روبي غرامر

جون سوليفان... آخر مسؤول أميركي في روسيا

المصدر: test sgdfkahsdjha adh

تنحّى السفير الأميركي في موسكو، جون سوليفان، من منصبه بعد ثلاث سنوات من أصعب الحقبات وأكثرها اضطراباً في العلاقات الأميركية الروسية المعاصرة. لم يستطع سوليفان أن يتجنب انهيار العلاقات الأميركية الروسية انطلاقاً من منصبه في موسكو. لكنه يترك وراءه فراغاً كبيراً في سفارة اضطرت لإغلاق قنصلياتها وتسريح موظفيها، حين فرض الكرملين تخفيضات هائلة على السلك الدبلوماسي الأميركي في روسيا.



تنحّى سوليفان بعد وفاة زوجته بسبب مضاعفات صحية، وشدد في مقابلة مع موقع "بوليتيكو" على عدم ارتباط قرار تقاعده بسياسات الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه روسيا أو استمرار الحرب في أوكرانيا. توفيت زوجته، المحامية المرموقة غرايس رودريغز، من جراء إصابتها بمرض السرطان يوم الإثنين الماضي.

صرّح أربعة دبلوماسيين حاليين وسابقين لصحيفة "فورين بوليسي" بأن سوليفان استلم واحدة من أصعب المهام في عالم الدبلوماسية الأميركية، فكان يدير العلاقات اليومية بين خصمَين سابقين من حقبة الحرب الباردة، وقد تدهورت هذه الروابط تدريجاً ثم انهارت بالكامل بعد قرار موسكو بإطلاق غزو شامل لأوكرانيا في أواخر شهر شباط. لم يتضح بعد موعد استبدال سوليفان بمسؤول آخر أو هوية من سيخلفه. في هذه الفترة الانتقالية، ستستلم الدبلوماسية إليزابيث رود منصبه، وهي المسؤولة الثانية في السفارة، إلى أن يُعيّن الرئيس سفيراً جديداً.

يقول متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: "ينوي البيت الأبيض الإعلان عن هوية السفير المقبل قريباً، لكننا لا نستطيع توقّع شيء في الوقت الراهن".

يظن الدبلوماسيون والخبراء أن إرث سوليفان في العلاقات الأميركية الروسية كان محدوداً رغماً عنه. يقول دانيال فريد، دبلوماسي أميركي سابق كان سفير الولايات المتحدة في بولندا ومساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا وأوراسيا: "حين تسوء العلاقات بين واشنطن وموسكو، لا يستطيع أي سفير أميركي أن يُحدِث فرقاً حقيقياً. لا يمكنه أن يُحسّن الوضع لأن القرار ليس بيده. كانت العلاقات بهذا السوء آخر مرة في بداية الخمسينات على الأرجح، أي في عهد الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، وكان جورج كينان السفير الأميركي حينها".

اعتُبِر كينان على نطاق واسع كبير الخبراء الأميركيين بشؤون الاتحاد السوفياتي في جيله، لكنه طُرِد من موسكو بقرار من السلطات السوفياتية في العام 1952، حين بلغت الاضطرابات الأولية في الحرب الباردة ذروتها بين القوتَين العظميين. برأي فريد، لم يكن جورج كينان يستطيع تحسين الوضع، مثلما عجز جون سوليفان عن تغيير الظروف في الفترة الأخيرة.

خلال المرحلة التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا، أطلقت الولايات المتحدة هجوماً دبلوماسياً شاملاً لتنبيه الحلفاء والشركاء في أوروبا من التهديدات المطروحة، ومحاولة ثني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن طموحاته الحربية، فاتضح بذلك عجز الولايات المتحدة عن استمالة هذا الخصم العنيد.

تقول أنجيلا ستانت، خبيرة في سياسة روسيا الخارجية: "ما كانت الدبلوماسية الأميركية قادرة على تغيير رأي بوتين، ما يعني أن الجهود الدبلوماسية لها حدود معينة. أنا واثقة بأن السفير سوليفان بذل قصارى جهده، لكن أعاقه أشخاص كان يتعامل معهم في الكرملين ووزارة الخارجية".

