د. نبيل خليفه

الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة تنتخب الأب هادي محفوظ رئيساً عاماً

شهادة بأن المارونيّة كانت وستبقى حركة تأسيسيّة لبنانويّة ديمقراطيّة!

5 آب 2022

02 : 00

مجمع الرئاسة العامّة الجديد في الرهبانية اللبنانية المارونية

يوم الجمعة في 27 تموز 2022 اختارت الجمعيّة العامة للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة قيادة جديدة مؤلفة من الآباء: هادي محفوظ رئيساً عاماً والأب جورج حبيقة نائباً عاماً، والأباء المدبرين: ميشال أبو طقة، جوزف قمر وطوني فخري وذلك طبقاً للتقسيمات الاداريّة لدى الرهبانيّة. لقد وجدت نفسي مسوقاً الى الكتابة من هذا الحدث لثلاثة أسباب:

أوّلها: أني معنيّ في حياتي الفكريّة بموضوع الكنيسة المارونيّة ورمزها الأبرز الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة.

وثانيها : لأني عملت مستشاراً لرئيس جامعة الروح القدس الكسليك، لمدّة سبع سنوات (1995-2002).

ثالثها: لأنّ الجماعة الرهبانيّة المختارة بقيادة الرئيس العام الجديد تختزل طاقات لا بدّ من الاهتمام بها والاستفادة منها خدمةً للشباب والكنيسة ولبنان.

1- اذا كان الكثيرون من الموارنة يهتمّون في هذه المرحلة برئاسة الجمهوريّة وتأليف الحكومة وهو في كثير منه اهتمام ساذج وبائس، فإنّ الاهتمام الجدّي والبارز ينبغي أن يكون باتجاه الحدث الديمقراطي بانتخاب الهيئة الجديدة للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة بقيادة الآباتي هادي محفوظ حيث يولد أمل جديد في حياتنا العامة على قاعدة فكريّة أرسيناها منذ مدّة وعنوانها ان «المارونيّة حركة تأسيسيّة» والرهبانيّة هي أبرز تجليات هذه الحركة.

2- ان تكون المارونيّة حركة تأسيسيّة فهذا يعني انها حركة إنشاء لبناء وخلق يجسّد في المؤسسات التي كان الموارنة في أساس قيامها، وتختزل مقوّمات المارونيّة كحركة تأسيسيّة بخمسة: الأرض والعمق الروحاني والتجدّد والتحرّر والعالميّة.

الأرض : من أفاميا في شمال سوريا الى جبل لبنان العمق الروحاني، الذي يجمع أهل أنطاكية على مفترق الأمم ويمثّل الاصالة المسيحيّة وتعبيرها في الكنيسة المارونيّة.

التجدّد: لأنّ الأصالة تفترض حتماً حركة تجدّد وإصلاح تواكب المسيرة الروحانيّة.

التحرّر: لأن العمق الروحاني والتجدد يستدعيان حكماً نزعة التجدّد القائمة على الرؤيّة البولسيّة لحريّة الإنسان ودوره في صناعة التاريخ.

العالميّة: كانت أنطاكيّة مدينة كوسموبوليتيّة عالميّة بلغاتها وسكانها وثقافاتها والمارونيّة ولدت في العهد الانطاكي ابنة شرعيّة لهذه الكوسموبوليتيّة.

3- من النماذج التأسيسيّة المارونيّة نشير الى سبعة طوال تاريخ الموارنة:

- التأسيس الاجتماعي لبيت مارون = الجماعة المارونيّة.

- التأسيس الكنسي = الكنيسة المارونيّة مع بطريركها الأوّل مار يوحنا مارون (685) أسقف البترون وجبل لبنان الذي جعل مقرَّه الأول في كفرحي.

- التأسيس الحضاري- الثقافي بإنشاء أول مطبعة في العالم العربي في دير قزحيا.

- التأسيس الروحي بقيام المؤسسة الرهبانيّة الحلبيّة المارونيّة (1695) وهو ما سنعود اليه لأنّه يعني شبابنا وشعبنا وتاريخنا.

- التأسيس التربوي الثقافي من خلال عقد المجمع اللبناني (1736).

- التأسيس الوطني بقيام دولة لبنان الكبير (1920) لأن عيش الحريّة وممارستها يفرضان قيام دولة تؤمن بها وترعاها.

