خالد العزي

سياسة روسيا تتغيّر تدريجاً في أوكرانيا

24 أيلول 2022

02 : 01

بوتين أمام مأزق جيوستراتيجي في الميدان الأوكراني (أ ف ب)

عاد موضوع استئناف المفاوضات بين موسكو وكييف إلى العلن مجدّداً بعد أن غاب عن جدول الأعمال الدولي. وأشار رئيس مجلس الدوما في الاتحاد الروسي فياتشيسلاف فولودين إلى أن خطاب ممثلي البعثات الغربية في شأن عملية المفاوضات الروسية - الأوكرانية قد تغير، والآن تقع المسؤولية الكاملة على عاتق كييف.

بدوره، صرح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال مقابلة مع وكالة "ريا نوفوستي" أن المفاوضات المباشرة بين رئيسَي روسيا وأوكرانيا، فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي، لا تزال بعيدة، مبدياً استعداده الشخصي لتسهيل مثل هذه المفاوضات، لكن فرص إبرام اتفاقات سلام بين كييف وموسكو ضئيلة حتى الآن.

في المقابل، قال بوتين إنّ العملية ستستمرّ حتّى تُحقق أهدافها. وقد أعلن التعبئة الجزئية في صفوف الجيش الروسي لمتابعة الحملة التي تلقاها سكان المدن الروسية بنوع من الاعتراض والاعتصام الرافض للحرب والفرار الكثيف باستخدام الأجواء والطرق البرية لعدم تنفيذ الدعوة.

إنطلاقاً من الخطاب الجديد في واشنطن وبروكسل، نرى أن قضية المفاوضات حول تسوية سلمية مع روسيا باتت تعتمد كليّاً على الرئيس الأوكراني، على الرغم من إصرارهم سابقاً على حلّ النزاع حصريّاً في ساحة المعركة وعلى أنّ أوكرانيا يجب أن تُحدّد شروط إنهاء الصراع. وهنا يُدرك المجمع الصناعي العسكري الغربي أن مثل هذا الوضع يُمكن أن يستمرّ لفترة طويلة وهذا يعد بأرباح كبيرة.

بعد الانتصار الذي حققه الأوكران في استعادة مناطق خاركيف، انعدمت مؤشرات التقارب بين مواقف أطراف النزاع، فلا توجد آفاق لحلّ أي قضايا معيّنة أيضاً. كما هو معلوم، هناك صفقة حبوب، وهناك مفاوضات في شأن تبادل أسرى الحرب، وهناك مشكلة ضمان سلامة محطة الطاقة النووية في زابوريجيا.

ربّما قد تكون الانجازات التي تمّ إحرازها في أوكرانيا من قبل القوات المسلحة للبلاد بمثابة لبنات بناء يُمكن أن تُشكل تدريجاً الأساس لاتفاقات أساسية أكثر أهمية. فكلا الجانبين الأوكراني والغربي لا يزالان يتمتعان بمزاج المنتصر، مع الأخذ بعين الاعتبار النجاحات العسكرية التي تحققت في اتجاه خاركيف في بداية هذا الشهر.

لذلك لا يزال هناك الكثير من الحديث عن نقطة تحول محتملة والانتقال إلى هجوم استراتيجي للقوات المسلحة الأوكرانية. يُدرك بعض السياسيين الغربيين بالفعل أنه لم يتبقَ سوى القليل من الوقت قبل اقتراب فصل الشتاء، والذي يتوقع بأن يكون صعباً.

من الممكن السماح ببعض التغيير في المواقف وظهور بعض المقترحات الجديدة، إذ إن الضربات التي استخدمتها روسيا ضد البنية التحتية الأوكرانية لم تأثر على دعم الغرب. لذا يتحسّب الغرب لهجوم روسي قد يخلق المزيد من الفوضى مع هجرة جماعية سيكون تأثيرها كبيراً على الخارج، ما يتطلّب اختراقاً قويّاً على المدى القصير في الجبهة الأوكرانية. ومن المرجح أن تحصل في نهاية الشتاء وبداية الربيع. أما لجهة القراءة في خطاب بوتين الأخير الذي أعلن فيه التعبئة الجزئية لإكمال العملية الخاصة التي لا يزال الدعائيون الروس يستخدمونها في الوسائل الإعلامية ويُشدّدون على أن الانسحاب كان تكتيكيّاً وليس هزيمة، يُمكن ملاحظة التالي:

- هزيمة ساحقة أمام أبواب العاصمة كييف أدّى إلى انسحاب مذلّ ونكسة للجيش الثاني في العالم.

- خوض حرب قاهرة لمدّة شهرين من قبل دولة عظمى على أبواب مصنع آزوفستال، انتهت بقرار سيادي أوكراني بالتسليم ويتمّ اليوم تبديل مدافعي المصنع.

- هجوم معاكس على خيرسون واستعادة مناطق كثيرة أدّت إلى ضرب نقاط عسكرية ولوجستية روسية في جزيرة القرم.

- هزيمة كبيرة للروس في شمال شرق أوكرانيا باستعادة محافظة خاركيف والوصول إلى الحدود الدولية الروسية.

- إيقاف الهجمات الروسية في مناطق الشرق واستعادة مناطق من جمهورية لوغانسك.

فلو حاولنا تفسير خطاب بوتين، لوجدنا أنه مجرد ضغط نفسيّ على أوكرانيا عن طريق الاستفتاء في المناطق المحتلّة والتلويح بالنووي، لكن الأوكران لم يرحبوا بالروس والحرب مستمرّة والأرض تُستعاد ببطء... فأين إنجازات العملية الخاصة؟

إذاً، إن تهديد بوتين باستخدام السلاح النووي هو نتيجة الخسارة المذلّة التي لن تقبلها روسيا مطلقاً، وسوف يأخذه الغرب على محمل الجد ويزيد من الاحتياط والدعم لأوكرانيا.

الدعوة الروسية للتعبئة على لسان وزير الدفاع سيرغي شويغو والطلب باستدعاء 300 ألف جندي روسي، يدلّ على التخبّط في التفكير الاستراتيجي والخطاب السياسي للقادة الروس، ما سبّب بتغيير جذري في الطروحات. لقد باتت سياسة روسيا تتغيّر تدريجاً في تعاملها مع العملية الخاصة في أوكرانيا بعد النكسات الكبيرة التي تلقتها موسكو هناك.


MISS 3