العمّال وأرباب العمل... صرخة واحدة بوجه سلطة "الفشل"

02 : 00

ايجابيات-وسلبيات-العمالة-الوافدة

لا يمرّ يوم لا نسمع فيه بتسريح عدد من الموظفين من شركات ومؤسسات في مختلف القطاعات والمجالات. الآفاق مظلمة على الأصعدة كافة ويبدو أنها ستزداد. لكنّ المفارقة اليوم تكمن في عدم امتثال أزمة الصرف بين أرباب العمل والعمّال ولكن بين أصحاب العمل والموظفين من جهة والسلطة الفاشلة من جهة أخرى، وهي من يتحمّل المسؤولية الكاملة عمّا يحصل. أصحاب الشركات الذين أفنوا أعمارهم في تأسيسها يجدون أنفسهم مضطرّين لا بل مجبرين على صرف موظفيهم تمهيداً للإقفال النهائي. أصبح هؤلاء كالأرض التي زُرعت يوماً وروداً ولما كبرت وتبرعمت وراحت تضحك لها الحياة، عادت وذبلت حتى يبست... فمن أسَّس شركة يراها اليوم تتفكك من دون أن تكون له القدرة على إنقاذها، وحتى لو برزت حلول فمن يعوّض الخسائر التي تحصل والتي ما عادت تفرّق بين ربّ عمل وموظف؟

مستقبل قاتم

"خرج ما نعيشه اليوم من إطار الواقع، فالشركات عاجزة عن تحصيل ديونها من السوق وفي الوقت عينه تعجز عن سحب حاجاتها من المصارف، وأما العقود والالتزامات فتسير بوتيرة أقل من بطيئة، هذا يعني أن الكارثة على الاصعدة كافة. من هنا تجد الشركات نفسها اليوم مجبرة على صرف عدد من الموظفين. وستشهد الايام المقبلة مزيداً من صرف العمال والموظفين لصعوبة إيجاد حلول للأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية" يقول صاحب إحدى شركات الهندسة، ويضيف "تعتبر كل الصناعات اللبنانية أوّلية كما أننا لا نصدّر هذه الصناعات في حين أن التصدير بات حاجة أكثر من ملحّة لاستقطاب عملات أجنبية الى السوق المحلية. لكن الاهم لحلّ هذه المعضلة معرفة ماذا يبيع لبنان؟ هل نبيع خدمات أم سياحة؟ في هذا الاطار لا بدّ من ترخيص الاسعار لجذب السياح فهذا ما قامت به تركيا على سبيل المثال وهذا ما اعتمدته أيضاً اليونان وعلينا أن نحذو حذوهما لتخطي الازمة التي وعلى خلاف الاعوام الماضية لا تقتصر على المعضلات السياسية بل إنها تطال الوضعين المالي والنقدي".

"الشهر الماضي، عندما حان موعد قبض الرواتب، فوجئت بقرار إداري يبلَّغ الموظفون بموجبه بحسم نصف راتبهم، فالشركة خسرت قدراتها التمويلية في ظلّ الانكماش الاقتصادي"، تقول حنان، الموظفة الإدارية في إحدى شركات الاستيراد والتصدير، وتوضح أن "الشركة تبحث في الاستغناء عن عدد من العمال وإلا فلن تتمكن من الاستمرار. أتفهم هذا القرار رغم صعوبته فالاعمال متراجعة بنسبة 70%... وليكن الله بعون الجميع".

كل الاحتمالات واردة

بعد عام على تقاضيه نصف راتب، تفاجأ ناجي بإعلان معلق على باب المؤسسة يفيد بإقفال المؤسسة نهائياً ويطلب فيه من الموظفين التوجه الى قسم شؤون الموظفين لتسوية أوضاعهم. وبسبب الأزمة، لم تتمكن المؤسسة من دفع قيمة الصرف التعسفي فهي بالكاد استطاعت تأمين راتب شهر لكل موظف. توجّه ناجي الى "الضمان" لسحب تعويض نهاية الخدمة فصُعق بحقيقة أن الشركة لم تسدد ما يتوجب عليها للمؤسسة الوطنية للضمان الاجتماعي وبالتالي خرج خالي الوفاض. يجد ناجي اليوم نفسه حائراً فهو أب لابنتين وغير قادر على إعالة العائلة كما أنه سيكون من الصعب إيجاد عمل آخر أقله في المدى المنظور.

أما بشرى فتقول: "أبلغوني أمس مع 7 من زملائي في العمل، بأننا سنتقاضى هذا الشهر نصف راتب، وإن بقي الوضع على هذا المنوال فسيتم الاستغناء عن خدماتنا أوائل العام المقبل". وتلفت بشرى الى أنها مع شعورها بالحرمان والتخوف مما تخبئه الايام المقبلة، الا أنها تتفهم قرار صاحب العمل الذي تعمل لديه منذ أكثر من 10 أعوام وبالتالي فهي واثقة تماماً أنه "لو كان هناك من بديل لهذا القرار لما اتخذته الشركة".

بدوره، يجد أحد أصحاب شركات مقدمي الطعام (catering) نفسه ملزماً بإقفال أبواب شركته متوسطة الحجم التي قضى أكثر من 15 عاماً في تأسيسها. ويروي لـ "نداء الوطن" مأساته قائلاً: "تعمل الشركة في دول المنطقة في أكثر من سوق. لكن مع قرار المصارف وقف التسهيلات المصرفية ومعها التحويلات وتقييد السحوبات أجد نفسي عاجزاً عن الاستمرار فقد اضطررت الى فسخ العقود مع عدد من الموظفين وان لم أقفل اليوم فسأتكبد خسائر اضافية اذ ليس هناك من بصيص أمل على المدى المنظور.

حتى الساعة، كل المطالبات والاحتجاجات لتشكيل حكومة تكنوقراط لم تُفلح في إيجاد علاج ولو "موقت" لحالة الاهتراء التي دمّرت الاقتصاد، ليجد موظفو القطاع الخاص ومعهم أصحاب الشركات أنفسهم متضررين من الازمة التي لم تترك شركة أو مؤسسة الا وضربتها. ليس هناك من أرقام واضحة بعد عن عدد الشركات النهائي التي أقفلت لكن البعض يقدرها بـ 15%، أما المؤسسات المعرّضة للتصفية في الاشهر القليلة المقبلة فتتخطى الـ 25%، ويترافق ذلك مع صرف ما لا يقل عن 150 ألف موظف ليبقى سؤال المرحلة المقبلة...إلى أين؟


MISS 3