- التأسيس التاريخي للموارنة من خلال عقد مجامع مارونيّة تُعنى بقراءة واقع الموارنة ودورهم ومستقبلهم على ضوء الماضي والحاضر والمستقبل وآخرها المجمع الماروني (2006).

4- ان التأسيس الروحي لدى الموارنة يتناول قيام الرهبانيّة على قاعدة تحرير طاقة القداسة في الانسان ووضعها في خدمة الله والانسان والأرض. وهو ما أوحى لثلاثة شبَّان موارنة من حلب بتأسيس الرهبانيّة الحلبيّة المارونيّة (1690) وهم: جبرائيل حوّا، عبدالله قرعلي، ويوسف البتن، انضم إليهم في ما بعد إبن مدينتهم جرمانوس فرحات. وهكذا ولدت أهم وأكبر مؤسسة رهبانيّة مشرقيّة مارونيّة تعبّر بفروعها ومؤسساتها الديريّة والتربويّة والاجتماعيّة والجامعيّة عن يقظة الروح وثورة الايمان وتجلّيات القداسة.

5 - على أن قيام هذه المؤسسة الروحيّة لم يكن دون مشاكل واجتهادات مختلفة نشير من بينها الى أمرين:

الأول: هل الرهبانيّة ذات هدف نسكي فقط دون الاهتمام بثقافة المجتمع بالانعزال عنه؟

الثاني: هل هي رهبانيّة حلبيّة أم لبنانية؟

ولقد تمَّ حسم الأمرين ديمقراطياً بين الإخوة المؤسسين. وغدت الرهبانيّة عامل نسك وثقافة في آن وهي بالتأكيد قداسة نسكيّة وعمل رسولي ثقافي. يقرّب من الله ومن الانسان في آن، في لبنان والانتشار خدمة لكل انسان لأن مجد الله يمّر بخدمة الإنسان وترقّيه ليصبح بحريته ابن لله، ولأن لبنان بطبيعته وكيانه وهجرة الموارنة إليه من شمال سوريا أصبح رمزاً مارونياً لكل الموارنة في المشرق وفي بلدان الانتشار في مختلف أنحاء العالم. ولذا كرست وتكرّست رهبانيّة لبنانيّة مارونيّة.

6 - عرفتُ الراهب هادي محفوظ منذ التسعينات. ولاحظت الميزة الأساسيّة في شخصيته وهي أنه رجل يحمل في عقله وقلبه مشروعاً ويودّ أن تسمح له الظروف والامكانات بتطبيقه. إنه بالتأكيد مشروع نهضوي على مستوى الرهبانيّة المارونيّة والوطن. بعد ثلث قرن من الانتظار أعتقد ان الآباتي هادي محفوظ على وشك البدء بتنفيذ ما كان يحلم به ليلًا ونهاراً. وهو مشروع يدور حول وجود المسيحيين في الشرق وحضورهم ودورهم والتحدّيات التي تواجههم وما يمكن وينبغي ان تفعله الكنيسة المارونيّة وتحديداً الرهبانيّة المارونيّة لمواجهة هذا التحدي بل هذه التحديّات.

أولها: التحدي الجغرافي لأن كنيسة لا جغرافيّة لها لا تاريخ لها.

ثانيها: تحدي الموقع: إذ اننا كنائس حدوديّة عرضة للارتطامات ومع ذلك لسنا ولا ينبغي ان نكون حرس حدود لا لاسرائيل ولا للغرب!

ثالثها: التحدي الديموغرافي هاجس تناقص العدد ولأن الديموغرافيّة تصنع التاريخ.

رابعها: التحدي السياسي لقيام دولة القانون والشرعيّة الدولية، لا دولة الحكم الالهي- الدويلة.

خامسها: تحدي الرؤيّة المستقبليّة القائمة لدى المتنورين المسيحيين على الالتزام بديانة الابن لتحقيق الاصلاح وانجاح الثورة في محيط تسوده وتتصارع فيه ديانة الآب. وكما يقول الأب بولس نويا اليسوعي (أستاذ أدونيس) «اما العنف وقبضات الأيدي وقرقعة السلاح ونبرات الكلام العالي فهي مظاهر خوف صبياني يربض في أعماق القائمين بها» أليس هذا ما يحصل عندنا الآن وما نسمعه ونراه كل يوم؟.

.. هذا مدخل الى الكلام وستكون لنا عودة.

MISS 3