ريتا ابراهيم فريد

المرأة والانتفاضة... بريق أنثويّ صنع الفرق

7 آذار 2020

11 : 01

منذ انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول، شكّلت المرأة اللبنانية محطّ أنظار في مشاركة لافتة، وبرزت كقوة دافعة في التحركات الاحتجاجية. اجتاحت الساحات. تصدّرت الصفوف الأمامية. واجهت بشجاعة. رفعت الصوت. صرخت عالياً مع آلاف المتظاهرين. كسرت أقسى القيود. تعرّضت للعنف والتوقيف، وأثبتت أنها محرّك أساسي في التغيير. ورغم أن أساس انطلاق الثورة كانت المطالب المعيشية والأزمة المالية، إلا أن المرأة اللبنانية استطاعت من خلال قوة حضورها أن تسلّط الضوء على حقوقها كامرأة، وأعطت بريقاً خاصاً للانتفاضة... بريق أنثويّ أحدث فرقاً كبيراً.


نيبال قاسم: النساء خط دفاع بين القوى الأمنية والثوّار



خلال مشاركتها في وقفة احتجاجية في كانون الأول الماضي أمام مصرف لبنان في صيدا، تمّ توقيف الدكتورة نيبال قاسم بعد أن رمت حجراً على السياج، حيث تعرّضت حينها للعنف الجسدي واللفظي، وشدّوا كوفيّتها الملتفّة حول عنقها «في محاولة منهم لقطع النفس عنها»، كما تقول.

تفاجأت بردّة الفعل العنيفة التي لم تثنها عن متابعة النضال والمشاركة في التظاهرات بعد الإفراج عنها، كونها مؤمنة بقدرتها على إحداث تغيير، وبأنّها كأمّ وكأخت وكزوجة، تستطيع أن تطالب بحقوقها من دون خوف ومن دون أن تستسلم بعد يوم أو يومين. وفي حديث لـ»نداء الوطن»، تصف الدكتورة نيبال الوضع في لبنان بأنّه مزرٍ لناحية القوانين المتعلقة بالمرأة وبحقوقها، وتحديداً لناحية المحاكم الجعفرية وأحكامها التي «تقطّع القلب»، حسب قولها.

وتتابع:»هناك حقوق كثيرة لا تحصل عليها المرأة من المحاكم كالنفقة والحضانة وحقّ الرؤية». ومن هذا المنطلق، كانت المرأة حاضرة في الصفوف الأمامية في انتفاضة 17 تشرين للمطالبة بحقوقها من دون أيّ خوف من التعرّض للتعنيف، وتوضح:»

إذا كنتُ مؤمنة بأفكاري التي من أجلها أشارك في التظاهرات، لن يرعبني أي اعتداء جسدي»، مشددة على أنّ النساء شكّلن خط دفاع بين القوى الأمنية وشباب الثورة.



ديانا مقلّد: هي جزء من القرار والقيادة والمواجهة



تشير الصحافية ديانا مقلّد الى أنّ مشهد اللبنانيات الذي ظهر في 17 تشرين هو تراكم لجهود كبيرة بُذلت خلال السنوات الماضية، ولم يتمّ استثمارها أو الإضاءة عليها كما يجب.

وتؤكّد في حديث لـ»نداء الوطن» على أنّ اللبنانيات كنّ جزءاً من القرار والتخطيط والقيادة والتنفيذ والمواجهة في ثورة 17 تشرين. وأضافت أن هؤلاء النساء يمكن أن يكنّ جزءاً من القيادات التمثيلية المستقبلية في البلد، لكن للأسف «ما زلنا على مستوى السلطة نتعامل بشكل قاصر مع المرأة وحقوقها وموقعها في الدولة اللبنانية»، حسب قولها.

وأضافت أنّ النساء حين ينتفضن لحقوقهنّ ولرفض قوانين الأحوال الشخصية وللمطالبة بقانون منح الجنسية، فهنّ بذلك يشكّلن جزءاً من حركة الاحتجاج ضد الدولة التي تعامل مواطنيها بشكل غير عادل، وهذه فرصة لتظهر المرأة ظلامتها ضدّ مسؤولي الطوائف في لبنان.

هذا وأشارت الى أن هناك وجوهاً بارزة وقادرة على ممارسة دورها في تسليط الضوء على قضايا محقة، نظراً للحضور والديناميكية والأدوار التي لعبتها النساء من مواجهة قوى الأمن، الى التخطيط، الى الشعارات، الى الدفاع عن الموقوفين من خلال لجنة المحامين التي تضمّ محاميات بارعات، الى الاقتصاديات اللواتي صوّبن البوصلة في مجال النفط او في مجال المالية.

وتعتبر مقلّد أن هذا الضغط يجب أن يستكمل لكي يترجم بشكل تمثيلي، وتوضح: «حتى الحكومة التي تضمّ لأول مرة في التاريخ 30% من النساء، وهو تمثيل عددي، لكنه لا يعكس أبداً النضال النسوي الذي حدث، مع الاشادة والتشديد على ضرورة وجود عدد كبير من النساء في الحكومة.

