منير يونس

يريدونه أولوية مطلقة لمصالحهم ويجب تفويت الفرصة عليهم!

الكك: قانون "الكابيتال كونترول" كارثة بكل المقاييس

29 آب 2022

02 : 00

في المجلس تناقضات حول كل شيء تقريباً هذه الأيام

كانت الدكتورة المحامية سابين الكك ضمن الخبراء وأصحاب الاختصاص القانوني والمصرفي والمالي والاقتصادي، بالاضافة إلى ممثلين عن المودعين والبنوك والهيئات الاقتصادية...، الذين عقد معهم نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب عدة اجتماعات خاصة بمشروع قانون "الكابيتال كونترول". أنجز بوصعب تقريره بعد تلك الجلسات الماراتونية والمفعمة بالنقاشات المتعارضة حتى التناقض، فيما دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري لجان المال والموازنة والادارة والعدل والاقتصاد والتجارة والصناعة والتخطيط... الى جلسة مشتركة تعقد غداً الثلثاء لمتابعة درس مشروع القانون الوارد بالمرسوم 9014 الرامي الى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل والسحوبات المصرفية.

إلتقت "نداء الوطن" الدكتورة الكك لمناقشة ذلك القانون وتداعياته وفرص اقراره، وكان الحوار التالي:



سابين الكك



كيف كانت الاجتماعات مع الوزير الياس بوصعب؟

بدا لي من تلك الاجتماعات التي دعا إليها نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب أن مسألة اقرار «الكابيتال كونترول» أولوية مع طلب العجلة. انا أصف الصيغة التي قدمتها الحكومة بـ»الكارثة». كارثة بكل المقاييس، وهذا ما اكتشفناه أكثر من خلال تلك الاجتماعات التي عقدت وأتت على التفاصيل وتفاصيل التفاصيل. ما حصل في الاجتماعات كان متأنياً وأتينا على قراءة ونقاش مشروع القانون كلمة بكلمة. كانت كل وجهات النظر حاضرة حول الطاولة بدءاً بجمعية المصارف والهيئات الاقتصادية بالاضافة الى قانونيين واعلاميين وخبراء وغيرهم. ما رأيته جيداً في تلك الاجتماعات أنها ضمت كل من هم من هذه الجهة أو تلك، وصولاً حتى الاطراف المتناقضة كلياً في رؤيتها وأولوياتها ومقاربتها لـ»الكابيتال كونترول» كما للأزمة عموماً.

وكان واضحاً من خلال النقاش أنه لن نتفق مطلقاً على عدد من البنود والصياغات الواردة في القانون والمفاصل الأساسية التي فيه. ويمكن القول أكثر من ذلك: هناك خلاف كبير حول مفهوم «الكابيتال كونترول» نفسه.

كيف كان أداء الوزير بو صعب في تلك الاجتماعات؟

لنا تجربة مع الوزير بو صعب منذ أيام توليه وزارة التربية، وكنت من متابعي ملف التفرغ بالجامعة اللبنانية. وجدت منذ تلك المرحلة ان لديه «براغماتية» في التعاطي مع الأمور، وفي ذلك هو لا يشبه معظم السياسيين. أما اذا كان السؤال حول ما ستؤول اليه أمور القانون في نهاية المطاف، فلا إجابة واضحة لدي. كان بو صعب يعطي كل الحاضرين دورهم في الحديث والنقاش، ولم أجده مدافعاً شرساً عن المصارف، ولو اني لا اعرف ماذا في النوايا. لكني في عدد من المطارح، لم أجده في جانب البنوك بيد أنه لم يخف ميله لتمرير صيغة ما للقانون.

هل بدا دارساً لهذا القانون المعقد؟

كان واضحاً أن لديه معلومات وتغيب عنه أخرى، وجدناه يسأل ويستعلم سواء تعلق الأمر بالجانب القانوني أو الدستوري، كما في الجوانب التقنية والمصرفية. كان معه فريقه الذي يسجل الملاحظات، ويضم ذلك الفريق عدداً من المحامين الآتين من مكتبه الخاص.

