إيفون أنور صعيبي

هندسات مالية إضافية... لشراء الوقت الضائع!

4 تموز 2019

10 : 21

مبنى مصرف لبنان

يسجل ميزان المدفوعات وعلى نحو متصاعد عجزاً مخيفاً لم يشهده لبنان على مرّ تاريخه مثيلاً، حيث لامس 4.8 مليارات دولار خلال العام 2018 ليبلغ بعد ذلك ذروته هذا العام (منذ كانون الثاني ولغاية نيسان فقط) حيث وصل الى 3.5 مليارات دولار. وللمقارنة فقط تجدر الاشارة الى ان العجز المسجل في العام 2017 وصل الى 157 مليون دولار (وفقاً لارقام مصرف لبنان).
وتكمن المشكلة الفعلية في هيكلية توأمة العجزين: عجز الموازنة من جهة، ومن جهة أُخرى عجز ميزان المدفوعات الذي تارة يخنق الاقتصاد وطوراً يهدد العملة الوطنية. مقابل كلّ ذلك، يصرّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على وصف هندساته المالية، المستمرة مع المصارف التجارية منذ العام 2016، بأداة ضرورية في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها سعر صرف الليرة.
كان يفترض ان تستقطب الهندسات المالية المزيد من "الدولارات" لتعويض تلك التي تخرج من البلاد والتي بلغت منذ حزيران 2018 لغاية اليوم مستويات غير مسبوقة مسجلة 8 مليارات دولار، ولعل السبب الابرز في ذلك كان سلسلة الرتب والرواتب التي أدّت إلى زيادة الاستهلاك، وبالتالي ارتفاع الواردات اللبنانية التي تؤدّي حكماً للافتقار إلى المزيد من "العملة الخضراء".
تتمثل مشكلة الهندسات بـ "الرّيع" الذي لم يبغِ الا محاولة إنقاذ بعض المصارف المحرجة في السنوات السابقة، بعد ان تكبدت خسائر فادحة جراء تورطها بالدخول الى اسواق خارجية (خصوصا تركيا، مصر وسوريا)، ومن بعدها دعم الفوائد على الليرة بعد التخوف من احتمال انهيارها جراء التهافت على شراء الدولار وتحمل المركزي تالياً كلفة هذا الدعم؛ هذا وبدأ مصرف لبنان العمل، بحسب المعلومات المتداولة، وفقا لـ "حزمة" جديدة من الهندسات المالية، والدليل على ذلك عمدت المصارف الكبرى الى تقديم عروض لأهم المودعين لديها، تتمثل بتجميد مبالغ كبيرة بـ "الدولار" بفوائد مرتفعة جداً نسبياً لمدة 3 سنوات، وكالعادة باستخدام مصرف لبنان احتياطه بالعملات الاجنبية التي شحّت أصلا.
وإن كانت الغاية الاساسية من الهندسات المالية التي يعتمدها "المركزي" هي لاستقطاب "الدولار"، (العملة المستخدمة لشراء الواردات)، فلا بد من الاشارة الى أن لبنان قد تكبد "كلفة وقت" جسيمة، إذ أن المدة التي استغرقت السياسيين لتشكيل الحكومة والعمل على الموازنة، التي لا يزال مصيرها مجهولاً، قد أفقدانا مبالغ قد توازي ما سنجنيه من "سيدر".
ما يزيد الطين بلّة هو امتناع "المصارف" عن الاكتتاب بإصدار سندات خزينة بقيمة 12 ألف مليار ليرة بفائدة 1% ضمن مشروع قانون موازنة 2019. والسبب في ذلك عائد الى الخسائر التي ستتكبّدها هذه المصارف والتي ستحسم من ارباحها لو وافقت على الاكتتاب، والتي تناهز 600 مليون دولار، والتي سوف تؤدي الى تدهور تصنيفها الائتماني. المصارف، من وجهة نظرها غير قادرة على تحمّل هذه الاعباء في ظل مواجهتها الديون المتعثّرة والاقتصاد المأزوم من ناحية، ومن ناحية أخرى لن تتمكن من اقناع مساهميها، وهم بحاجة الى "تحفيزات" لحثّهم على القبول بالاكتتاب. وبعد الجدل الذي حصل جراء هذه المسألة خلال الاسابيع القليلة الماضية، عبّر حاكم مصرف لبنان عن نيّته بتنحية المصارف ليتكفّل بأخذ هذه المسألة على عاتقه. لكن هل يزخر المركزي بالامكانات لذلك؟ من الممكن ان يسعى الى تكرار الصفقة مع وزارة المال والتي بموجبها تبادل معها بـ 7 مليارات دولار يوروبوند مقابل 12.000 مليار ليرة اشتراها بين أيار وتشرين الثاني بفائدة 1%. لكن في حال تمسّكت المصارف بقرارها بعدم الاكتتاب من أين سيتم تأمين 12 ألف مليار ليرة؟
كثيرة هي الاعباء التي يتكبدها مصرف لبنان، ومن المستبعد ان يكون بمقدوره تحمّل حزمة جديدة من سياساته المتّبعة لا سيما في ظلّ تسجيل ميزان مدفوعاته عجزاً غير مسبوق.
ولكن ماذا لو تم إلغاء بند الـ1% من الموازنة التقشفية هذه، عندها ماذا يكون قد بقي من هذا المشروع الذي انتظره اللبنانيون لأكثر من 6 أشهر؟