البريطانيّون حسموا أمرهم في صناديق الاقتراع

جونسون متمسّك بوعده حول "بريكست"

10 : 18

نجح جونسون في رهاناته السياسيّة وحقّق نصراً انتخابيّاً تاريخيّاً (أ ف ب)

تطوي بريطانيا صفحة المماطلة الهدّامة والتجاذب المدمّر حيال "بريكست"، مع تصويت الناخبين بشكل واضح لا لبس فيه في الانتخابات التشريعيّة وتفويضهم المحافظين قيادة سفينة البلاد في هذه المراحل الحرجة، فيما تعهّد رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون أمس بالانفصال نهائيّاً عن الاتحاد الأوروبي أواخر كانون الثاني ولم شمل بلد يُعاني من انقسام سياسي عميق.

واستُقبل جونسون قبيل الظهر في قصر باكنغهام لتُكلّفه الملكة إليزابيث الثانية رسميّاً تشكيل الحكومة الجديدة، بعد ساعات على فوزه بغالبيّة غير مسبوقة من حيث حجمها للمحافظين في الانتخابات التشريعيّة منذ مارغريت ثاتشر العام 1987. وأعلن جونسون لأنصاره أنّه بعد أكثر من ثلاث سنوات من الانقسامات والخلافات حول "بريكست"، الذي أيّده 52 في المئة من البريطانيين خلال استفتاء العام 2016، "سأضع حدّاً لهذه الأمور العبثيّة وسنُحقّق "بريكست" في الوقت المناسب بحلول 31 كانون الثاني".

وبالرغم من تحقيقه فوزاً ساحقاً، وجّه جونسون نداءً لتوحيد بريطانيا. وقال خلال خطاب مقتضب أمام "10 داونينغ ستريت": "أدعو الجميع إلى طي الصفحة وتضميد الجراح". ومدّ يده إلى المؤيّدين لأوروبا الذين لم يُصوّتوا له، مشدّداً على رغبته في التركيز الآن على أولويّات الناس، كالطبابة والأمن والتعليم والبنى التحتيّة.




وهو يرى في انتصاره مؤشّراً إلى قرار البريطانيين "القاطع الذي لا يُمكن مقاومته ولا التشكيك فيه"، بطي صفحة الاتحاد الأوروبي بعد 47 عاماً من شراكة شهدت الكثير من التقلّبات، إذ أفادت النتائج شبه النهائيّة بفوز المحافظين بغالبية 365 مقعداً من أصل 650 في مجلس العموم (مقارنة مع 317 العام 2017) بفضل انتزاعهم دوائر مؤيّدة تقليديّاً لحزب العمال، الذي تراجع إلى 203 مقاعد (مقابل 262 سابقاً)، مسجّلاً أسوأ نتيجة منذ 1935، ما شكل ضربة موجعة لزعيمه جيريمي كوربن (70 عاماً)، الذي أعلن أنّه لن يقود حزبه في الانتخابات المقبلة، معرباً عن "خيبة أمل كبيرة". وحين سُئِلَ على شبكة "سكاي نيوز" عن خلافته أجاب أن اللجنة التنفيذيّة للحزب ستجتمع "في بداية العام المقبل" لبحث المسألة.

ويدفع كوربن ثمن موقفه الملتبس في شأن "بريكست"، بحيث دعا إلى استفتاء جديد من غير أن يتّخذ بنفسه موقفاً، وكذلك ثمن عدم اتخاذه خطوات حازمة حيال الاتهامات بمعاداة السامية في صفوف حزبه. وبالرغم من حديث جونسون عن "زلزال" أعاد رسم المشهد السياسي، إلّا أنّه يسعى أيضاً إلى طرح نفسه في موقع جامع. وسيعرض برنامجه التشريعي خلال الخطاب التقليدي الذي تُلقيه الملكة الخميس، غداة استئناف البرلمان عمله. وهو عازم على طرح اتفاق الطلاق الذي تفاوض في شأنه مع بروكسل على النوّاب قبل عيد الميلاد، بعدما تعثر لعدم توافر غالبيّة مؤيّدة.