يُجمِع معظم الدبلوماسيين على دور سوليفان المهم لتعويم العلاقات الأميركية الروسية بدرجة معينة في السنوات الأخيرة عبر الحفاظ على تواصل يومي مع الكرملين. كانت جنازة الزعيم السوفياتي السابق، ميخائيل غورباتشوف، آخر مناسبة رسمية يحضرها في أيامه الأخيرة في السفارة بصفته ممثلاً عن الحكومة الأميركية. تابع سوليفان أيضاً شؤون المواطنين الأميركيين الذين تعتبرهم واشنطن معتقلين عن غير وجه حق في روسيا لاستعمالهم كرهائن سياسية، بما في ذلك اثنان من مشاة البحرية الأميركية السابقين، بول ويلان وتريفور ريد، ولاعبة كرة السلة الأميركية بريتني غرينر، فاعترض على اعتقالهم وقصد السجون الروسية لزيارتهم. أُطلِق سراح ريد خلال صفقة تبادل أسرى في شهر نيسان، لكن لا يزال ويلان وغرينر مسجونَين.

على صعيد آخر، اضطر سوليفان لمتابعة الأعمال في السفارة الأميركية تزامناً مع تسريح جزء كبير من موظفيها. في السنة الماضية، خفّضت روسيا عدد الموظفين في البعثة الدبلوماسية الأميركية بنسبة 90% تقريباً، فتراجع عدد الدبلوماسيين الأميركيين المسموح ببقائهم في البلد، ثم مُنِعت السفارة من توظيف أشخاص تم تعيينهم محلياً. يقول سكوت رولاند، دبلوماسي أميركي سابق كان قنصلاً أميركياً عاماً في "يكاترينبورغ"، روسيا، وسفير الولايات المتحدة في بيلاروسيا بين العامين 2014 و2016: "أنا واثق بأنه اعتُبِر سنداً يمكن الاتكال عليه خلال الأوقات الصعبة التي شهدتها السفارة في موسكو".

رفضت وزارة الخارجية التعليق على عدد الموظفين المتبقين في السفارة الأميركية في موسكو. قال متحدث باسم الوزارة: "لأسباب أمنية، نحن لا نتقاسم المعلومات التي تتعلق بعدد الموظفين الحكوميين الأميركيين".

لكن بعد تخفيض عدد الموظفين، اضطر سوليفان للإشراف على فريق محدود من الدبلوماسيين، وحاول إدارة العلاقات مع موسكو خلال أصعب الفترات في العلاقات الأميركية الروسية منذ نهاية الحرب الباردة.

واجه المسؤولون في إدارة بايدن، بما في ذلك سوليفان، انتقادات لاذعة من السلك الدبلوماسي والخبراء في واشنطن، لأنهم لم يتخذوا مواقف أكثر صرامة من موسكو بعد قرار تخفيض عدد الموظفين في تلك الفترة ولم يطلقوا رداً مشابهاً عبر تخفيض عدد الدبلوماسيين الروس المتواجدين في الولايات المتحدة. لكن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أقال الأميركيون وحلفاؤهم الأوروبيون حوالى 400 موظف روسي من البعثات الدبلوماسية جماعياً، واتُهِم عدد كبير منهم باستغلال مناصبهم الدبلوماسية للتجسس، لكن أنكرت وزارة الخارجية الروسية تلك التُهَم.