كيف كان سير تلك الاجتماعات؟

إجتمعنا 3 مرات. في احداها دام الاجتماع 6 الى 7 ساعات، لأننا أصرينا على نقاش القانون مادة مادة، فوجدنا أن هناك الكثير من التفاصيل المخفية في بعض المواد. كما أن بعضنا أرسل ملاحظات مكتوبة.

كنت مع بعض الآخرين من القائلين إن «الكابيتال كونترول» اليوم ليس أولوية كما تريد المصارف اقناعنا. علينا أن نعلم ان اصحاب المصارف يريدون تمرير القانون اليوم قبل الغد، والبارحة قبل اليوم. وربما لأنهم يعلمون أنه ليس هناك اعادة هيكلة للمصارف في المدى القريب، فالقانون الخاص بالهيكلة سيأخذ جدلاً واسعاً وحامياً جداً، ويضعون في حسابهم امكان الفراغ الدستوري...

هل تستطيع المصارف فرض رؤيتها ؟

لم يعد موقف المصارف قوياً كثيراً كما السابق. لم تعد البنوك في أحسن حالاتها. فاذا لم يضعف اللوبي المصرفي، فانه حتما بات متوجساً. صحيح ان الناس ترى أصحاب المصارف في موقع قوة، اذا ما قارناهم بضعف المودعين، لكن علينا ان نعلم انهم كانوا يريدون الذهاب أبعد وأكثر من ذلك ثم وجدوا أن الأمر بات صعباً.

همهم الاساسي والجوهري حالياً هو اقرار «الكابيتال كونترول» لتشريع بدعة «الأموال القديمة والأموال الجديدة». هذا ما يريدونه أولا واخيراً بالاضافة الى الحماية القانونية.

اقرارهذه البدعة يكفي لوحده ليقولوا بعد ذلك أنهم لم يخطئوا، وليطمئنوا الى أن لا دولارات قديمة مسجلة كالتزامات صريحة عليهم، وان كل ما عليهم هو بالليرة اللبنانية. وليدفعوا بالطريقة التي يريدونها و»يظبطوا» ميزانياتهم. واذا اضطروا لاعادة الهيكلة، فسيقومون بذلك على اساس ان التزاماتهم هي أموال قديمة. وهذا ما قاله ممثلو المصارف في تلك الاجتماعات وباصرار تام، خصوصاً لجهة طلب عدم ربط «الكابيتال كونترول» باعادة الهيكلة المصرفية.

لكن "الكابيتال كونترول" بين الأولويات في الاتفاق مع صندوق النقد، أليس كذلك؟

«الكابيتال كونترول» بالنسبة لصندوق النقد كما ورد في الاتفاق المبدئي ليس وارداً لحل الازمة المصرفية، بل همه الاول عجز ميزان المدفوعات والميزان التجاري، على أن يترافق مع سياسة نقدية وسعر صرف. يعرف صندوق النقد تماماً ان الهجمة على السحوبات من المصارف انتهت.

ويذكر ان «الكابيتال كونترول» ورد في بنود الاتفاق متأخراً، وتقدمت عليه بنود اعادة هيكلة المصارف وتقييم جودة اصولها، وقبله وردت بنود عن تصحيح المالية العامة. وفي مكان متأخر ورد ذكر «الكابيتال كونترول» مقروناً أو مربوطاً بسياسة نقدية، ومعرفة احتياطي العملات ومعالجة العجز التجاري. انه مفهوم «الكابيتال كونترول» أو القيود على حركة رؤوس الأموال الداخلة والخارجة، وليس القيود على السحوبات والتحويلات كما هو وارد في مشروع القانون.

ألم يكن فرض قانون كهذا واجباً فور اندلاع الأزمة؟

كان يجب فرضه فوراً؟ نعم! وذلك لمنع حالة الهلع التي تتواكب عادة مع اندلاع الأزمات، ولضبط الأوضاع. وهذا ما حصل في لبنان من دون الحاجة لإقرار قانون رغم شواذات تهريب الأموال والاستنسابية. وهذا ما قلته في احد الاجتماعات. وسألتهم: نناقش كما لو انه ليس هناك «كابيتال كونترول» في البلد؟؟ انه مطبق منذ 3 سنوات من دون قانون!

