خالد العزي

الدعاية الروسيّة مليئة بالعنف والكراهية

17 آب 2022

02 : 01

عرفت روسيا تاريخيّاً الترويج الإعلامي الممزوج بالقسوة والعنف (أ ف ب)

لقد تميّزت المدرسة السوفيا-روسية بالترويج الإعلامي، لأن البروباغندا باتت السلاح الأساسي في تغيير الرأي العام من أجل خلق جمهور مؤيّد للقضية المطروحة بوسائل الإعلام عن طريق استخدام النظرية الإعلامية "زخ الرصاص"، بحيث تقوم النظرة على نشر وترويج معلومات كثيرة يصعب على المتلقي فلترتها، ما يُساهم بتغيير الآراء والسيطرة على العقول بواسطة هذه النظرية التي تستخدم وسائل كثيرة في خدمة هذا النوع من التسويق.

لم يبخل الكرملين طوال الفترة الماضية من تحضير الوسائل الإعلامية المختلفة من أجل ضخّ المعلومات بكافة اللغات، لخلق رأي عام مؤيّد. ودفع الكرملين بفتح مشروع دعائي ضخم في موسكو بتمويل منه وإشراف وزارة الخارجية، يتمثل بـ"روسيا اليوم" المؤلّف من 4 محطّات: روسيا اليوم الروسية والعربية والإسبانية والإنكليزية، و"راديو روسيا" بكافة اللغات، ووكالة إعلام "سبوتنيك".

ورباعي البروباغندا الروسية هم فلاديمير سلافيوف، مارغريتا سيمونيان، أولغا سكابيفا وديمتري كسيليوف. ويتولّون الترويج للعدوانية حيال الغرب والليبراليين والطابور الخامس وتزييف الحقائق ويُحاولون بشتى الوسائل تسخير أعمالهم لتغيير الرأي العام وتصويبه نحو المؤامرة التي تُهدّد الإمبراطورية الروسية، وتفشي النازية الأوكرانية التي تُهدّد الكيان الروسي والقومية الروسية.

وباتت برامجهم الحوارية المحجوزة لبث الروح القومية الروسية وتسعير المزاج الشعبي ضدّ الشعب والنظام الأوكرانيين. وأصبحت حلقاتهم اليومية المفتوحة كأنها سوق للمباراة بين السياسيين والإعلاميين والمحلّلين في كيفية تزييف المعلومات وفبركة الحقائق من أجل إرضاء سيّد الكرملين وتقديم الطاعة الكاملة له، لأنّهم باتوا يعلمون بأن الفضل يعود له في إيصالهم لتولّي المقاعد والمناصب في هذه الدولة الإستخباراتية الدينية والمافيوية. وفي المقابل، فإنّ الإعلاميين والصحافيين الرافضين لهذه السياسية الدعائية التعبوية والعدائية للآخرين، وهم قليلون، قد رحلوا من روسيا، لأنّ النظام القضائي بات يفرض عليهم التأييد أو الرحيل أو السجن.

إذاً، هذه الآلة الإعلامية تُمارس أقصى العدوانية والعدائية تجاه الغير، فقد أصبحت البروباغندا الطريق السهل المملوء بالحقد والعدوانية نحو الآخر. وهنا يُمكن ملاحظة عملية الدمج التي أوجدها هؤلاء المروّجون للسياسة الجديدة في الاعتماد على الترويج الدعائي والعدائية والعنف، وهذا التوجه الثلاثي القائم على الإستراتيجية التسويقية الروسية الجديدة لـ"صقور الكرملين".

وعرفت روسيا تاريخيّاً الترويج الإعلامي الممزوج بالقسوة والعنف. وما شهدناه في حرب أوكرانيا لا يُفسّر سوى العدوانية الروسية التي تشبّعت بالدعاية والتشهير العدائي التي لعبت فيها وسائل إعلام الكرملين هذا الدور الشنيع. وبالمناسبة، كلّ هؤلاء وضعوا على لائحة العقوبات الغربية نتيجة انغماسهم بالفساد المالي الذي دفعه الكرملين لهم، ونتيجة تشويه الحقائق وبثّ روح الكراهية لدى الشعب الروسي، ما دفع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والكثير من الدول الغربية إلى إيقاف بثّ هذه المواقع الترويجية وليس الإعلامية.

لماذا يوصف الروس بأنهم قساة، حيث باتت العدوانية تتصاعد فعلاً في المجتمع الروسي والجميع يُتابع تطوّرها؟ قد يكون بسبب تدنّي مستوى المعيشة في المجتمع الروسي وسيطرة شجع الأوليغارشية المتحالفة مع النظام، ما سبّب نوعاً من العدوانية التي يُمكن إيجاز سببها فقدان الثقة بالغد الأفضل. كلّنا يتذكّر كيف نمت العصابات والمافيات في روسيا في بداية التسعينات، وكيف كانت الدماء هي الوسيلة الوحيدة لحلّ النزاعات في ظلّ غياب الدولة ومؤسّساتها.

العالم الروسي الحالي مليء بالنزاعات العنفية والقسوة، والجميع يعيش في جو تُسيطر عليه قاعدة "الحق مع القوّة" التي أصبحت هي السائدة في المجتمع، والقبضة أو السلاح هما الأساس في حلّ النزاع. إذا كان الروس يُمارسون العنف ضدّ الألمان الذين احتلّوا دولتهم وقتلوا وشرّدوا واغتصبوا نساءهم، حيث احتلّ العنف والكراهية الموقع الأوّل في البروباغندا الروسية آنذاك، لكن الأوكران لم يحتلّوا منازلهم ولم يقتلوا أبناءهم أو يغتصبوا نساءهم.

مع أن تنامي العدوانية في السلوك البشري ظاهرة كونية في الحقبات التاريخية، إلّا أن الحرب الروسية على أوكرانيا أظهرت شبه شموليّتها وتجذّرها في الوعي الروسي لتأييد هذه الحرب، حيث بات الروس يحتلّون المرتبة الأولى بالعدوانية في أوروبا.


MISS 3