يقول دبلوماسيون أميركيون حاليون وسابقون إنهم يتوقعون أن يبقى منصب السفير الأميركي في روسيا فارغاً طوال أشهر أو أكثر، نظراً إلى وضع العلاقات السامة بين واشنطن وموسكو غداة الحرب الروسية في أوكرانيا. يتطلب تعيين أي سفير جديد من جانب بايدن موافقة مجلس الشيوخ، ثم يجب أن توافق الحكومة الروسية على استقبال السفير الجديد بموجب بروتوكول دبلوماسي محدد. لكن يشكّ الدبلوماسيون الأميركيون الحاليون والسابقون بأن تعطي روسيا موافقة سريعة على أي مبعوث أميركي جديد. سبق ومنع أحد حلفاء روسيا سفيراً أميركياً من أداء واجباته. اصطفت بيلاروسيا مع موسكو وسهّلت غزوها لأوكرانيا في أواخر شهر شباط، فامتنعت عن إعطاء تأشيرة للسفيرة الأميركية في بيلاروسيا، جولي فيشر، ومنعتها من دخول البلد وأجبرتها على العمل كمبعوثة خاصة من ليتوانيا المجاورة، بين العامين 2020 و2022، قبل تنحيها من منصبها.

لكن رغم العوائق والقيود التي تمنع السفراء من أداء مهامهم، يقول الخبراء إن بايدن مضطر لتعيين سفير جديد في موسكو في أسرع وقت. يستطيع السفير الأميركي الجديد أن يراقب جميع الأحداث الميدانية في روسيا وينقلها إلى واشنطن، ما يسمح لها برصد أي تغيير في سياسات الكرملين. على سبيل المثال، كان ألكسندر فيرشبو، السفير الأميركي في روسيا بين العامين 2001 و2005، أول مبعوث مرموق يدرك تأثير صعود بوتين السياسي على روسيا وينقل ما يحصل في أروقة السلطة في الكرملين إلى واشنطن. وكان جون بيريل، السفير الأميركي في روسيا بين العامين 2008 و2012، واحداً من أوائل المسؤولين الذين دقوا ناقوس الخطر في واشنطن حول خطط موسكو لغزو أجزاء من جورجيا المجاورة في آب 2008، علماً أن معظم المسؤولين في واشنطن كانوا يضعون خطوات الكرملين في جورجيا حينها في خانة التهديد والوعيد بكل بساطة.

يقول فريد: "من المفيد أن يتم تعيين سفير جديد، مع أنه قد يعجز عن تحقيق الكثير في ظل الظروف الراهنة. لكن قد تتغير الأوضاع. وإذا تغيّر الوضع فعلاً وأدى النجاح الأوكراني والإخفاق الروسي في ساحة المعركة إلى تغيير طريقة التفكير في موسكو، يجب أن يتواجد هناك مسؤول قادر على تنبيه واشنطن حول التحولات الحاصلة، ويجب أن يكون ذلك المسؤول مؤهلاً لخوض المحادثات عند بلوغ تلك المرحلة".

على عكس مسؤولين مرموقين آخرين تم تعيينهم في وزارة الخارجية الأميركية خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، نجح سوليفان في البقاء خارج المشاحنات الحزبية ومعارك الرقابة المحتدمة مع الكونغرس، وهي من أبرز الأحداث التي طبعت السياسة الخارجية في عهد ترامب. اكتسب سوليفان الاحترام من الجمهوريين والديمقراطيين في آن، خلال ولايته كنائب وزير الخارجية بين العامين 2017 و2019، ومن المسؤولين الذين عيّنهم ترامب والدبلوماسيين العاديين على حد سواء: إنه إنجاز نادر لوزارة الخارجية في عهد ترامب. بعد استبدال سوليفان بستيفن بيغن كنائب وزير الخارجية في أواخر العام 2019، تأكد تعيينه كسفير الولايات المتحدة في روسيا عبر تصويت في مجلس الشيوخ (70 صوتاً مؤيداً مقابل 22 صوتاً معارضاً)، ما يثبت دعم الحزبَين الجمهوري والديمقراطي له في الكابيتول هيل.

بالإضافة إلى المبعوث الخاص لشؤون الرهائن، روجر كارستنز، كان سوليفان واحداً من مسؤولَين مرموقَين فقط أبقاهما بايدن في وزارة الخارجية من عهد ترامب بعد استلامه الرئاسة.