يتحدّر من عائلة أعطت لبنان كثيراً من الفن والإبداع فوالده النحات الذائع الصيت ميشال بصبوص وأمّه الكاتبة والشاعرة تيريز بصبوص.
ورث أناشار فنّ النحت عن والده وعمّه منذ نعومة أظفاره. كان في العاشرة حين أنتج أوّل منحوتة طوّع فيها الحديد ذلك أنّ الفتى عشق المعادن فتميّز من ذويه بموهبة فذّة في نحتها، يصنع منها أشكالاً تحكي أحاسيسه الدفينة.
"منحوتاتي هي الموسيقى للعين"، يؤكد أناشار لـ"نداء الوطن" في لقاء جمع فيه الإعلاميين حول محترفه الذي بناه على قطعة أرض مطلّة على البحر اشتراها قبالة بيته في راشانا.
شيّد أناشار محترفه على أرض أجداده فقد ابتاع قطعة مواجِهة للبحر وتتميز بعنصرين، يطبعان قرى منطقته: الأول، إنها مساحة مسطّحة تُعرف باسم "البيدر" حيث كان يُجمع القمح استعداداً لطحنه، وهو جزء مكشوف وعاصف في القرية. في أوقات الحصاد، كانت تُفصل بذور القمح والشوفان في هذا الموقع بالتحديد الذي تمّ اختياره بدقة. أمّا العنصر الثاني المميّز فيسمّى "رجمة"، وهي تلّة ضخمة صُنعت عبر رصّ القرويين الحجارة الصغيرة.
قرّر أناشار تشييد "محترف أناشار بصبوص" على أرضه فتوصّل مع المهندس المعماري جودت عرنوق الى فكرة بناء كتلة أسمنتية خامة ومتراصة، مثبّتة على الأرض من جانبها الشرقي، ثم ترتفع من جهتها الغربية المطلة على البحر. كانت تلك الفكرة الممهّدة لبناء مبنى يتناغم مع تاريخ الأرض وطبيعتها يأوي أعمال عائلته الفنية.
و"محترف أناشار بصبوص" مصنوع من مادة الأسمنت بالكامل بمساحاتٍ ممتدة تحكي تجربة سردية لرحلة عائلته الفنية وأعماله هو بالذات. فعلى مدخل المحترف صورة عملاقة لوالديه بالاضافة الى منحوتة برونزية لوالده ميشال تعود الى العام 1954 وتعلوها فتحة زجاجية في سقف المحترف يتسلّل منها النور فيحطّ على المنحوتة مانحاً إيّاها جمالاً يفوق الوصف. وعلى يمين المنحوتة خشبة مثبتة في الحجر بعثرت عليها إصدارات والدته الكاتبة والشاعرة.
المبنى إذاً امتدادٌ لمسيرة آل "بصبوص" الذين نشروا أعمالهم في كافة أرجاء البلدة وعلى جوانب طرقاتها، وقد جاء هذا المتحف ليتوّج رغبة "البصابصة" في انعتاق الفنّ من الحدود الجغرافية فلا تبدو الأعمال منغلقة على نفسها.
أراد أناشار أن يعكس المبنى المطل على البحر الجاذبية التي يشعر بها المرء نحو زرقة مياه المتوسط، وهذا ما يبرّر الواجهات الزجاجية العملاقة والنوافذ الكبيرة من جهة المبنى الشمالية بحيث يدخل نور الشمس بانسيابية منعكساً على المنحوتات المعروضة فيشهد الزائر لعبة ساحرة من الأضواء والأشكال.
ويشعر من يدخل المحترف وكأنه دخل "آلة الزمن"، منتقلاً من حقبةٍ الى أخرى، بين منحوتات قديمة وحديثة تطلّ على مساحات امتدّت فيها أشجار الزيتون العريقة. "أؤمن بسحر هذه المساحة لأنها تسمح للزائر باختبار انتمائه الى الماضي عبر حاستي الشمّ والنظر وعبر الإحتكاك بالأرض التي يطأها، فضلاً عن تمتّعه بأشكال الفنّ الحديث فيشهد هذا التواصل والتلاقح الحيّ بين الماضي والحاضر والمستقبل"، يقول الفنان بابتسامةٍ عريضة.
لتكوين منحوتاته يستخدم أناشار مادة "الكورتين ستيل" المحتوية على النحاس، وهي مادة تحمي نفسها بعد تعرّضها للصدأ، وهو لا يجد لها عبارةً تختزل معناها، فهي بنظره أعمال مركبة فنياً تحكي العين تماماً كما تحكي الموسيقى الروح.
قبل الانخراط في الأعمال الفنية، درس أناشار الهندسة المعمارية. يتجلّى هذا الجانب منه في عمله بوضوح، خصوصاً في أعماله الأخيرة التي عرضت في "معهد العالم العربي في باريس" ودار "كريستيز" للفنون الرائدة، علماً أنّ عمله "Météorite" اختير للمشاركة في معرض Artcurial Monaco الكائن في أجمل مناطق الإمارة إلى جانب منحوتاتٍ لفنانين مرموقين من القرنين العشرين والحادي والعشرين.
يقف أناشار أمام منحوتته التي صنعها في العاشرة من عمره. ينظر إليها بدهشة واستغراب: "اكتشفت بعد أربعين عاماً من العمل أنني في منحوتاتي كنت دوماً أعود الى ذاتي وجذوري، تلك التي تعيد تركيب القطع والمربعات بأشكالٍ هندسية مختلفة. لا شيء يمنع أن تكون هذه المنحوتة أمامكم والتي صنعتها في العاشرة من عمري وليدة اليوم"...
يتحدّر من عائلة أعطت لبنان كثيراً من الفن والإبداع فوالده النحات الذائع الصيت ميشال بصبوص وأمّه الكاتبة والشاعرة تيريز بصبوص. ورث أناشار فنّ النحت عن والده وعمّه منذ نعومة أظفاره. كان في العاشرة حين أنتج أوّل منحوتة طوّع فيها الحديد ذلك أنّ الفتى عشق المعادن فتميّز من ذويه بموهبة فذّة في نحتها، يصنع منها أشكالاً تحكي أحاسيسه الدفينة. "منحوتاتي هي الموسيقى للعين"، يؤكد أناشار لـ"نداء الوطن" في لقاء جمع فيه الإعلاميين حول محترفه الذي بناه على قطعة أرض مطلّة على البحر اشتراها قبالة بيته في راشانا.