باتريسيا جلاد

لذا فإن مسألة تعدد الأسعار "مطولي شوي"!

لا سعر موحداً للدولار قبل إعادة هيكلة المصارف جذرياً

8 آب 2022

02 : 00

تحويلات المغتربين تسهم في عدم اضمحلال قيمة الليرة اللبنانية

* «التوحيد» يواجه معضلة التضخّم وكيفية حساب تسديد الرواتب والأجور

* ضرورة خلق شبكة دفع إلكترونية موحدة بالليرة اللبنانية (عملة رقمية)

* حمود: علينا القبول بأن سعر صرف الدولار هو 30 ألف ليرة و»طلوع»

* الإبقاء على السعر الرسمي حاجة الآن، وتحريره يطلق صرخة المدينين


لم يعد جديداً القول إنّ توحيد أسعار صرف الدولار في لبنان غير ممكن حالياً في ظلّ استمرارية التخبّط في قعر الأزمات المالية والنقدية والإقتصادية والإجتماعية.


صحيح أن السياسة النقدية التي اعتمدت في لبنان من خلال توحيد وتثبيت سعر صرف العملة الوطنية إزاء الدولار لفترة 23 سنة، أغرقت البلاد بالبحبوحة (الوهمية) والإستقرار (النسبي)، وأوحت أن لبنان بلد آمن ومستقرّ في ظلّ توصيف القطاع المصرفي بأنه عمود الإقتصاد ولا يمكن أن يهتزّ. فجذب ذلك رؤوس أموال وإستثمارات وجنى عمر المغتربين اللبنانيين، إلا أن تلك البحبوحة قابلتها هندسات مالية وممارسات محفوفة بالفساد من المنظومة الحاكمة، ما أدى الى تراكم الدين العام وتراكم العجز في ميزان المدفوعات... حتى وقع الانهيار الكبير الذي سيدخل عامه الثالث في تشرين الأول المقبل. ومعه أظهرت إدارة الأزمة النقدية اسعاراً عدة لسعر صرف الدولار، أطلق العنان لها المصرف المركزي لإطفاء خسائر القطاع المالي وتحقيق نوع من التعويض والتوازن الموقت لحين اطلاق الحكومة عجلة الإصلاحات، وجاءت أسعار الصرف كما يلي:


جملة أسعار

أولاً، سعر الصرف في المصارف وفق التعميم 151 الذي كان 3900 ليرة وارتفع بعدها الى 8000 ليرة.


ثانياً، سعر صرف بقيمة 12000 ليرة لبنانية للمستفيدين من التعميم 158 والذي أجاز السحب 400 دولار نقداً و400 دولار أخرى شهرياً على اساس 12000 ليرة للدولار الواحد.

ثالثاً، سعر منصّة «صيرفة» الإلكترونية التي أوجدها مصرف لبنان في ايار 2021 وتجمع الصرّافين الشرعيين والمصارف لمحاولة تأمين ثبات القطع والحد من المضاربات في الأسواق مع بعض الشفافية في الأسعار . وقتها كان السعر على المنصة 12 ألف ليرة مقابل 17 ألفاً لدولار السوق السوداء، ووصلت اليوم الى 25800 ليرة مقابل 30750 ليرة لدولار السوق السوداء.



رابعاً، السحوبات التي تتم في المصارف من خلال سعر منصة «ًصيرفة» وفقاً للتعميم 161، والإتصالات التي باتت تحتسب وفق «ًصيرفة» بعد قسمة التعرفات السابقة على ثلاثة أي بمعدل 8500 ليرة لبنانية لدولار الإتصالات مقارنة مع تعرفة ما قبل 1 تموز 2022 حين كانت لا تزال تحتسب على السعر الرسمي.


رابعاً، هناك سعر الدعم الذي يحظى به القمح وبعض الأدوية والمستلزمات الطبية بالإضافة الى دعم استيراد البنزين بنسبة معينة على سعر المنصة وسعر دولار الكتاب المدرسي... دعم عشوائي أثمر هدر 15 مليار دولار من احتياطيات مصرف لبنان وطحين الخبز العربي ...

خامساً، الدولار الجمركي الذي لا يزال وفق تسعيرة 1507.5 ليرات لبنانية للدولار ويتمّ البحث برفعه الى ما بين 8000 و سعر «ًصيرفة».