دعونا لا نضحك على الناس بالقول إن «الكابيتال كونترول» هو الحل. عن أي حل يتحدثون ونحن منذ 3 سنوات تطبق علينا قيود في السحوبات والتحويلات باستنسابية معينة، لكنها مطبقة.

صدر، على سبيل المثال، قانون الدولار الطلابي الذي يمكن اعتباره نموذجاً ما عن «الكابيتال كونترول»، ولم تطبقه المصارف الا باستنسابية. اذا السؤال هو: ما الذي سيتغير مع اقرار قانون سيطبق أيضاً باستنسابية؟؟

ما تداعيات تثبيت معادلة دولار قديم/ دولار جديد؟

نعم، كل ما يريدونه هو تصنيف الودائع القديمة بالدولار في ميزانيات المصارف على انها أموال قديمة، وان ردها لن يكون بالدولار. ثم سيلجأون الى ابعاد استحقاق اعادة الهيكلة بقدر ما يستطيعون! وسنجد كيف ان لبنان الذي يشرع نوعين من النقود او الاموال (قديمة وجديدة) سيخلق مشكلة سيصعب جداً الخروج منها لاحقاً... ان لم نقل استحالة الخروج منها. نحن امام محاولة تصعيب الازمة وتعميقها أكثر مما هي صعبة ومعقدة، بفعل تعاميم وممارسات خلطت الحابل بالنابل، وجعلت الخطوات والمقترحات صعبة التحقيق. فكيف بنا اذا شرعنا ذلك القانون الكارثة. لكن ليعلموا أن القانون ليس لعبة في ايدينا.

ألا يجب اقرار قانون إعادة هيكلة المصارف أولاً؟

قلت لهم في احد الاجتماعات: إذا أقرينا اليوم قانون «الكابيتال كونترول»، ثم قانون اعادة الهيكلة لاحقاً وتبين ان مصرفاً ليس قادراً على سداد 500 دولار للمودع، ماذا نكون قد انتفعنا من القانون؟ وكيف لنا العودة الى الوراء في هذه الحالة؟

والأنكى ان احدهم رد قائلاً: «نحن نقره بالشكل كرمال صندوق النقد وبكرا بنغيروا»!! وهذ اخطر ما يمكن، يتعاطون مع القوانين كأنها لعبة ومصلحة. القانون للاستقرار وليس للإرباك.

واذا كان استثنائياً مؤقتاً ولفترة محدودة كما يجب ان يكون ليساعد في عملية التصحيح المطلوبة، فليس عليه أن ينسف منظومة تشريعية تبدأ بالدستور وتمر بقانون الموجبات والعقود وقانون التجارة وقانون النقد والتسليف... هل يجوز ضرب تلك المنظومة التشريعية لمجرد رغبة لهذا الطرف او ذاك؟ بفعل هذا التخريب التشريعي قد نقول وداعاً لأي أمل بمجيء رساميل الى لبنان.

لذا انا اشدد على ان الاجراءات والقوانين التي يطلبها صندوق النقد لا يمكن أن تصلح وتقر بأي وقت، أو أن اجراء او قانوناً يمكن تقديمه اولوية على غيره. التوقيت مهم جداً والتراتبية أهم. وردّاً على من يدعو الى اقرار قانوني «الكابيتال كونترول» واعادة هيكلة المصارف معاً اقول: ان ذلك لا يجدي نفعاً، هناك تعارض بين القانونين.




من يعرف ماذا يريد بري من "الكابيتال كونترول"؟



لكن القانون سينظم السحوبات ويلزم المصارف بها... أليس كذلك؟

هذا القانون ليس موضوعاً ليقول لك انه باستطاعتك سحب 500 دولار شهرياً لمدة سنتين، ويمكن زيادتها 10% سنوياً... وضعوا هذا القانون ليقولوا لك: ليس لك لدينا الا وديعة بالليرة اللبنانية.



