طوني فرنسيس

الغرف المضاءة والغرف السوداء

26 تشرين الثاني 2019

02 : 00

لم تكن الغرف السوداء ضرورية لتفسير ما جرى في وسط بيروت ليل أول من أمس. فالذين أرادوا منع المتظاهرين من إقفال الجسر (الرينغ) قاموا بهجماتهم وأطلقوا هتافاتهم القروسطية، ثم انتشروا بين الأبنية السكنية لتطهيرها من السيارات المتوقفة ولتنظيف الأبنية والمحلات التجارية من زجاجها وأزهارها، ما ايقظ النائمين لاستقبال زوار الفجر والتمتع بقراءة شعاراتهم التاريخية على جدران منازلهم.

لم يكن إقفال طريق يستحق هذا الكم من الاستنفار الميليشياوي، فلدى الجيش قراره بمنع اقفال الطرقات والمتظاهرون يعرفون ذلك وغيرهم ايضاً، وكان للجيش ان يقوم بواجبه حتى لو ظهر ان بين المتظاهرين من يدفع في اتجاه خطأ عن غير قصد او بنية الإضرار بالانتفاضة. فالجميع يسلم بترك ضبط الأمن والسلامة العامة للمؤسسة العسكرية، بوصفها اداة السلطة الشرعية والوكيل الشرعي في مهمة حفظ النظام العام وحرية المواطن ضمن القانون. إلا ان الغرف السوداء التي يتحدث عنها بعض أركان السلطة ارادت العكس فشع نورها على الرينغ كاشفة بالهتاف المذهبي ما يقلقها فعلاً وما هي غير مستعدة للقبول به.

أرادت غرف المذهبية السوداء من موقعة الوسط الرد على ما جرى يوم الاستقلال من حضور شعبي ملون بألوان لبنان كله مناطق وطوائف، وأرادت ايضاً تنفيذ رغبات تتكرر على ألسنة أهل السلطة في ان الانتفاضة هي مجرد شارع سيقابل بشارع آخر، كما حرصت خصوصاً على ابلاغ الناس "أن مطالبكم في التغيير لن نستجيب لها، وآمالكم بحكومة من الايدي النظيفة لن تستقيم من دون أيدينا الملوثة".

مكشوفة هي اللعبة، وهي تستلزم المزيد من الحذر لدى أبناء الانتفاضة لعدم إعطاء ديناصورات النظام أي حجة للاستفزاز، ولمواصلة الضغط من اجل الإسراع في إيجاد التسوية المقبولة. والايام القليلة المقبلة ستوضح من سيقود البلد: غرفها المضاءة أم غرفها السوداء.


MISS 3