هالة نهرا

المايسترو لبنان بعلبكي: لا بدّ من هيكلية شبه مخصخصة للفلهارمونية!

6 أيلول 2022

02 : 01

لبنان بعلبكي مع ماجدة الرومي
الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية تواجه واقعاً شائكاً وعسيراً في مرحلةٍ معقّدة، ما بعدها غامضٌ وضبابيٌّ عموماً في ظلّ انهيارٍ عارمٍ في لبنان يماثل كرة الثلج المتدحرجة. "تضرّرت الأوركسترا ضرراً جسيماً بعد الانهيار" كما يقول قائدها المايسترو لبنان بعلبكي لـ"نداء الوطن"، على المستوى الاقتصاديّ خصوصاً، وبعد تفشّي فيروس "كورونا" وانعكاسات ذلك وتداعياته حتى يومنا هذا. هذه الشدّة المباشرة التي ألمّت بالأوركسترا في تأثيرها الثقيل الفادح، حضَّت الموسيقيين الأجانب على الرحيل، وبذلك خسرت الأوركسترا حوالى 65% من عناصرها كما يؤكّد بعلبكي.

أهمّية الفلهارمونية أنها جزءٌ من معالم وروح الثقافة النادرة في لبنان وبيروت، علماً بأنّ هناك تدميراً ممنهجاً، لاحَظَهُ بعلبكي، للمؤسّسات والحياة الثقافية في لبنان. وأردف قائلاً: "هذه المؤسّسة صمدت رغم محاولات محاربتها لإغلاقها. الوضع اليوم صعبٌ لأنّ الأوركسترا تابعة للكونسرفاتوار وهو تحت سلطة وزارة الثقافة، والتمويل يأتي من وزارة المالية. بذلك فالتعاوُنات التي يمكن أن تكون مفيدة ومثمرة مع أيّ مؤسّسة خارجية أو خاصّة لا بدّ من أن تكون على مستوى رسميٍّ لأن الكونسرفاتوار والأوركسترا ليسا مؤسّسةً خاصة بإمكانها الحصول على دعمٍ مادّيّ من أيّ مؤسسةٍ أخرى بشكلٍ عاديّ.



مع مرسيل خليفة


من جهةٍ أخرى، فإنّ الرواتب لا تكفي للبنزين والتنقّلات لأربع أو خمس بروفات للموسيقي، ونحن بحاجةٍ إلى تمويلٍ مستدامٍ وهذا صعبٌ حالياً لأن لا أهداف سياسية للمؤسّسة "وما بيقدروا يعملوا حملة إنتخابية على ضهرها!" على حد تعبير بعلبكي. لأنّ المؤسسة تابعة للدولة فالحلّ الوحيد بنظر بعلبكي ينبغي أن يتألّف من جزأين: الأوّل: مبادرة حلٍّ من الدولة لمنح هذه المؤسّسة الاهتمام الخاص على اعتبارها مؤسّسةً ثقافيةً وُجودها بالغ الأهمّية، وهي المحرّك الثقافيّ الأساسيّ والوحيد الذي يقدّم أعمالاً ثابتة طيلة السنة، وكانت الأوركسترا تشارك بفعاليةٍ في المهرجانات. أما الجزء الثاني من الحلّ، فيكمن في إمكانية الارتكاز على آليّةٍ معينة لبيع بطاقات للحفلات (لأنها كانت مجّانية منذ تأسيسها) مع إعلاناتٍ، ولا بدّ من هيكلية شبه مخصخصة". موضحاً تابع: "يجب أن تبقى الأوركسترا مدعومةً من الدولة لكن على إدارتها أن تكون لديها استقلالية لتتمكّن من العمل مع رُعاةٍ يدعمونها وهذا موضوعٌ طويلٌ للبحث، لكن لا بدّ للأوركسترا أن تتمتّع بهامشٍ من الاستقلالية لتتمكّن من التسجيل أيضاً في الأستديوات، ما يحتاج إلى مبادرةٍ كبيرة جداً ورؤيةٍ جليّة لإنتشالها مما هي فيه وعليه، لأنّ وضعَها دقيقٌ وإعادة بل استعادة الموسيقيين الأجانب الذين غادروها تستلزم الكثير من الجهود لأنّ الوضع مرتبطٌ بالرواتب وراهن البلد المأزوم على المستويات كافّة. قليلون جدّاً هم الذين يتسلّحون بالقدرة على الصمود اليوم. مشكلتنا في المجتمع اللبناني أنّنا، في لبنان بمنطِقِنا وبتربيتِنا الاجتماعية، لم نتسلّح بفكرة العمل الجماعيّ للمواجهة، لذلك في أزماتٍ مشابهة تنفرطُ الأمورُ بين أيادينا ويمكن أن تختفي وتندثر مع الوقت! بصراحةٍ أتحدّث عن المشهد. الإدارة تسعى وتحاول جاهدةً لكن لبنان ليس برلين بعد الحرب العالمية، ظروفنا مختلفة وأكثر صعوبةً وتعقيداً".