سمير حمود


هل يمكن توحيد الأسعار؟

السؤال البديهي: لماذا لا يمكن توحيد سعر الصرف اليوم، وماذا يحصل لو تجرأت الحكومة على الخطوة، كيف سيتلقف الإقتصاد واللبنانيون وقع هذا الأمر؟


اعتبر رئيس لجنة الرقابة السابق على المصارف سمير حمود خلال حديثه الى «نداء الوطن»، أن «كل كلام خارج إطار سعر صرف واحد للدولار أمام الليرة اللبنانية هو كلام مصطنع. إلا أن توحيد سعر الصرف يواجه مشكلة الإتجاه الصعودي للدولار المستمر، زيادة نسبة التضخّم، وكيفية تسديد الرواتب والأجور واحتساب الدولار الجمركي والتعويضات... وهذا واقع لا يمكن التغاضي عنه أو تخبئته».


ورأى أن «كل أسعار الصرف التي يتم تداولها من سعر رسمي بمعدل وسطي 1507.5 ليرات الى 8000 ليرة وغيرها... تعتبر خارج الإقتصاد الصحيح، ويمكن من خلال حبس الودائع خلق أسعار أخرى وهمية تغذيها من الودائع المحبوسة وحتى نوعاً ما المصروفة. لذلك، يبقى أمامنا الخيار التالي: المحافظة على ما تبقى من دولارات في احتياطي مصرف لبنان ومواجهة سعر تضخّم صحيح».


وحول تداعيات تحرير السعر الرسمي من المستوى الوهمي الى الحقيقي، قال حمود إن «الإبقاء على سعر الصرف الرسمي هو حاجة ، وتحريره سيطلق الصرخة لمن يترتّب عليه دين. اذ تسدّد التسليفات والقروض وفق سعر 1515 ليرة لبنانية للدولار الواحد مقابل تقاضي الرواتب وفق سعر 8000 ليرة لبنانية للدولار (مثلاً) وهذا الأمر غير صحيح».


ولفت الى أن «معالجة المشكلة التي نتخبّط بها ترتّب علينا القبول بأن سعر صرف الدولار هو 30 ألف ليرة و»طلوع» ، ومعالجة قضية الرواتب والأجور ومعرفة كيفية معالجة مسألة التعويضات، والديون استناداً الى سعر صرف بقيمة 30 ألف ليرة» .


ويوضح أن «اي كلام خارج هذا الواقع يصبّ في خانة إستهلاك ما تبقى لدى مصرف لبنان من مخزون بالعملة الأجنبية. وهنا تبرز المواجهة الحقيقية للأزمات المالية والإقتصادية والنقدية التي نعيش فيها، اذ أنه من غير المقبول أن تسدّد المصارف سعر صرف الدولار وفق 8000 ليرة لبنانية، فيما تحصل على الدولار وفق سعر منصة صيرفة البالغ اليوم 25800 ليرة لبنانية، بينما دولار السوق السوداء يتعدى سعره الـ 30 ألف ليرة».


ويضيف: «صحيح أن مصرف لبنان يحاول تجنّب تفاقم التضخم، ولكن يمكن أن تكون الليرة اللبنانية التي يتمّ ضخّها في السوق مقابل الدولارات المودعة في المصارف هي نفسها الليرة اللبنانية مع احتسابها وفق سعر السوق . فبدل سحب 4000 دولار مقابل 30 مليون ليرة يمكن تقاضي 1000 دولار بالمقابل». مصنّفاً هذا التدبير «بأنه سرقة للودائع».


ثم كيف يتمّ التسديد لمودعين 400 دولار أميركي في حين أن آخرين لا يحق لهم بذلك. وكذلك الأمر بالنسبة الى تسعيرة الـ12 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد أي بأقل من سعر صرف الدولار في السوق السوداء بمرّة ونصف وفق التعميم 158، وهذا الأمر يعتبر ايضاً سرقة.


التدابير المطلوبة


في هذا السياق يشير حمود الى عدة نقاط يجدر تحقيقها وهي:

1 - الهدف بالنسبة الى لبنان، أن يكون لدينا سعر صرف واحد للدولار غير نقدي مقابل سعر صرف نقدي ورقي. اذ أن الدولار النقدي يمكن أن يختلف عن الدولار النقدي التحويلي على غرار ما يحصل في سائر أنحاء العالم مع فارق بنسبة 1 أو 2%. وأحياناً في بعض الدول تكون قيمة سعر الصرف غير النقدي أغلى من النقد، لأن بعض الدول يرفض استخدام النقد.

