شربل داغر

أمين معلوف بعد جبران

9 كانون الأول 2019

11 : 18

كنتُ في الطائرة، قبل سنوات، عندما قرأتُ في جريدة "الموند" الفرنسية مقالة لأمين معلوف عشية افتتاح معرض الكتاب في باريس، يعترض فيها على كون كتبه لا تصنف في عداد الأدب الفرنسي، بل في عداد الأدب... الفرنكوفوني.

وعندما فاتحتُه بالأمر، في زيارتي له، في شقته الباريسية، أعاد التشديد على موقفه، بين استغرابه وتذمره.

بعد ذلك المقال بسنوات، بات معلوف صاحب كرسي في "الأكاديمية الفرنسية"، وهي أعلى ما يصبو إليه كاتب فرنسي...

إلا أنه لا يزال كاتباً بالفرنسية، من دون أن يكون كاتبا فرنسياً...

هذا ما عرفَه قبلَه ليوبولد سيدار سنغور (الشاعر والرئيس السنغالي الراحل)، الذي بقي كاتباً بالفرنسية، وسبقَ معلوف إلى مقاعد "الاكاديمية الفرنسية"، ثم الكاتبة الجزائرية الأصل آسيا جيار...

هكذا يتم التمييز بين الكتابة بلغة وبين الانضواء إلى هوية أدبية، إذ يختلفان، ولا يتطابقان، لا في الفرنسية، ولا في الأدب الأميركي.

جبران خليل جبران يبقى بكتابه الموضوع بالانكليزية، "النبي"، الأكثر مبيعاً في الكتب الأميركية، لكنه لا يشكل أبداً جزءاً من الأدب الأميركي.

مثل هذه التمييزات ناشئة، متأخرة، بدليل أننا لا نميز بين لغة ابن المقفع والفارابي وابن سينا وبين هوياتهم.

ففي أحوال هؤلاء تغلبت لغتهم، أي العربية، على نسبتهم المناطقية، أو على ديانتهم، أي الإسلامية. ولهذا لا نقول فيهم إنهم كتاب فرس أو من آسيا الوسطى، أو مسلمون، وغيرها من الصفات.

هكذا كان الأدب يرتفع إلى اللغة، فيما بات الأدب يضيق في حدود اللغة.


MISS 3