...وجورج خباز


أفادنا المايسترو الشاب أنّ الأوركسترا الفلهارمونية بدأت أولى حفلاتها عام 2000 بُعيد تأسيسها بقيادة د. وليد غلمية، وقد أُسِّست الأوركسترا بمبادرةٍ منه. كانت الظروف مؤاتية حينذاك فقد كان غسان سلامة وزيراً للثقافة وكان وضع لبنان مختلفاً حين تمظهرت الوفرة المادّية اللازمة لتأسيس أوركسترا ضخمة كهذه. كانت ثمّة محاولات قبل ذلك في عامَي 1998 و1999 لجمع موسيقيين كانوا بمعظمهم لبنانيين، لكن الفلهارمونية بشكلها الكبير قدّمت أولى أمسياتها عام 2000. كان ثمة عددٌ من العازفين من تشيكيا وهنغاريا ورومانيا وبلغاريا، هذه هي الدول الأساسية التي شارك عازفوها في الأوركسترا، مع عازفين لبنانيين، وشكّلوا أقليةً وقتذاك، علماً بأنّ نبيل مروّة كان من الأوائل على الفلوت، وإتيان كوبليان على آلة الأوبوا Hautbois، وبسام صالح، وميشال خيرالله، وطوني خليفة، ومنى سمعان، وأنجيلا هونانيان... كان د. وليد غلمية القائد الأساسي للأوركسترا. ثم بعد فترة تولّى القيادة المايسترو هاروت فازليان والمايسترو البولوني فويتشيك تشيبل الذي استمرّ حتى العام 2012. الأوركسترا من العام 2000 حتى العام 2020 قدّمت غالبية الأعمال السمفونية الأساسية التي تُسمَّى "ريبِرتوار": الكلاسيكيات: بيتهوفن (الأعمال الكاملة)، برامز Brahms (الأعمال الكاملة)، موزارت في الكثير من أعماله، راخمانينوف، ومندلسُن، وغوستاف مالر Mahler (سمفونيات عدّة)، وسواهم. كما عزفت الأوركسترا لمؤلّفين موسيقيين لبنانيين وشجّعت التأليف الموسيقي اللبناني وتطوير الأعمال. يُذكَر أنّ في مقدّمة المؤلّفين اللبنانيين هتاف خوري، وعبدالله المصري، وجويل خوري، وهبة القواس، ووليد غلمية، وتوفيق الباشا الذي قُدّمت له "سمفونية السلام" مرّات عدّة.



...وسمية بعلبكي


في حفلات لبنان بعلبكي الموسمية أصبح وجود المؤلّف الموسيقي اللبناني شبه دائم، يذكر المايسترو بين المؤلّفين رامي ومرسيل خليفة، وبشارة الخوري وعبدالله المصري، وهتاف خوري وهبة القواس، وعبد الرحمن الباشا وإياد كنعان، وسواهم.

يعتبر المايسترو لبنان أنّ حضوره في الأوركسترا أسهَمَ في استمالة جمهور مختلف شابّ قريب من عمره، وتبدّى ذلك حين جاء إلى لبنان عام 2012 وكان عمره 31 سنة وقتذاك. من خلال نشره للحفلات والدعاية الشخصية التي كان يقوم بها في محيطه ووسط أصدقائه بدأ جمهورٌ جديدٌ ينجذب إلى الأوركسترا ويتابع حفلاتها كما يخبرنا. أسهَمَ لبنان في تعزيز وجود المؤلّفين اللبنانيين في برنامج الأوركسترا وفي رفع مستوى أدائها وتأدية الأعمال الجديدة وفي استقدام "صوليست" Soliste (عازف منفرد) من الخارج، واستقدَمَ Concertmaster للمرّة الأولى، وبثّ جزءاً من روحه ومن نمط القيادة الذي تعلَّمَهُ واكتسب جوهره من رومانيا وفيينّا، وقدّم خبرةً جديدة بأسلوبٍ جديد، كما أعْلَمَنا... ما حثّ قادة الأوركسترا الآخرين على تقديم أعمال على مستوى أعلى بدافع المنافسة الشريفة، ما يعدّه بعلبكي إيجابياً جداً.

الأوركسترا الفلهارمونية هي من أولى الأوركسترات التي أُسِّست في المنطقة، طبعاً بعد مصر، لكن كما يقول بعلبكي كانت قبل أوركسترات سوريا وعُمان وقطر، وكانت الفلهارمونية سبّاقةً في هذا الإنجاز على مستوى عددٍ من الدول في العالم العربي والمنطقة.


MISS 3