سناء الجاك

الغربة أحسن

20 آب 2022

02 : 00

يسأل حفيدي البالغ من العمر تسع سنوات عن إمكانية انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي عندما يتغير «الـgovernment».

يقول: «لا يعقل أن يبلغ ثمن ما نشتريه ملايين الليرات اللبنانية في حين بالكاد يتجاوز مئة دولار»، وذلك حيث يعمل والده ويعيش ويدرس ولا تنقطع الكهرباء أو الانترنت، لترد شقيقته التي تقاربه سنا، بأن «قلبها يوجعها عندما تسمع رقم الملايين إلى جانب الليرة اللبنانية».

الحفيدان لا يفهمان في الاقتصاد، انما لديهما منطق نظيف. وهذا المنطق يحمِّل السلطة كلها مسؤولية سقوط الليرة، والأمر يبعث على الألم لأن الناس لا يستطيعون الحصول على ملايين كافية حتى يشتروا ما يحتاجون. بالتالي يجب أن تذهب وتأتي غيرها، حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه مع سعر صرف لا يتجاوز 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد.

وهما لا يعرفان أن «الـgovernment» عندنا ليس كما عند الدول الطبيعية. هو كالأخطبوط المجنون والمجرم في آن معاً. صحيح أن له رأساً واحداً يفترض أن يحرِّك الأذرع، لكن خللاً ما في هذا الرأس يعطل الإيقاع، فتعمل كل ذراع على حسابها، بمعزل عن غيرها في الجسد الواحد.

يصعب شرح هذا الواقع، ليس لأن الحفيدين صغيران، ولكن لأن العقد الاخطبوطية لا يستطيع أن يفهمها حتى أهم المنظرين السياسيين والاقتصاديين في العالم.

كيف أخبرهما أن في لبنان أربعة أسعار متداولة للدولار، ومع الجمركي منه تصبح خمسة، والخير لقدام؟

كيف أحكي لهما عن شخص يُعرِّف عنه الإعلام بأنه «المودِع»، وأنه ليس مجرماً على الرغم من حيازته سلاحا واحتجازه مواطنين مثله في مصرف، فقط ليحصل على أمواله؟؟

كيف أقنعهما أن الشعب اللبناني مظلوم وانه يدفع ثمن ساعات الكهرباء الشحيحة لصاحب المولد بملايين الليرات، ونسبة كبيرة منه أعادت انتخاب ثلاثة وزراء طاقة فاشلين وفاسدين.

كيف أفسر لهما أن أحد أذرع الحكم يُلوِّح بأنه لن يغادر القصر ولن يترك الكرسي، حتى لو سقطت كل نيازك الفضاء على رؤوسنا. ويبدو انه لم يدخل إلا ليبقى. هذا ما عمل ويعمل لأجله منذ أكثر من ثلاثين عاما، سواء عندما كان داخله أو عندما غادره. بالتالي فهو لن يذهب بسهولة، ما دام من أدخله لا يرغب بإخراجه بالقوة؟؟

حتى ولو حاولت، سيحسبان أني مجنونة، إذا ما أخبرتهما أن «الـgovernment» يجب أن يرحل بعد ثلاثة أشهر، وأن الفراغ الرئاسي متوقع، وأن رئيس الجمهورية يرفض أن يسلِّم البلاد التي يحبها حباً جماً إلى حكومة تصريف أعمال، وأن رئيس الحكومة المكلف لا يستطيع التفاهم مع رئيس الجمهورية المفروض أن يشاوره في التشكيل. لكن صهر الرئيس يفرض أن يختار عمه الوزراء ويوافق عليهم رئيس الحكومة، والا لا تشكيل.

أما إذا سألني أحد حفيدَيّ عن سبب عدم انتخاب رئيس في الموعد المحدد وتجنب كل هذا السيناريو المعقد، حينها سأدخل وإياهما في عقد أخطبوطية عويصة أكثر من السابقة، لأنها تصل إلى فيينا بعد أن تعبر طهران وواشنطن، وترتبط بالملف النووي الإيراني ومحادثاته... وقد لا تتوقف عندها وفق مبدأ خذ وخذ بالقوة والفرض وإرغام الآخرين على الانصياع... ولا تظهر نفسك ضعيفاً عندما تطالب..

صعبة... وكثيرا... ربما من الأفضل أن أصرف اهتمامهما عن كل ما يجري بمشاركتهما لعبة المونوبولي، ليشتريا ويبيعا عقارات وسع خيالهما، حتى يحين موعد عودتهما إلى حيث يقيمان ويعمل والدهما بأمان.

الغربة أحسن، فلا عين ترى ولا قلب يتوجع...