2 - سعر المنصة يجب تحديده وفق سعر السوق السوداء زائد 50 ليرة وليس بالناقص لأنه سيتمّ تحويل كل عمليات القطع الى القطاع المصرفي.

3 - إيجاد قطاع مصرفي بمعايير دولية، ليصار بعدها الى التوجه نحو توحيد سعر الصرف.

4 - إعداد موازنة حقيقية وفق سعر صرف للدولار بقيمة 30 ألف ليرة وتحديد الرواتب على هذا الأساس رغم صعوبة هذا الأمر.



تفاقم التضخّم كلام فارغ

وحول التضخم الذي ستخلّفه تلك الإجراءات وتداعيات ذلك على الإقتصاد، قال حمود: «كل ما يحكى عن تفاقم التضحم والإضرار بالإقتصاد، هو كلام فارغ، اذ لا يمكن أن يكون لدينا اقتصاد صحيح وسعر الدولار أقلّ من سعر السوق، بل يجب اعتبار سعر صرف الدولار بالصيغة المتداول بها حالياً في السوق السوداء أي بقيمة 30 ألف ليرة. وفي كل مرّة يتحرّك فيها الدولار صعوداً يجب مواكبته وتصحيح الوضع». لافتاً الى أننا اذا «لم نسلك هذا الإتجاه نكون في مرحلة ترقيعية وبالطريقة الخطأ».



اما في ما يتعلق بالخطة التي طرحها حمود منذ فترة والتي من شأنها أن توقف نزيف الإحتياطي، وتضع القطاع المصرفي والنقدي على السكة الصحيحة، فقال: «لا نستطيع كما ورد في الخطة أن نوحد سعر صرف الدولار قبل أن نلجأ مسبقاً الى خلق قطاع مصرفي وفقاً لمعايير دولية. وأن يكون القطاع صحيحاً لا تشوبه شائبة ويبتعد عن الملاحقة القضائية من خلال تشريع جديد تكون له أصوله وأحكامه ومعاييره الدولية. عندها المصارف التي ستطيع من أن تستمرّ تبقى والتي لا تستطيع تخرج من السوق».


جملة ملاحظات إضافية

أبدى سمير حمود جملة ملاحظات إضافية كما يلي:

أ- على المودع أن يفهم أن ودائعه لا يمكن أن تؤكل، ولكن استردادها ليس على المدى القصير بل على المدى الطويل، ووفقاً لأحوال ميزان المدفوعات الذي يمكن ان يتحقق في البلد من خلال ما يسمى خلق مصرف جديد قادر على حفظ الموجودات التي تغطي هذه الودائع التي لدينا.

ب- ضرورة خلق شبكة دفع موحدة بالليرة اللبنانية (عملة رقمية) تتمّ من خلال بطاقات الدفع البلاستيكية الإئتمانية، والدفع الإلكتروني والدفع من خلال الهواتف الذكيّة، وأن تكون أدوات الدفع الصحيحة بالليرة اللبنانية. وهذا الأمر ممكن أن يؤدي الى فائض كبير بالعملة الأجنبية لا سيما ان الحسابات المالية اليوم أصبحت تشكل ما لا يقلّ عن 50% من اقتصادنا وميزان مدفوعاتنا في حين في أيام البحبوحة كانت لا تتجاوز 25% من ميزان المدفوعات والإقتصاد.

مع الإشارة هنا الى أن الحسابات المالية هي عبارة عن تحويلات المغتربين في الخارج ومنها التي تأتي من الإستثمارات المباشرة أو غير المباشرة وإدخارات في القطاع المصرفي بالعملات الأجنبية، وهذا ما يعيد الوضع في لبنان الى ما كان عليه سابقاً.


تطوّر سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية

- 1987: سعر صرف الليرة في عهد الرئيس أمين الجميّل كان يقارب 550 ليرة للدولار.

- 1991: 880 ليرة.

- آب 1992: 2880 ليرة.

- آخر 1992: حوالى 1900 ليرة (قبل وصول الرئيس رفيق الحريري الى رئاسة الحكومة).

- تشرين الاول 1992: الحكومة الاولى للرئيس الحريري.

- أيار 1993: تعيين رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان.

- آب 1993: إستلام سلامة منصبه (الدولار 1950 ليرة).

- حزيران 1997: قرار ضبط سعر الصرف عند 1507.5 ليرات للدولار.

- 2019 انفجار الأزمة المالية والنقدية وتحكّم السوق السوداء بسعر الصرف.

MISS 3