هيدا رأيي

"لعبة الناس" تُشبهنا أكثر

11 : 19

لطالما تغنّينا منذ عقدَين من الزمن بأننا دخلنا عصر الاحتراف في رياضتنا، وقد كان الدافع الى هذا الاستنتاج، حجم المبالغ التي تنفق في الرياضة، وخصوصاً في الألعاب الجماعية، والتي يذهب قسمٌ كبيرٌ منها الى لاعبين أجانب.

وأمّنت بعض النتائج الخارجية التي تحققت في ألعاب جماعية في طليعتها كرة السلة، ثم كرة اليد، وأخيراً كرة القدم، تغطية لسوق صرف الأموال، من دون البحث في ما إذا كان هذا الإنفاق في محلّه من عدمه.

منذ 17 تشرين الأول الماضي، دخل لبنان في عدّ تنازلي لأزمة اقتصادية لطالما حامت فوقه، الا انها تطورت في شكل دراماتيكي.

الرياضة لم تسلم، اذ توقفت عجلة المباريات في الملاعب، وغابت الأنشطة، وسلّم أهل كرة السلة والكرة الطائرة بالتمهيد لـ "إلغاء الموسم الرسميّ"، في حين اختلف الأمر في كرة القدم، وخرج أكثر من 600 لاعب وفني الى الشارع معتصمين تحت مقرّ الاتحاد اللبناني لكرة القدم في فردان، مطالبين بلقمة عيشهم.

نعم، اقتصر الأمر على أهل كرة القدم، ربما لأنهم يشبهون أكثر شعبنا الكادح وراء تحصيل قوته.

كرة القدم لم تصبها عدوى كرة السلة، لجهة ارتفاع معدلات الرواتب وبلوغها ارقاماً خيالية. غالبية أهلها "دراويش"، يحصّلون الحدّ الأدنى من الأجور، او ما يتعداه بقليل، في غياب التغطية الصحّية والمنح المدرسية وغيرهما.

اعتصم أهل "الفوتبول" الذين لا يقبضون أساساً رواتبهم على مدار السنة، وغالبيتهم يعملون في مصالح أخرى، تماماً كصورة طبق الأصل عن غالبية اللبنانيين.

في المحصلة، لا نقابات للرياضيين تُعينهم طبّياً وتقيهم شرّ العوز في الأزمات الطارئة. أحوالهم كأهل البلد، يعيشون على طريقة "كلّ يوم بيومه"، وتتطابق شؤونهم "الوظيفية" مع ما يشهده القطاع الخاص من كساد وبطالة وصولاً الى "نصف معاش"، قبل الصرف بداعي التوقف القسري.

لن تقفل ملاعبنا طويلاً، لكن الدرس الأهمّ الذي نستطيع الخروج به، انّ رياضتنا لا تزال تغرق في الهواية، وان الاحتراف بعيد منها كثيراً، وانّ البعض رسم صورة خاطئة عنه عبر حصره بإغداق الأموال، لأسباب شتى تتعدّى الإطار الرياضي.

كرة القدم صمدت أكثر من غيرها، ولم ترفع العشرة، وهي التي ميّزت بإصرار وثبات بين "المستثمر" و"الراعي" لأنشطتها، فرفضت الخروج من الشاشة الصغيرة الى شاشة الهاتف الخليوي، وعاند أركانها لإبقائها لعبة للناس.

الحاجة اليوم، وبعيداً من السياسة، الى ثورة أجتماعية تتصدّرها الرياضة، لنصبح في جهوزية تامة لمواجهة ما يعتبره البعض أزمات، بينما هو واقعياً أقرب الى الكوارث.


*ناجي شربل

صحافي


MISS 3