ريتا ابراهيم فريد

مراسلو الانتفاضة: وسيط بين المواطن والسلطة

30 تشرين الثاني 2019

12 : 07

يبدأ عملهم من الصباح الباكر ويستمرّ حتى منتصف الليل أو أكثر. ساعات طويلة متواصلة من النقل المباشر يمضونها أحيانا تحت الخطر. تحمّلوا جميع أنواع المضايقات والضغوط النفسية. واجهوا التهديدات بإصرار واضح على الاستمرار كما يقتضي واجبهم المهني بنقل الصورة للرأي العام. البعض وصفهم بأنهم "نبض الثورة"، حيث أنهم باتوا الصوت الفعلي للناس. نقلوا مطالبهم. تعاطفوا مع أوجاعهم. شكّلوا جسر عبور لصرخاتهم نحو من يجب أن يسمع. ورغم سقوط بعض الهفوات، لكن يسجّل للمراسلين الذين غطوا الانتفاضة الشعبية من مختلف القنوات على أنهم كانوا أبطالاً تحدّوا صعوبات كثيرة في مواجهة أي تعتيم إعلامي لنقل الصورة نحو الضوء. فأصبحوا هم الضوء.

الحاج موسى: أحيانا أنسى أني أقوم بعملي وأتّحد مع صرخات الناس


مع بداية الاحتجاجات الشعبية في 17 تشرين الأول، كانت مراسلة قناة "الجديد" جويل الحاج موسى متواجدة لنقل الأحداث في منطقة الناعمة مع أول دولاب تمّ حرقه، وتنقّلت خلال تغطياتها بين مناطق عدة. مرّت ليالٍ عدة لم تنم فيها أكثر من ثلاث ساعات، حتى كادت تسقط أرضاً من شدة التعب. وحين حضر الإسعاف تجمهر حولها أهل المنطقة طالبين منها أن تبقى قوية: "نحنا بحاجة إلك".

جويل لم تسلم أيضاً من تهديدات ومضايقات عدة. حتى عندما تعرّضت سلامتها الشخصية للخطر لم تتراجع، خاصة حين تمّ تهديد فريق القناة "الجديد" في صور ومُنع من دخول المدينة، وحين شنّت عليها حملة عنيفة خلال تغطيتها لبوسطة الثورة في صيدا، لكنها عادت الى الساحة بزخم أكبر بعد أن طالبها أهل المنطقة بالعودة.

في هذا الإطار، تؤكد جويل لـ"نداء الوطن" على أنّ الناس بكل بساطة هم الدافع الأساسي كي تتحمّل كل هذا التعب. وتابعت:"حين أرى حماسهم في كسر حاجز الخوف، وصدقهم في التعبير عن قهرهم، تلقائياً أنسى أني أقوم بعملي، وأتّحد مع صرخاتهم ومطالبهم التي تمسّني أنا أيضا".

جويل أمضت في مدينة صيدا معظم أيام الانتفاضة حتى باتت جزءاً منها ومن أهلها. وفي هذا الإطار أشارت الى أن أهل المدينة تفاعلوا معها بطريقة رائعة منذ وصولها، حيث قاموا بتكريمها بقالب حلوى كتب عليه إسم قناة "الجديد"، كما قامت بعض النسوة بإرسال أطباق الطعام لها تأكيداً على اعتبارها واحدة منهم. وكان لافتاً الفيديو الطريف الذي يظهر فيه المتظاهرون وهم يحملونها على أكتافهم خلال النقل المباشر، كنوع من التقدير والشكر على ما تقوم به لنقل صوتهم.



عبود: محاولات مباشرة لعرقلة عملنا

مضايقات كثيرة طالت مراسلي جميع القنوات. لكن قناة الـ»أو تي في» كان لها الحصة الأكبر، حيث اعتبر البعض أنها جزء من السلطة الحاكمة. وإضافة الى الأذى الجسدي، تعرّض فريق القناة لسيل كبير من الشتائم الشخصية، «وهذا ما من شأنه أن يؤثر كثيراً على أدائنا خلال التغطية، كونه محاولة مباشرة لعرقلة عملنا»، بحسب ما يؤكد مراسل القناة جورج عبود.

ويتابع في حديثه لـ»نداء الوطن» أنه توجّب على المراسلين انتقاء كلماتهم جيداً من أجل تجنّب أي ردة فعل من الناس المحيطين بهم.

عبود كان قد تعرّض لمحاولة دهس مباشرة على الهواء خلال تغطيته، ورغم أنه تمّ توقيف الفاعل، إلا أنه بادر الى إسقاط حقّه كمحاولة منه لتخفيف الاحتقان.

من جهة أخرى لا يخفي عبود أنّه مرّ بأوقات شعر فيها أنه بأمسّ الحاجة للراحة ولممارسة حياة طبيعية، وأوضح: «لم يكن سهلاً علينا أن نتحلّى بالاندفاع الدائم كي نستمر في ظل التعب الجسدي والنفسي. ونحن شددنا أكثر من مرة على أحقية المطالب، والرئيس عون شدد على ذلك أيضاً، ومن هنا كان لا بد من الاستمرار في اداء واجبنا المهني الذي يلزم علينا إيصال صوت الناس إضافة الى محاولة تصويب البوصلة على الطريق الصحيح».


بو خزام: هؤلاء هم الذين خففوا الاحتقان

تغطية مهنية بامتياز لمراسلة "المؤسسة اللبنانية للإرسال" رنيم بو خزام لأحداث الشياح وعين الرمانة، حيث مارست دورها "الوطني" بكل ما للكلمة من معنى، عبر نقل الصورة التي تخفف قدر الإمكان من حدة التوتّر، ضمن حرص إعلامي واضح على السلم الأهلي.