لكننا لا نريد أن يكون التمثيل النسائي مشابهاً للتمثيل الرجالي لاستنساخ السلطة نفسها».



حليمة قعقور: لا يمكن فصل المعركة ضدّ الفساد عن المعركة ضدّ الذكورية



من جهتها، ترى الدكتورة حليمة قعقور أنّ حضور المرأة في المجتمع المدني والجمعيات ليس غريباً، بل على العكس، فإنّ نسبة هذا الحضور في لبنان هي الأعلى بين كل البلدان العربية. وتضيف في حديث لـ»نداء الوطن» أنّ المرأة بالتالي موجودة في حركات التغيير، لكنّها غير موجودة على مستوى اتخاذ القرار السياسي.

ومن هُنا يظهر الفرق واضحاً ما بين حقيقة المرأة في الواقع، وما بين تمثيلها على مستوى تمثيلها في المنظومة الحاكمة، وهذا ما أظهرته الثورة، وفقاً لقولها. وإذ تؤكّد على أنّ التحرّكات النسوية هي جزء لا يتجزّأ من الثورة، تشير الى أنّ هذه التحرّكات كانت ناشطة من خلال المسيرات التي قامت بها النساء.

وتقول:»طالبنا بحقوق المرأة لأنه لا يمكن أن نفصل المعركة ضدّ الفساد وضدّ المنظومة الطائفية عن المعركة للحصول على حقوق النساء». وتشير الى أنّ الهتافات كانت تحمل دائماً الجانب الجندري أي «ثورة ع الذكورية» «ثورة ع المحسوبية» «ثورة ع الطبقية»، وهذه التحرّكات لم تقتصر على النسويات، وإنّما تعدّتها الى كل أمّ وأخت وطالبة وفنانة ورسامة... فكنّ كلهنّ حاضرات.

هذا وتشير الى أنّ مشهد لقاء أمّهات الشياح وعين الرمانة أثّر فيها كثيراً، إضافة الى مشاهد الطالبات اللواتي تركن مقاعد الدراسة ليصرخن ضد الظلم، وتقول:»أذكر فتاة عمرها 17 عاماً كانت تسأل لماذا لا يحقّ لها في وطنها أن ترى امرأة تتولى منصب رئيسة جمهورية ورئيسة حكومة؟»

وتتابع الدكتورة حليمة أنّ ظهور المرأة على شاشات التلفزيون لتتحدّث في السياسة كان لافتاً في الفترة الأخيرة، حيث تمكّنت من أن تفرض نفسها على التلفزيونات من خلال مشاركتها في الثورة بطريقة نوعية. وتشدّد قائلة: «معركتنا ضد النظام الطائفي الفاسد لا يمكن ان نفصلها عن معركتنا ضد النظام البطريركي». 



نعمت بدر الدين: تاريخ جديد لثورة المرأة اللبنانية



أما الناشطة نعمت بدر الدين فترى أنّ النساء تصدّرن التظاهرات منذ العام 2011 مع حملة إسقاط النظام الطائفي، وفي عام 2013 مع تظاهرات «لا للتمديد»، وفي عام 2015 مع تحركات «بدنا نحاسب» و»طلعت ريحتكن».

وفي العامين المنصرمين كانت النساء اللبنانيات في صدارة التحركات حتى لو لم يكن طابعها نسوياً. وفي هذا الإطار تشير في حديث لـ»نداء الوطن» الى أننا «لم نشعر يوماً أن هناك انتقاصاً من حضور المرأة ودورها، لكن على العكس، فالمرأة من خلال هذه الانتفاضة ثارت على السائد في ملفّ المشاركة في الحياة السياسية والشأن العام».

وعن الكوتا النسائية، صرّحت بدر الدين «بأننا لا ننتظرها كي نثبت حضورنا، فالكوتا هي فقط لكي يعتاد الناس على انتخاب النساء. وغالباً ما تأخذ المرأة دورها وحصّتها أكثر من الرجال في ساحات الثورة»، مشددة على أنه لا يمكن فصل ما كان يحدث منذ عام 2011 عمّا يحدث منذ 17 تشرين، إذ لا يمكن أن نقول أننا نسعى الى تحسين السياسات الاقتصادية من دون أن نعمل على تمكين اقتصادي للمرأة مثلاً.

وأضافت أنّ الانعكاس الفعلي لعدم حصول المرأة على حقوقها يتمثل بتهميشها على مستوى مشاركتها في السياسة على صعيد الحكومة أو النيابة، وأوضحت: «نحن نسعى من خلال تواجدنا في الشارع الى أن يعتاد الرأي العام على وجود المرأة في الحياة السياسية وتعاطيها في ملفات التكنولوجيا والاقتصاد والاتصالات.

كما أنّ الاعتقالات لم تطل فقط الرجال، إنّما طالت النساء أيضاً، وكل هذا الجو من شأنه أن يصنع تاريخاً جديداً لثورة المرأة اللبنانية. إضافة الى ذلك، لا يمكن لأي ثورة في لبنان إلا أن تمرّ بثورة للإطاحة بقوانين الأحوال الشخصية والمحاكم الدينية».










MISS 3