وماذا عن الحسابات الجديدة؟

هناك مادة تأتي على ذكر الحسابات الجديدة «الفرش» (سواء كانت دائنة أو مدينة). وسألت بشأنها: هل هناك حسابات «مدينة» في حسابات الفرش؟ فجاء الرد «هيك بدو يصير». ما يعني انهم يريدون الاقراض بالدولار. فقلت لهم: الاموال التي أخرجتموها من البلد، ستعيدونها الآن لاستخدامها في الاقراض من جديد. فردوا «ايه بدنا نشتغل». إذاً، ليس لديهم دولارات لسداد ودائع الناس، بل لديهم دولارات لاقراضها و»حتى يشتغلوا»!. يعتقدون انه وبهذه السهولة يستطيعون شطب تاريخ مصرفي كان جاذباً للأموال احتالوا به على الناس. اعتقد أنهم لن يستطيعوا الشطب كما يخططون.

إلى ذلك، اذا كانت لديهم قناعة بأن الخسارة واقعة وأن لا اموال بالدولار متوفرة للمودعين، فلماذا يصرون على قانون «الكابيتال كونترول»؟ والحالة هذه، من الافضل القول: أفلست المصارف وأقفلت وانتهى الأمر. لماذا كل هذا التحايل اذا كانت لديهم قناعة بان الودائع لم تعد موجودة ويجب تسجيلها كخسائر ثم شطبها؟؟

ماذا عن حقوق التحاويل إلى الخارج؟

على سبيل المثال، سألت لماذا الدولار الطلابي مخصص فقط للطلاب في الخارج؟ ونحن نعلم ان معظم المدارس والجامعات الخاصة في لبنان اصبحت اقساطها بالدولار «الفرش». نحن امام حالة تمييزية: اذا كان ابني يدرس في الخارج احصل على بعض دولاراتي لتعليمه، واذا كان يتعلم في الداخل لا استطيع حتى لو كنت بلا مداخيل كافية لتعليمه؟ هذا هراء!

من الافضل صرف الدولارات لمن يتعلم في لبنان ويتطبب في لبنان، فهذه الدولارات تبقى في الداخل، وهذا افضل من تحويلها الى الخارج. وهناك من لفت في الاجتماعات الى ان كل اقساط التأمين تتحول الى «الفرش» دولار، وهناك مستشفيات كذلك. فمن لديه اموال عالقة في المصارف نقول له اذهب وتطبب في الخارج كي نفرج عن بعض دولاراتك، اما اذا اختار الطبابة والاستشفاء في الداخل، نقول له لا يمكن الافادة من قانون «الكابيتال كونترول»... عجبي!

ماذا كانت آراء الهيئات والمصارف بالنسبة للحسابات "الفرش"؟

ترفض الهيئات الاقتصادية والتجار والمستوردون أي قيود على حسابات الفرش دولار، وهذا ما قد لا يقبل به صندوق النقد الدولي. وكما قلنا اعلاه، فان الصندوق ينظر في عجز الميزان التجاري. لذا يريد معرفة حجم الاحتياطات السائلة بالعملات الاجنبية في مصرف لبنان، ليستطيع تقدير ماذا يزيد عليها هو كصندوق نقد. الى ذلك، يريد رقابة محكمة داخل البنك المركزي ليستطيع متابعة العمليات، ويريد كشفاً للسرية المصرفية بطريقة تسمح له بالتدقيق في عملية ما، من دون الاضطرار الى رفع دعوى اثراء غير مشروع او دعوى تبييض اموال او تهرب ضريبي وخلافه من الجرائم المالية. وما ذكرناه بالاضافة الى «الكابيتال كونترول» يشكل سلة واحدة بالنسبة للصندوق.

وفي النقاشات جئنا على مثل احدهم قادر على لمّ او تحصيل مليون دولار من السوق ويضعه في حساب «الفرش»، وسألنا عن امكان تحويل هكذا مبلغ الى الخارج، فجاء الجواب من ممثلي المصارف والهيئات الاقتصادية «أكيد ! والا فان لبنان سيخرب اذا لم نقر هذا المبدأ». عن أي «كابيتال كونترول» نتحدث إذاً؟ من جهة أخرى علينا أن ننتبه الى مسألة ان اي مستثمر اجنبي سيأتي الى لبنان يريد التأكد من ان باستطاعة تحويل امواله. لذا نكرر القول ان المسألة متعلقة برزمة اجراءات وخطط وقوانين ولا تقتصر فقط على «الكابيتال كونترول».