ولم تجد دعوات جونسون إلى وحدة الصف أصداء إيجابيّة لدى الحزب الوطني الاسكتلندي، الذي عزّز موقعه بفوزه بـ48 مقعداً مقابل 35 سابقاً، ما من شأنه تشجيع الميول الانفصاليّة. وقالت رئيسة الوزراء الاسكتلنديّة نيكولا ستورجن أن هذا النجاح "يُعزّز التفويض" من أجل تنظيم استفتاء جديد حول مستقبل اسكتلندا المعارضة لـ"بريكست"، بعدما فشل الانفصال عن بريطانيا في استفتاء أوّل العام 2014. ورأت أنه يعود للاسكتلنديين أنفسهم أن يقولوا إن كانوا يُريدون تنظيم مثل هذا الاستفتاء، وليس للحكومة المركزيّة في لندن التي تُعارض ذلك.

أمّا في إيرلندا الشماليّة، فتراجع الحزب الوحدوي الديموقراطي أمام الـ"شين فين" الجمهوري، ما يطرح هنا أيضاً مسألة وحدة المملكة. وتلقى الليبراليّون الديموقراطيّون الذين أرادوا وقف "بريكست"، صفعة مدوّية، إذ لم يفوزوا سوى بـ11 مقعداً، بخسارة مقعد، وهزمت زعيمتهم جو سوينسون. واختلفت الصحف البريطانيّة بين من أبدى سروره لنتيجة الانتخابات ومن ندّد بـ"كابوس"، لكنّها أجمعت على الطابع "التاريخي" لفوز جونسون. وسجّلت نسبة المشاركة 67.23 في المئة، في تراجع مقارنة مع اقتراع 2017. وأبدى الأوروبّيون "استعدادهم" لخوض مفاوضات مع المملكة المتّحدة، لكنّهم أكدوا أن ذلك لن يحصل بأي ثمن كان. وحذّرت رئيسة المفوضيّة الأوروبّية أورسولا فون دير لاين من ضيق المهلة المحدّدة للتوصّل إلى اتفاق تجاري مع بريطانيا. وأكّدت أنّها "جاهزة للعمل" منذ اليوم التالي لـ"بريكست" من أجل إقامة علاقة تكون "أقرب ما يُمكن" بين الطرفَيْن بهدف التوصل إلى تفاهم بحلول نهاية العام 2020، في حين قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال معلّقاً على المهلة الضيّقة المتبقية للتفاوض في شأن اتفاق تجاري مع بريطانيا بعد "بريكست": "من غير الوارد إتمام المفاوضات بأي ثمن، يُمكن إتمام مفاوضات حين نعتبر أن النتائج متوازنة وتضمن مراعاة المخاوف".من جهتها، حذّرت المستشارة الألمانيّة أنغيلا ميركل من أنّه "سيكون هناك منافس عند أبوابنا، وذلك قد يدفعنا أيضاً لنكون أسرع في اتخاذ قراراتنا"، معتبرةً أن الوضع الذي سينجم عن "بريكست" قد يكون "محفزاً" أيضاً، بينما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بريطانيا، لعدم التحوّل إلى "منافس غير منصف" للاتحاد الأوروبي بعد "بريكست". وقال خلال مؤتمر صحافي في بروكسل: "آمل في أن تبقى المملكة المتّحدة دولة حليفة وصديقة وشريكاً مقرّباً للغاية".

أمّا الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فهنأ جونسون بفوزه "الرائع"، ووعد بـ"اتفاق تجاري جديد ومهمّ، يُمكن أن يكون أكبر وأربح بكثير من أي اتفاق قد يتمّ إبرامه مع الاتحاد الأوروبي". كما هنّأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، جونسون، بفوز المحافظين. وجاء في برقية أرسلها إليه تمّ نشرها على موقع الكرملين: "إنّني على يقين بأن تطوير الحوار البنّاء والتعاون في الاتجاهات المختلفة، سيستجيب بشكل كامل لمصالح شعبَيْ بلدينا وكلّ القارة الأوروبّية".

كذلك، رحّبت إسرائيل بفوز جونسون، معتبرةً ذلك "نقطة تحوّل" في مكافحة الكراهية ومعاداة السامية و"نصراً للقيم". وهنّأ وزير الخارجيّة الإسرائيلي يسرائيل كاتس، جونسون قائلاً: "إنّه ليس نصراً سياسيّاً فحسب، بل هو نصر للقيم والتاريخ البريطاني"، مضيفاً: "هذه نقطة تحوّل مهمّة في مكافحة الكراهية".


MISS 3