نغم شرف

عالم مجد كردية يُحيي الروح المنسيّة

3 تموز 2019

15 : 12

تعكس أعمال الفنان مجد كردية جزءاً من روح كل من يشاهدها، فنجد في لوحاته التي تحكمها عصابة مؤلفة من شخصيات عدة مثل فصعون الفيل والفأر، أغلب ما نبحث عنه بأسلوب خالٍ من الرواسب المكتسبة ومليء بالمشاعر. تعيش هذه المخلوقات في عالم موازٍ، ندخله ونتعلّم فيه كيفية التواصل بكلمات وألوان لا نجدها في واقعنا ، فنعود إلى المشاعر الاولى من الحب، الخوف، الشر والشجاعة ونفهم أنها مباحة، مبررة وطبيعية، ونتلقّاها كلها بالرحابة نفسها.

يبتعد مجد عن شيطنة الآخر، ويتعامل مع المشاعر التي تصنّف جيدة وسيئة برؤية واحدة، وعن أسباب تقبّلنا للشخصيات التي تمثّل الشر في أعماله مثل "أستاذ وحش حقير جدن" كتلك التي تمثل الخير مثل "أستاذ فيل" يقول: "الوحش والفيل وباقي الشخصيات هي في مجملها إنسان واحد في حالاته وتقلباته، ومن السهل إلقاء كل اللّوم على شرير واحد في القصة، لكن الحياة أعقد من ذلك".


تتحوّل التعقيدات بين البشر إلى حوار بسيط بين الفصاعين، فحين يُسأل "فصعون" المغرم بـ "فصعونة" والمستلقي على الأرض مبتسماً بعد إصابته بسهام الورد، كيف صادتك غزالة؟ يجيب: "قالت لي: أنت الصيّاد". يحمل هذا الحوار إلى جانب اللّوحة الواضحة بكل تفاصيلها، ذكاءً عاطفياً بأبعاد اجتماعية – نفسية، تترجم جزءاً من العلاقة التي قد تجمع بين اثنين، والأدوار التي يلعبونها ويخبؤونها في الظاهر. وعن هذه الحقائق المرسّخة بعالم قد يراه المشاهد مهرباً يشرح مجد: "زرعت الإعتقاد أن أعمالي لا تتناول الواقع، تكلمت عن الحرية والتوحش والقتل المجاني والموت والأمل واليأس وباقي التعقيدات التي نصادفها في الحياة، لكن تناولتها بالفن الذي أعتبره فعل شجاعة وجرأة لا فعل هروب. أقدّم الواقع وقضايا الإنسان، لكن ربما اعتاد المتلقي على الأعمال الفنية التي تشبه نشرات الأخبار".



يظهر"أستاذ فيل" في اللوحة بجسد يحتوي وروداً كثيرة، لم تكفّه عن السير على غصن جديد، يمثّل تجربة قادمة. سيدوس "أستاذ فيل الذي قلبه سمكة" بين  الشوك وعليه ليصل في نهاية رحلته للوردة البرتقالية فيضيفها إلى داخله بكامل جمالها وبغصن خالٍ من الشوك، سينضج ويصبح بحسب الجملة المرفقة باللّوحة "ما يسير إليه".

يقول مجد عن تطوّر الشخصيات: "مع الوقت كل شيء ينضج أو يتغير حتى لا نقع في فخ التكرار. تبدّلت شخصيات بالشكل، كالوحش الذي كان باللون الأسود، لكن حين انتبهت إلى رمزيته العنصرية تم تغييره، وهناك شخصيات في حالة راحة كالذئب والبومة. أما هذه السنة، فتطوّرت شخصية الفيل والحوت والحمار الذي أصبح ملكاً للبطيخ، ومغامرات فرسان البطيخ ستكون نتاج السنة المقبلة. أما فصعون وفصعونة فلم يتغيّرا، لكن أنا الذي تغيرت ربما". ويفسّر مجد العلاقة التبادلية مع أفراد العصابة والتي تؤدي أحياناً إلى مزج الأصدقاء بينه وبينهم، بأنه يحاول الاختباء دائماً وراء ستارة، وتركهم يتحركون على خشبة المسرح بحرية، ورغم أنه يديرهم إلا أنّ القصة من تأليف الحياة.

تضيع روحنا الفطرية مع الوقت والتجربة، ويطغى الفكر والخوف على التواصل والحب، فتطلّ عصابة مجد كردية من عالم تنتج مشاعره فكراً، لتذكرنا بأنّنا مخلوقات بسيطة، تنغمس، تتّكل، تشاركك حالاتها مع الآخر وتحاول قدر الإمكان الحفاظ على صلبها. مخلوقات لنفسها ولغيرها، لا ترغب سوى التعبير بوضوح وخفّة، والنمو بالمغامرات والمعرفة.

يتمثّل النّجاح الحقيقي بالنسبة لمجد بالمقدرة على زرع الفن في الحياة اليومية للبشر: "نَبَعت شهرة المتنبي من مقدرته على التكلم بما في ضمائر الناس، وأنا أحاول اللّعب في هذه الساحة، ومواجهة مخاوفي وأفكاري في العمل الفني. هي القدرة على نقل الشخصي إلى الكوني أو كما يقول درويش: لا الشخصيُّ شخصيٌّ ولا الكونيُّ كونيٌّ".

MISS 3