وسام سعادة

عن همّ ديموغرافي ماروني درزي مشترك

4 تموز 2019

08 : 30

الديموغرافيا يمكن توريتها بعض الشيء وموازنتها بغيرها من الإعتبارات. مع هذا لا تنفع المكابرة على سؤال الديموغرافيا. إنّه محرج، إنّه حاضر.
إنّه سؤال يلاحق كل جماعة، صغرت أو كبرت، في العالم. ليس بوسع "إيقاف العدّ" أن يطمئن أيّاً منها. هو بحدّ ذاته شكل نافر للعدّ الإفتراضي، أو قل هو لفت نظر "منمّق" إلى "قانون العدد".
قصة الموارنة والدروز في تاريخ جبل لبنان هي إلى حد كبير قصة تمثّلات ديموغرافية. مع مطلع القرن التاسع عشر، اتسع الفارق العددي بين الملتين لصالح الموارنة، بنتيجة الهجرة الدرزية إلى السويداء في القرن السابق، والطفرة التي حققها الموارنة بتراجع نسبة الوفيات المبكرة لديهم. أدّى استشعار التفاوت إلى تنمية "غريزة التصادم" لدى الجماعتين المتداخلتين، بالتوازي مع استمرار "تمورن" عائلات درزية أساسية. والموارنة في هذا أقرب إلى الإستثناء بين مسيحيي الشرق، عائلات قسم كبير منهم كانت درزية أو شيعية أو سنية ثم اعتنقت المسيحية، مثلما أنّهم "بعكس التيار"، وسّعوا جغرافيا كثافتهم على امتداد المرحلة العثمانية، من جبل لبنان الشمالي إلى الأوسط فالجنوبي (حتى القرن التاسع عشر كان الإنتشار الدرزي يصل حتى انطلياس).
واليوم، التعبير عن الهاجس الديموغرافي هو أكثر "مباشرة" لدى الموارنة، مع أنّ التقلّص الديموغرافي الأكثر حدّة هو عند الدروز. وكثيراً ما يغفل ساسة الموارنة بالتحديد أنّ "الهمّ الديموغرافي" مشترك بين الجماعتين، ويستخدمون الحجج العددية نفسها التي تستخدم حيال المسيحيين لإعادة استخدامها حيال الدروز.
مع هذا، ثمّة فارق أساسي بين الموارنة والدروز. أكثر موارنة المشرق اليوم هم في لبنان لا في سوريا، أما أكثر الدروز اليوم فهم في سوريا لا في لبنان، ودروز سوريا ثلاثة أضعاف دروز لبنان. يبقى أنّ القرن الماضي، المتوّج في بداياته، بثورة سلطان باشا الأطرش في سوريا، كان في نصفه الثاني قرناً "لبنانياً" بامتياز بالنسبة إلى دروزه، ومركزه الشوف. ليس فقط لأنّ أثر كمال ووليد جنبلاط امتد إلى دروز سوريا، بل لأنّه، مع الأب من ثورة 58 إلى الحركة الوطنية، ومع الإبن من الحركة الوطنية إلى 14 آذار، جرى النهوض بأدوار سياسية متجاوزة بأشواط نسبة دروز لبنان الديموغرافية المائلة إلى التراجع. لا يبدو أن شيئاً من هذا متاح في الأمد المنظور. كذلك، أظهرت الحرب السورية حدود أثر جنبلاط على الكتلة الكبرى للدروز في سوريا، مثلما غذّت هذه الحرب الأوهام لدى أخصام جنبلاط بأنّهم الأقدر على تجسير المسافة بين دروز الجبلين... وهيهات.


MISS 3