لكن الناس تعاني الأمرّين حالياً وتريد تنظيماً ما لهذه الفوضى... ما العمل؟

نحن مجبرون على المرور بمرحلة تصحيحية ضرورية محدودة بالزمن تتحمل أعباءها الناس. لكن الحاصل هو ان تلك القساوة موجودة ويتحملها الناس من دون حصول التصحيح اللازم. واذا تحقق اصلاح ما كما يخططون فانه يأتي في مصلحة المتسببين بالخسارة. نقبل نحن كمجتمع دفع التكلفة التي ندفعها الآن لمصلحة الاصلاح البنيوي والهيكلي بشكل عام، ونحن نتكبدها في المصارف وسعر الصرف وفي الاسواق والجمارك... إلا أن ريعها يذهب إلى مصالح خاصة وضيقة.

وهذا ما يريدونه بتشريعات مثل «الكابيتال كونترول». لا يمكن ان يحصل ذلك بأي تراتبية كانت وبأي زمن كان. التراتبية واختيار التوقيت ومدى التطبيق زمنياً... كل ذلك من الأهمية بمكان. اي خطأ في ما ذكرنا سيسبب خللاً في ما يخططون له، او سيتسبب بخلل أكبر بعد الغائها.



كيف للقانون أن يضبط الاستيراد الذي عاد الى الارتفاع بقوة؟

لا يعبأون بقصة الاستيراد. من هنا تلتقي مصالح الهيئات الإقتصادية مع المصارف. لكن هل سيقبل صندوق النقد باستثناء حسابات «الفرش» من «الكابيتال كونترول» وفي لبنان ازمات نقدية واقتصادية وعجز في الميزان التجاري ونقص في احتياطات العملات الاجنبية... وهل سيقبل ان نستمر بالاستيراد كأن شيئاً لم يكن؟؟

أجل، الهدف من «الكابيتال كونترول» هو ضبط الاستيراد وليس محصوراً بتحاويل وسحوبات الاشخاص فقط.

وعلى من يحذّر من المساس بـ»ستاندار» الاستهلاك في لبنان ان يعلم ان ذلك يفاقم عجز الميزان التجاري. اذا قررنا عدم الحد من تكلفة الفاتورة الاستيرادية فلن ينجح اي «كابيتال كونترول» في لبنان. على من يملك الدولارات، ويريد الحفاظ على مستوى استهلاكه، ان يدفع ثمن ذلك كما يدفع ثمنه في اوروبا او اميركا أو ربما أغلى. وعلينا ان نعي تأثير ذلك الاستهلاك، وبالتالي الاستيراد، على مجمل الوضع الاقتصادي في البلاد. إذ لا معنى لأي «كابيتال كونترول» من دون ضبط عجوزات ميزان المدفوعات والميزان التجاري. على «الكابيتال كونترول» الهادف ان يعيد تشكيل وتغيير تصرفات الناس الاستهلاكية ومقاربتها النفسية للإنفاق.

كيف للصندوق أن يضخ لنا دولارات، إذا بقيت منافذ لتسرب تلك الاموال وعوائق امام رفع السرية المصرفية كما يجب ومن دون تدقيق حقيقي في مصرف لبنان؟؟

ففي مصر على سبيل المثال، ليس هناك قانون «كابيتال كونترول»، لكن الاستيراد الخاص بالسلع والاستفزازية، اذا صح التعبير، شبه مقفل تماماً.

تعديل قانون السرية المصرفية... أشبه بتوسيع البنطلون القديم قليلاً

تعليقاً على تعديل قانون السرية المصرفية تعتقد سابين الكك أن السرية مع القانون الجديد لم تتغير جوهرياً في لبنان، لكنها اصبحت مطاطية أكثر من قبل. وتضيف ما يلي:

هذا يشبه قيام أحدهم ضاق بنطاله عليه بتوسيعه قليلاً ليلبسه نفسه. بكلام آخر، لم تتغير طريقة المقاربة للسرية المصرفية. لم ننتقل بها من مستوى سرية مصرفية الى مستواها القانوني العام في اطار انها سرية مهنية كما يجب ان تكون. وكما كل سرية مهنية لا يمكن لأي كان طلب كشفها، وهذ مشابه لسرية ملف مريض عند الدكتور، فالسرية المهنية هي الاطار القانوني الدولي الجديد. ما حصل لدينا ليس كذلك، إذ لم نغير ثقافة التمسك بالسرية المصرفية. بقينا متمسكين بها مع بعض التوسعة من دون فتحها على النحو المطلوب.

