طوني فرنسيس

الجريمة المتمادية

4 آب 2022

02 : 00

إهتزّت بيروت وضواحيها قبل عامين. كان الاهتزاز إنذاراً سريعاً بانفجار شبه نووي سيدمّر مباني ويقتل مواطنين في المرفأ وفي البيوت ضمن دائرة واسعة وسط المدينة وأطرافها القريبة.

تفجير مرفأ بيروت أصاب اللبنانيين بكارثة ثالثة في سلسلة الكوارث المتلاحقة خلال أقل من عامين. الكارثة الأولى تمثلت بالانهيار الاقتصادي والمالي الذي ضرب مقومات معيشتهم، والثانية جائحة كورونا التي اجتاحت العالم ونال لبنان حصّته منها، ثم جاءت الثالثة مع جريمة الانفجار ليكتمل قوس المصائب التي كسرت الناس في معيشتهم وصحتهم وأمنهم.

تكتمل ثلاثية الكارثة بضلع رابع هو سلطة البونزي حسب التعريف الدولي، وهي التي قادت البلاد الى جهنم وأشرفت بدقة على ضمان عبورها الى هناك، في إطار ممارسةٍ سياسية لم تنتج سوى تفاقم الأزمات وهدر أموال المواطنين وتجويعهم وتنظيمهم في طوابير أمام الأفران والصيدليات ومحطات المحروقات في بلاد تسودها العتمة والشوق الى الكهرباء.

تمادت السلطة الحاكمة في جريمتها على كل المستويات. وفي قضية الانفجار الذي تصادف اليوم ذكراه السنوية الثانية استهلكت كل إمكانياتها وألاعيبها لمنع التحقيق والوصول الى الحقيقة. شلّت القضاء ووظّفته في خدمة أطرافها. صار المحقق في قضية المرفأ هدفاً ينبغي الخلاص منه بدلاً من دعمه وتسهيل مهمته. أكثر من ثلاثين دعوى رد ألزمت المحقق البيطار الابتعاد عن التحقيق منذ شهور، بعد أن كانت القوى نفسها أبعدت سلفه القاضي صوّان. أصبح منع التحقيق في الجريمة تمادياً فيها وإيغالاً. والى الضحايا الذين سقطوا والخسائر المادية والمعنوية المروّعة صار القضاء ضحيةً إضافية ومعه مؤسسات الدولة ونظامها وقوانينها.

لا أحد يثق الآن بإمكانية الوصول الى الحقيقة. والدعوات الى تحقيق دولي تكسب شرعية إضافية، لكن ذلك لن يتحقق من دون سلطة تطلب هذا التحقيق أو أممٍ متحدة تبادر الى الامساك به، وحتى الآن يبدو كل ذلك مستبعداً.

يحتاج التحقيق بعد مرور عامين على الكارثة الى انطلاقة جديدة لا تبدو شروطها متوفرة في ظروف الانقسام التسلطي الحاكم. فالذين شلّوا يد القضاء يمسكون بالدولة وبمواقعها الأساسية، ولن يحصل أي تغيير في الصورة إلا بفرض توازنات جديدة تنتج معادلات مختلفة في رئاسة الدولة والحكومة. وهذا هو الامتحان الرئيسي الذي سيواجهه المجلس النيابي بقواه التغييرية. وربما عندها يمكن لنا ان نأمل في استعادة دولة القانون وفي استئناف التحقيق الجدي في جريمة المرفأ والتمادي في ارتكابها.


MISS 3