روي أبو زيد

لبنان بعلبكي: ما قبل 17 تشرين ليس كما بعده

5 آذار 2021

02 : 00

حجز المايسترو لبنان بعلبكي في فترة قصيرة مكاناً مهماً على الساحة الفنية اللبنانية بعد دراسته الموسيقى في رومانيا. تشبّع الفن منذ الصغر وعزف على الكمان كأول آلة، ويحمل درجة الدكتوراه برسالة عنوانها: "علم النفس بين القائد والعازف". "نداء الوطن" التقت بعلبكي، قائد الأوركسترا الفيلهارمونية المؤلّفة من 100 عازفاً، فدار هذا الحوار الشيّق.

نجوتَ من الموت عند وقوع إنفجار بيروت. ما الذي حصل حينها؟

عايشتُ أولى لحظات الإنفجار ونجوت بفارق لحظات من مأساة مُحتّمة. كنتُ جالساً في غرفة الجلوس بمنزلي القريب من المرفأ وقبل دقائق قليلة اتّجهتُ نحو غرفة النوم، لتُكتَب لي حياة جديدة، خصوصاً أنّ غرفة الجلوس تدمّرت بالكامل، إضافةً الى أضرار جسيمة في جميع أرجاء المنزل. عانيتُ وعائلتي من صدمة وخوف كبيرين بسبب ما حدث لكننا مستمرون بفضل حبنا لوطننا.

ما هي السيمفونية التي تعزفها لبيروت المدمّرة؟

لن أختار عملاً معيّناً لأنني حينها أكون قد ضيّقت أفق المآسي التي تعاني منها العاصمة. فبيروت تعيش الصعاب منذ عشرات السنين لذا قد تكون بعض المبادرات الموسيقية كفيلة ببلسمة جراح المدينة المتألّمة.

انتشر مقطع فيديو لإمرأة تعزف البيانو وسط بيتها المدمّر. هل الموسيقى وسيلة مقاومة؟

غالباً ما تكون الأعمال الثقافية والفنية المنفذ الرئيس والحقيقي للناس وهي من ظواهر الإزدهار في المجتمعات. ولولا "كورونا" لأطلقنا مبادرات فنّية عدة، إذ تواصلتُ مع كثير من الأشخاص قبل الإنفجار وبعده لتنفيذ بعض الأعمال الموسيقية لكنّ الجائحة فرملت مشاريعنا في الوقت الحالي.

حين تدمّرت العاصمة الألمانية بعد الحرب، كانت أوركسترا برلين تعزف في المسرح الوطني المدمّر لتزرع الأمل في الشوارع المهدّمة. لذا تبقى الموسيقى بارقة أمل في زمن اليأس وعنصراً أساسياً في محو آثار الدمار.

هل الموسيقى مُقدَّرة في لبنان؟

كنت أنظر منذ يومين الى صور مهرجان بعلبك في تموز 2019، كانت مدرّجات الحفلات ممتلئة والأفراح تعمّ البلاد. ازدهرت الفنون في خمسينات وستينات القرن الماضي ما انعكس استقراراً على جميع الأصعدة، فضلاً عن تفعيل التبادل الثقافي والفني بين لبنان والعالم العربي.





هل اشتقت الى العزف في معبدي باخوس وجوبيتر؟

اشتقت الى العزف في أيّ مسرح كان، وأتوق لتقديم الموسيقى مع الفرقة الأوركسترالية. مع الإشارة الى أنّ هيبة بعلبك لا تضاهيها هيبة أيّ مسرح محلي أو عالمي وقفت على خشبته.

ما هي المعزوفة التي تؤثّر بك؟

تلفتني أعمال كثيرة لمؤلّفين عالميين، على سبيل المثال لا الحصر بيتهوفن، مالر، برامس وغيرهم... موسيقاهم ومعزوفاتهم تجعلني انفصل عن واقعي.