بو خزام التي تعمّدت التحدّث الى أشخاص واعين أكّدوا أن أهالي المنطقتين لا يريدون الفتنة، أشارت في حديث لـ"نداء الوطن" الى أنّ دور المراسل هو أن ينقل الصورة بأمانة وصدق، وتابعت:"خلال تغطيتي لأحداث الشياح وعين الرمانة، وبالرغم من التوتر الذي كان موجوداً، لكن بالمقابل كان هناك الكثير من الأشخاص الواعين الذين يعرفون أهمية العلاقة الأخوية بين الأهالي". وشدّدت قائلة:"هؤلاء الناس هم الذين خففوا الاحتقان. وبالطبع كان واجب ودور فريق "المؤسسة اللبنانية للإرسال" أن ينقل ويوصل هذه الرسالة الهادئة، خصوصاً أن لا أحد يرغب بالفتنة".

من ناحية أخرى، أوضحت رنيم أن الشغف بالعمل الميداني هو الذي يعطي أي مراسل دافعاً ليستمر بالقيام بواجبه كما يجب رغم كل التعب والضغط النفسي الذي يتعرض له، لافتة الى أنه رغم حصول بعض المضايقات والإشكالات البسيطة، لكنها كانت تنتهي بسرعة، "كما أن الناس يرحبون بنا في كل المناطق، والسبب يعود الى أننا ننقل صوت الجميع من دون أي تمييز أو تفرقة".



عقيقي: الضغوط النفسية تزيدني إصراراً على الاستمرار

شغفها بالعمل الإعلامي وصل حدّ اعتباره رسالة تقوم بها وليس مجرّد مهنة. جويس عقيقي مراسلة قناة الـ»أم تي في» التي تتميز بقوة شخصيتها وجرأتها، تعتبر في حديث لـ»نداء الوطن» أنّ المراسل هو الوسيط بين المواطن والسلطة. وبالتالي فمن واجبها أن تنقل أوجاع الناس وصرخاتهم لأي فئة انتموا، كونهم أمّنوها على ذلك كما آمنت بها القناة التي تعمل فيها، فباتت أمام مسؤولية كبيرة، لا سيما وأنها تغطّي أحداثاً وتطورات في غاية الأهمية على الصعيد الوطني.

جويس التي تعرّضت لمضايقات عدة، وجّهت عبر «نداء الوطن» نداءً بضرورة وقف الانتقادات والاتهامات الخاطئة بحق المراسلين من جميع القنوات، وتابعت: «الصحافي ليس مكسر عصا. الكثيرون لا يعلمون كم يعاني المراسل على الأرض بين التعب الجسدي وقلة النوم والضغط النفسي الذي من الممكن أن يؤدي الى تراجع طاقته. وأنا شخصياً لا أدّعي البطولة، لكن محبة الناس التي أعتبرها مسؤولية تعطيني اندفاعاً أكبر للقيام بواجبي بإيصال صوتهم، ويكفيني حين ألتقي بهم أن أسمع عبارة «يعطيكي العافية». وشددت قائلة: «كما أن الظروف النفسية والضغوط التي تعرضت لها لا تزيدني إلا إصراراً وقوة على الاستمرار».

بالمقابل، لاقت عقيقي أكثر من مرة حملة تضامن واسعة معها على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة الى مبادرات لطيفة للتعبير عن محبة الناس لها. على سبيل المثال قام البعض بمتابعة مكان تواجدها خلال البث المباشر وحضروا كي يقدموا لها وردة كنوع من التقدير.

من جهة أخرى، ترى جويس أن المراسل هو الذي يضبط الهواء، ومن واجبه أن يحافظ على أصول التخاطب، مضيفة أن دوره مهم جداً لتخفيف الاحتقان والشحن في الشارع.




العنداري: نغطّي حدثاً لطالما انتظرناه

بالانتقال نحو القنوات العربية، يشير مراسل «سكاي نيوز» سلمان العنداري في حديث لـ»نداء الوطن» الى أنّه غطى أحداثاً كثيرة في لبنان ودول عدة، إلا أنه يعتبر أن انتفاضة 17 تشرين هي الأهم بالنسبة له، لا سيما وأنه كصحافي لبناني يغطي على قناة عربية حدثاً مهمّاً لطالما انتظر اللبنانيون حدوثه. يضيف سلمان أنه منذ اللحظة الأولى للانتفاضة كان موجوداً على الأرض، ويومها أنهى تغطيته عند السادسة صباحاً، أي أنه عمل لـ 13 ساعة متواصلة، ولم يقتصر ذلك على اليوم الأول، مؤكداً أن من واجبه تغطية الصورة الواضحة قدر الإمكان في مواجهة أي تعتيم إعلامي.

وأشار الى أن ليلة الهجوم على الرينغ كانت صعبة، حيث تعرّض هو والمصوّر الذي كان يرافقه للرشق بالحجارة، وأصيب الأخير في رأسه وبدأ ينزف، لكن رغم الإصابة أصرّ على البقاء على الهواء.



العنداري الذي جال في معظم المناطق اللبنانية لنقل الأحداث، لفت الى أنه أحس أنه موجود بين أهله من خلال تفاعل الناس معه واحتضانهم للإعلام. فحين كان يغطي أحداث جلّ الديب وكان هناك تساقط شديد للأمطار، اقترب البعض ووضعوا له مظلّة فوق رأسه. وفي عاليه أصرّت بعض النسوة على الانتباه للمراسلين وتزويدهم بالسندويشات التي حضّرنها لهم بأنفسهّن مع الشاي الساخن.

MISS 3