جان كلود سعادة

الغَباء القاتل

9 آب 2022

02 : 00

يتفّق الجميع على الإعتراف بإجرام المنظومة وذكائها، ولكنّه ذكاء نابع من جيبها والمناطق المحيطة وليس من عقل نيّر وفكر ثاقب. فالمنظومة قررت تركيب بونزي ضخم بهدف سرقة أهل بيتها، بدل أن تبني إقتصاداً حديثاً وجاذباً للإستثمارات وقادراً على تصدير البضائع والخدمات والحلول المبتكرة، وأيضاً ابتكار وتصدير الشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا. فالمنظومة إختارت البقاء في الماضي حتى في أسلوب السرقة الذي إعتمدته والآن قرّرت محو المستقبل وأي إمكانية لإستعادة الثقة عبر الإنهيار المتعمّد والخطط التي تحاول تمريرها وفرضها على البلد.

الغيرة الإيجابية

وبينما كان جحا يسرق أهل بيته، كانت دولة عدوّة مزروعة في الشرق الأوسط تتحوّل إلى اقتصاد متطّور وحديث. والمقارنة هنا ليست أبداً من باب الإعجاب بل نابعة من واجب التحوّط والحذر، ومن باب الغيرة الإيجابية واستخلاص العبر وتحفيز الذات على الخروج من إقتصاد أرادته المنظومة «خِرْجاً» تمدّ يدها عليه بإستمرار، عوض بناء إقتصاد حقيقي ومتطوّر يعوّض على لبنان صغر مساحته ومحدوديّة الموارد الطبيعية بالتركيز على الحلول الذكيّة والمبتكرة. وخصوصاً بالإنفتاح على أسواق العالم والشركات الكبرى والحفاظ على أعلى درجات التنافسيّة.

فلنسأل أنفسنا ماذا فعلت دولة مساحتها ضعفي مساحة لبنان وعدد سكانها ضعفي سكان لبنان ليكون حجم إقتصادها أكثر بعشرين مرّة من حجم إقتصاد لبنان؟

هل تفسّرالمساعدات الأميركية والغربية كل هذا الفارق؟

ألا يثير الوضع المزري الذي أوصلنا أنفسنا اليه الغضب والنقمة؟

سرقة الماضي ومحو المستقبل

المنظومة التي اتّفق الجميع على الإقرار بذكائها لا يمكن أن تقع في خطأ بديهي كمثل قتل الثقة بالبلد عمداً. فالأصحّ انها تقصّدت وضع خطّة تصح حسابيّاً وتوافق عليها الجهات المانحة لكنها تؤدّي إلى فقدان تام للثقة بالبلد وإقتصاده وقطاعاته.

فمن يستفيد من تحويل لبنان إلى دولة فاشلة وإقتصاد مصاب بالشلل ويعتمد كلّياً على تحويلات المغتربين والمساعدات وخصوصاً العينيّة منها؟ والأدهى أنّه مع مرور الوقت يخسر البلد جميع الطاقات اللازمة لإعادة إعماره بالهجرة واليأس والإفلاس والموت.

بالنتيجة، ما فعلته المنظومة ليس فقط عمليّة نهب للمال العام وسرقة للمال الخاص بل عمدت إلى إثقال البلد بالديون ثم أغرقته بالتضخّم المفرط وصولاً إلى حرقه وتفجيره وتهجير أهله وقتلهم بطرق مختلفة.

ما حصل هو عمليّة تدمير ذاتيّة متعمّدة للبلد نتائجها ماثلة أمامنا ولا تحتاج إلى أي تفسير او تحليل. أما المستفيدون فكثر وأهمهم أي عدوّ يريد قتل لبنان وحذفه من المنافسة في إقتصادات المنطقة والعالم.

يبقى سؤال واحد: هل دفعنا ثمن غباء المنظومة أو إجرامها وارتهانها؟ - وفي كل الأحوال النتيجة هي نفسها.

الخروج من المزرعة

أمّا الخروج من مزرعة المنظومة فيحتاج إلى سنوات من التنظيف والبناء.

يبدأ بتنظيف العقول والذهنيات من الأمراض الطائفية وتنظيف القوانين من مخابئ اللصوص والفاسدين كالسرية المصرفية والقوانين المعطّلة سلفاً، وتنظيف القضاء من المتقاعسين وتنظيف السياسة والأمن والإقتصاد ولا ننسى وقف تدخل رجال الدين في السياسة.

أمّا البناء فيحتاج الى رؤية ووقت وتضافر جهود ولكنّه يبدأ من نقطة اساسيّة هي إتفاق وطني شامل على «دور لبنان» المستقبلي فتتحدد على أساسه مجموعة السياسات الوطنية وأهمها في هذه المرحلة السياسة الإقتصادية وأدوات تنفيذها.

@JeanClaudeSaade