيمته الضئيلة نسبياً من الناتج المحلي الإجمالي نسبة 55 مليار دولار أي 0.2% خلال العام 2019. ومن المثير للقلق، أن هذا التوقع تمّ قبل فترة وجيزة من انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. حيث يتوقّع معظم الاقتصاديين أن يكون الركود المقبل في لبنان شديداً نظراً إلى تقلّص الاقتصادات التي تعاني من أزمات الديون والعملة والمصارف في وقت واحد بنحو 8% قبل أن تعود وتتعافى.

لتفادي بعض الألم، يُقدّر المراقبون أن لبنان سيحتاج إلى اتخاذ بعض الخيارات الصعبة لاستعادة ثقة شعبه والأسواق العالمية. من هنا فإن المطلوب آليّة واضحة تُجبر أولئك الذين استفادوا من مخطط "بونزي" اللبناني المنظّم على دفع جزء من الفاتورة. بهذه الطريقة، يساعد التعويم الجزئي والمُدار للّيرة أيضاً على تقليل التزامات ديون العملة المحلية وإعادة بعض المنطق إلى سعر الصرف.

الدولة المدنية الحلّ الوحيد

على المدى الأبعد، يُعدّ الانتقال السياسي من الطائفية الضيقة نحو الدولة المدنية الحل الوحيد الذي يمكن أن يعزّز الثقة والحوافز المالية والدعم الدولي ومن شأن ذلك حكماً أن يعيد بناء البنية التحتية المتدهورة وبالتالي الاستفادة من الموارد ولو كانت محدودة. تشمل هذه الموارد رأس المال البشري ذا القيمة المضافة. ويمكن للبلاد أيضاً الاستفادة من موقعها الجغرافي كمركز للنقل والخدمات اللوجستية، وكذلك وجهة للسياحة الخضراء والمستدامة. وهنا لا بد من الاشارة الى أن قطاع النفط المولود حديثاً لن يحقّق الأرباح الموعودة نظراً إلى تطوّر أسواق الطاقة، لذا لا بدّ من الابتعاد عن التعويل عليه. لن يكون الاقتصاد اللبناني بعد انتفاضة تشرين 2019 كما قبلها. سيتحتّم على الطبقة الحاكمة الاستعداد لبناء نموذج اقتصادي أكثر عقلانية لضمان مستقبل عادل ومثمر. وسوف يحتاج هذا المستقبل إلى التركيز على خلق وظائف ذات قيمة مضافة حقيقية من خلال نماذج النمو المستدام.

(دراسة صادرة عن سامي حلبي ويعقوب بوسوال باللغة الإنكليزية)


MISS 3