لقد ربطت دعاوى كشف السرية بقوانين لم تستخدم فيها تاريخياً مسألة كشف السرية المصرفية. هذا النوع من الدعاوى لم نصله بعد في القضاء اللبناني: كم من دعوى اثراء غير مشروع في لبنان تطلب السير بها كشف السرية؟ كم من دعوى ضد تبييض الاموال تطلب السير بها كشف السرية ؟ كم من مرة تحركت النيابة العامة المالية في تلك الإطارات المذكورة؟

ربما يمكن القول ان هناك شقاً واحداً بات ايجابياً باعطاء الادارة المالية ادوات تمكنها كشف السرية عندما تتعلق الدعوى بالتهرب الضريبي. ففي واحدة من النقاشات التي خصصت لاقرار قانون السرية المصرفية في 1959، قيل أن ذلك سيؤدي الى ممارسات تهرب ضريبي طالما لا تستطيع الادارة المالية كشف سرية الحسابات. حصل اقتراح بحصر السرية بغير المقيمين فقط، على أن يبقى حق الادارة المالية بكشف حسابات المقيمين منعاً للتهرب الضريبي. كان الجواب المذهل آنذاك: انه مهما كان حجم التهرب الضريبي، يبقى ان الأموال والتدفقات الممكن جذبها الى لبنان هي بمنافع أكبر بكثير من مبالغ التهرب الضريبي!

على صعيد متصل، لبنان ووفق الاتفاقيات الضريبية مع دول العالم مضطر لكشف السرية عن أي مواطن اجنبي لديه حساب لدينا ومطلوب معلومات عنه لدولته. لكن السؤال المقابل هو: متى طالب لبنان بتطبيق هذه الاتفاقيات لتشمل حسابات مواطنيه في الخارج؟؟

مثال: المصارف التي استثمرت في الخارج واشترت اوراقاً مالية مثل اليوروبوندز او غيرها والتي تداولت بها في الاسواق المالية الدولية ثم باعتها في الخارج... فهل استطعنا تحصيل ضرائب للخزينة على هذه العمليات؟؟

لماذا لم نطبق هذه الاتفاقيات لمصلحة لبنان؟ لا ارقام دقيقة لدي، لكن كل الاستثمارات اللبنانية خارج لبنان هي تحت القانون والاتفاقيات المذكورة، ويتوجب دفع ضرائبها. اذا لم نلجأ لذلك في ظل هذه الحالة التي نحن فيها ويرثى لها، فمتى سنلجأ؟ ومن هنا استنتج لأقول: من يضمن عدم الاستنسابية في تطبيق تعديلات قانون السرية المصرفية داخل لبنان، لا سيما في مجال مكافحة التهرب الضريبي؟ هذه الاستنسابية المخيفة قد توجه ضد بعض الناس المغضوب عليهم دون غيرهم، أو بشكل استغلالي وترهيبي لأخذ رشوة ربما. ما ذكرت لا يعني اني ضد القانون بالمطلق، بل احذر من جوانب فيه او في طريقة تطبيقه.

خطة لما بعد 17 تشرين وليس ما قبله

تؤكد سابين الكك أنه بدل الخطة اللازمة لتصحيح تداعيات الازمة المتراكمة حتى تاريخ 17 تشرين 2019، اصبحنا بحاجة ماسة لخطة خروج من أسوأ تداعيات وممارسات حصلت خلال 3 سنوات بعد اندلاع الازمة، وما تسببته من مآس اقتصادية واجتماعية ومصرفية ومالية... قد تكون أكبر من تراكمات ما قبل 17 تشرين.

