د. نبيل خليفه

في الرئاسة والرئيس!

12 آب 2022

02 : 00

في الظروف العاديّة التي كان يمرّ بها لبنان، كان موضوع اختيار رئيس جديد للجمهورية يثير العديد من الاجتهادات والصراعات والخيارات المتنوّعة وحتى المتناقضة بين القوى السياسية المعنية بهذا الاستحقاق. فلبنان، بالرغم من كونه بلداً صغيراً، مساحةً وسكاناً، فهو بلد يجسّد مكوّنات الصراع السياسي – الاجتماعي – الديني- الثقافي، في منطقة الشرق الأوسط. وهو، دون غيره من دول المنطقة، كان ولا يزال يحمل تراث الممارسة الديمقراطية في أفضل وأسوأ معانيها على السواء. ولعلّ طابعه التعدّدي الديني كان في أساس صراعاته المفتوحة على الداخل والخارج في آن. وفي رأس هذه الصراعات اختيار رئيس للجمهوريّة كونه رأس السلطة وله دوره وتأثيره في مسار الأحداث وحياة المواطنين.

فماذا عن الرئاسة؟

وماذا عن الرئيس المطلوب والمناسب للبنان اليوم؟

- لا يمكن ولا ينبغي مقاربة موضوع رئاسة الجمهورية اللبنانية إلاّ من منظار استراتيجي. فبمثل هذا المنظار يمكن تخطي الأمور والاعتبارات الشخصية – الفئوية والذهاب في العمق الى محتوى رئاسة الجمهورية اللبنانية ودورها في ضوء تاريخ لبنان وجغرافيته السياسية، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

- وأوّل ما ينبغي التذكير به «هو أن قرار الدول الأوروبيّة» والسلطنة العثمانيّة في القرن التاسع عشر بالاعتراف بالاستقلال الذّاتي للبنان، وبإرساء حاكم مسيحي هو الوحيد بشرعية مسيحية في شرقي المتوسط كان قراراً استثنائياً له مفاعيله التاريخية والجغرافية والدينية.

- لقد أدرك الشيخ بشاره الخوري بفكره الثاقب وبحسّه التاريخي ان الشرعية المسيحية للرئاسة اللبنانية الوحيدة الجانب، لا يمكن ولا ينبغي ان تبقى كذلك. وبالتالي لا بدّ من تعميمها على كل اللبنانيين كي تصبح شرعية كاملة يشارك فيها المسلمون ويؤيّدها العرب. ومن أجل ذلك عمل بشاره الخوري لتحقيق أربعة أهداف:

- تحقيق الاستقلال.

- إرساء الميثاق الوطني بين اللبنانيين.

- صياغة الدستور كما تبلور في ذهن ميشال شيحا الذي هو باني لبنان المعاصر.

- تحقيق المألفة بمعنى ان لبنان الكيان والدولة هو ذو خلفيّة مسيحية وذو وجه عربي في آن. وهكذا ولدت «أوّل جمهورية ديمقراطية تأسست في العالم العربي» كما يقول فيليب حتّي وصار تحقيق الشرعية الاسلامية بمقدار مماهاتها بالشرعية الوطنية اللبنانية.

4- ان حرب 1975 هدفت في أساس ما هدفت الى الحدّ من سلطة رئيس الجمهوريّة في بُعدها المسيحي الماروني وبخلفيّة فرنسيّة كما هدفت بالمقابل الى توسيع سلطة رئيس الحكومة السنّي كما أبرزته وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) .

5- ان مقاربة دور وأهميّة وطبيعة رئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة ينبغي ان تأخذ بالاعتبار، وبشكل دائم ثلاثة أمور أساسيّة مترابطة ومتكاملة: مسار الحياة المتجدّدة، وهويّة بناة النهضة العربيّة، والمعادلة التاريخيّة بين الجماعة المسيحيّة وثقافة الحريّة. والجواب على ذلك واضح وصريح: إنّهم المسيحيون اللبنانيون!

6- إذا كان خيار الرئيس اللبناني بالأمس، شهد بعض الصعوبات والعقد، فهو اليوم يشهد بالتأكيد عشرات العقد. ومن أجل تخطيها والذهاب الى ما ينفع اللبنانيين، نرى ان كل رئيس للبنان ينبغي ان تكون له:

- صفة تمثيلية لطائفته ووطنه بالمعنى الايديولوجي.

- علاقات طيبة بكافة العائلات اللبنانية المتشاركة، على حدّ تعبير ميشال شيحا (Communautés).

- قدرة على التوقّع، التبصّر للمستقبل في بلد لا يُحكم إلا بسلطة الأفكار وليس بسلطة الأوهام!

- حكم القانون والدستور وبالتالي يفترض برئيس لبنان في ظروفه الخاصّة والصعبة الحالية ان يكون، بالدرجة الأولى رجل دستور وقانون وعدالة وإنماء وخاصة في ظروفنا الصعبة.

وليس من قبيل الصدف ان يكون ميشال شيحا واضع أول دستور للبنان 1926 معتبراً حتى اليوم، وغدًا، الرئيس الفخري غير المنتخب للجمهورية اللبنانية.

7- ان المهمّة الأهم والأصعب لرئيس الجمهورية اللبنانية الجديد ستكون بالتأكيد صياغة استراتيجية لبنانية شاملة ذات أربعة أبعاد:

• استراتيجية سياسية دفاعية تحكم علاقته بـ»حزب الله»، وسلاحه وتستجيب لكونه دولة – حاجزاً.

• استراتيجيّة انمائيّة قائمة على استثمار ثروات لبنان الطبيعية المائية، والنفطية والغازية والمناخية.

• استراتيجيّة ثقافية تقوم على تشجيع ودعم ورعاية مراكز الأبحاث العلمية لتخطيط سياسة مستقبلية على ان يكون للمرأة فيها دور فاعل.

• استراتيجيّة دينية قائمة على الاعلان العالمي للأخوة الانسانيّة كما تمّت صياغته بين البابا فرنسيس والمفتي أحمد الطيِّب للعمل بروح المحبة على التقريب بين الأديان على قاعدة احترام المقدّس لديها لارتباطه بالايمان بحقائق ماورائية غير مرتبطة باليقين الموضوعي، وعلى اعتبار ان لبنان كان ويجب أن يبقى مختبراً للحوار بين الأديان وطاقة فكرية - إيمانية في مواجهة التطرّف والعنف.

باختصار، ينبغي التأكيد على ان رئيس لبنان المقبل بل كل رئيس للبنان، ينبغي ان يصنّف في خانة القيادة لا في خانة الزعامة. فالقائد يبقى أميناً للخط التاريخي للجماعة التي يمثّلها في السلطة، وأمَّا الزعيم فقد يستفيد من الدعم الجماهيري لكنه ينقلب على الخط التاريخي للجماعة التي يمثلها مقدّماً عليها مصالحه الذاتية السلطوية والمادية. وهذا هو الالتباس الذي يقع فيه الكثيرون، ومنهم بعض اللبنانيين، بين القيادة والزعامة.

نحن مدعوون للوقوف الى جانب خط القيادة المارونية خط بشير الجميّل،

وان نتحلى بما أسماه المفكّر الفرنسي أندره مالرو برنامج القرن الحادي والعشرين وفيه تسلّح القيادة باثنين: الثقافة والشجاعة!

أن الموقف من الدولة اللبنانية هو الذي يحدّد الموقف من رئيس لبنان المقبل!

MISS 3