بيتهوفن كان أصمّاً وأثّرت موسيقاه في العالم أجمع.هذا صحيح، إذ فقد السمع تدريجاً لكنه أضحى من عباقرة الموسيقيين العالميين. كان يمتلك القدرة على الإصغاء داخلياً وهي ميزة يجب أن يطوّرها كلّ موسيقي. تمكّن بيتهوفن من تخيّل المعزوفة وتداخلها ونوتاتها في رأسه، وبات يكتب موسيقى من الخيال في ظاهرة فريدة ونادرة. بيتهوفن دليل حسيّ على أنّ العبقرية حقيقية وليست من نسج الخيال.

كيف تقيّم تجربتك الموسيقية مع الفنانين اللبنانيين؟

أحببت العمل مع الجميع. وتجمعني صداقة قوية مع القدير مارسيل خليفة بعد سلسلة من الحفلات كنّا قد قدمناها سويّاً، كما أنني على تعاون مستمرّ مع السيدة ماجدة الرومي ما ولّد علاقة تقدير ومحبة بيننا. كذلك تجمعني صداقة بالفنانة عبير نعمة قبل أن نعمل سويّاً. أنا محظوظ لتعاوني مع هذه الأسماء المهمة والمحترفة في لبنان والعالم العربي، كما أنّ العمل معهم ممتع جدّاً.

أنت ابن الأديب والرسام والنحات عبد الحميد بعلبكي، كيف ساهم هذا الموضوع بزرع حب الموسيقى لديك؟

تربّيتُ في بيئة فنيّة شاملة ما ساعدني في تكوين هويتي الموسيقية. من المهم تحلّي الفنان بثقافة فنية على المستويات كافة كي يتذوّق أنواع الفنون المحيطة به، ولحسن حظّي عشُت في هذه الأجواء بفضل والدي وتعززت بي روح الموسيقى منذ طفولتي رغم نشأتي في زمن الحرب، وعدم إلتحاقي بالكونسرفاتوار.

والدك أطلق عليك إسم لبنان؟

لم يسمّني لبنان فحسب، بل زرع داخلي هذا الـ"لبنان" معبراً عن ولائه للوطن عبر منحي هذا الأسم في خضّم الحرب. آمن والدي ببلده وفضّل الصمود فيه بدل الهجرة. وأستمدّ قوتي اليوم من إصراره على زرع روح الوطنية فينا.

أتفكّر بالهجرة؟

درستُ في الخارج وحملتُ جنسيّة بلد أوروبي آخر لكنّــي لا افكّر بالهجرة.

ما الذي ينقصنا كي نبني بلداً؟

الأوطان تصنعها الشعوب، لذا ما ينقصنا هو توحيد أهدافنا وتطلّعاتنا وولائنا. وحين نصل لهذه المرحلة يمكننا البدء ببناء الوطن. مع العلم أنّ حبّ لبنان يجمعنا، لكننا نختلف بطريقة التعبيـــر عن ذلك.

هل حقّقت ثورة 17 تشرين أهدافها؟

لم تكن الأهداف واضحة أو مبلورة، لكنّ ما قبل "17 تشرين" ليس كما بعده.

من هنا، ادعو الشعب اللبناني الى الاستمرار في ثورته لأن التغيير يتطلّب وقتاً ويجب أن يبدأ من النفوس قبل تطبيقه في النصوص.

حكمتك في الحياة؟

تحلّوا بالأمل واعلموا أنّ الحياة دورات متفاوتة بين الألم والأمل في عالمنا العربي، ولا يمكننا الإنفصال عن هذه المنطقة الغارقة بالحروب والأزمات منذ عشرات السنين.

أتحضّر لجديد؟

تواصلتُ أخيراً مع الإدارة الفنية للأوركسترا الوطنية وحدّدنا بعض المواعيد "على صحة السلامة" ريثما يتحسّن الوضع الصحي في البلاد.

أحضّر لحفلة في بوخارست في السادس من حزيران، لكنّنا نعيش جميعاً تحت رحمة "كورونا"، ولولا هول الجائحة لكنّا تجمّعنا وعزفنا في الشوارع.





MISS 3