أين السياسة النقدية؟ وماذا عن سعر الصرف؟

ماذا عن ربط القانون بسعر الصرف والسياسة النقدية؟ تقول سابين الكك الآتي نصه:

كيف نضع «كابيتال كونترول» من دون معرفة ماهية السياسة النقدية، إذ لا نعلم ان كنا متجهين الى تعويم لسعر الصرف او الى على مجلس نقد او الى العودة الى التثبيت مرة جديدة. والقصد من ذلك هو معرفة حاجة البنك المركزي من الاحتياطات لحماية السياسة النقدية التي يختار اعتمادها. ونسأل مصرف لبنان: ماذا قرر على هذا الصعيد حتى الآن؟ هل سيعتمد المنصة؟ اذا كان الامر كذلك، يجب ان يعلم انه بحاجة لاحتياطيات كافية للتدخل على تلك المنصة. وليعلم ان معرفة السياسة النقدية التي يريد تحديد تكلفتها من الاحتياطي.

هذه هي رؤية صندوق النقد لحركة الرساميل وأسباب ضبطها

المبدأ العام عند صندوق النقد يقوم على الحؤول دون تسلل رؤوس الأموال من دولة إلى أخرى، خصوصاً عندما تكون الدول ضعيفة اقتصادياً. وتشرح سابين الكك ذلك كما يلي:

هروب رؤوس الاموال الى هذه الدول الضعيفة يمكن أن يشكل بونزي سكيم كما سبق وحصل في لبنان. الصندوق يحذر من الاموال الساخنة المنجذبة بالفوائد العالية. وبالتالي يرى «الكابيتال كونترول» من هذه الزاوية، ولا يراه حصراً لحماية البنوك أو لحل ازمة مصرفية. يريدون منع تدفقات مالية الى بعض الدول لان اقتصاداتها لا تحمل او لا تتحمل جيداً هكذا تدفقات. كان ذلك الهدف الأول بالنسبة للصندوق تاريخياً، ثم صار «الكابيتال كونترول» يستخدم كتقنية خاصة لحل بعض الازمات كي لا تهرب الرساميل الى الخارج. من يقرأ في تاريخ الصندوق وتجاربه مع الدول، سيجد أن رفع أو الغاء القيود كان أصعب من وضعها. وفي حالات معينة حصلت ارتباكات كبيرة وفقاعات بنتيجة خروج ودخول الأموال الساخنة.

اليوم أكثر من اي يوم مضى، واتصالاً بالحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات التي فرضت ومحاولات هروب الرساميل... يهم صندوق النقد ألا تتكدس الأموال في دول واقتصادات معينة خصوصاً اذا كانت تلك الدول تعاني من أزمات... هذه هي استنتاجاتي من قراءات عميقة في ما يرونه في «الكابيتال كونترول». ففي بعض الدراسات التي ينشرها الصندوق لأكاديميين وخبراء، نجد ان «الكابيتال كونترول» لا يمكن فرضه بأي لحظة ووفق أي ترتيب يريده هذا الطرف أو ذاك. لذا فان قاعدة اليوم أفضل من «بكرا» ليست صحيحة.

ماذا قالت أيضاً؟

التوقيت مهم والأهم التراتبية في التشريعات... ولا يمكن السماح بنسف منظومة تشريعية لبنانية تاريخية

ليس لدى البنوك دولارات لودائع الناس... لكنها تخطط لاسترجاع دولارات من الخارج للاقراض و"الشغل"!!

كان واضحاً في الاجتماعات مع بو صعب ان الأطراف المعنية لن تصل لاتفاق لا سيما حول المفهوم نفسه

لم أجد بو صعب مدافعاً شرساً عن المصارف... لكنه يميل فعلاً للعجلة ولاقرار صيغة ما لـ"الكابيتال كونترول"لم تعد المصارف قوية كما السابق... هي متوجسة الآن لأنها تعلم أن الأمور باتت صعبة أكثر من ذي قبل

مع اقرار هذا القانون ستقول المصارف انها لم تخطئ وستعمل على تظبيظ ميزانياتها كأن شيئاً لم يكن

"الكابيتال كونترول" ليس حلاً... ما يطرحونه من حلول يكبد المجتمع الكلفة وتذهب منفعته الى المتسببين بالخسائر

لا يمكن الاستمرار بنمط الاستيراد نفسه، ولنا في دولة مصر أسوة حسنة... إذ منعت استيراد السلع الاستفزازية