جان كلود سعادة

الحَلّ الذي لا تُريده المَنظومة!

28 أيلول 2022

02 : 00

إن إفلاس البلد وسرقة شعبه وإدخاله في دوّامة الإنهيار المتعمّد لم يحدث صدفةً ولا هو نتيجة عاصفة شمسيّة بل هو جريمة منظّمة وعمل مقصود لتكديس الثروات ومن ثم طحن البلد بما فيه في حفرة بدون قعر لإخفاء الجريمة. وخلافاً لما يعتقده الكثيرون كان هناك خطّة متكاملة ومحضّرة لساعة الصفر وهي الآن وقيد التنفيذ منذ ثلاث سنوات. إنها خطّة لتحميل المودعين واللبنانيين عموماً فاتورة عقود من النهب والسرقة والفساد وتتولّى تنفيذها الذراع النقديّة - المصرفية للمنظومة وترعاها ملائكتها في كل خطوة.

أمّا النتائج المتوقعة من استمرار تنفيذ هذه الخطّة الخبيثة فهي المزيد من سرقة أموال اللبنانيين وتضييع حقوقهم مع مرور الوقت وكُلّ ذلك في سبيل إراحة النظام المصرفي وتنفيذ عمليّة عفو عام مالي عن كل السرقات والنهب المنظّم التي حصلت فيه ومن خلاله في ثلاثة عقود. فبعد ثلاث سنوات من تذويب الودائع و»قتل المودعين» وصلت الخطة إلى مرحلة إطلاق إقتصاد جديد قائم على الدولرة الشاملة وحسابات «الفريش» ويدفع جانباً بأصحاب الحسابات المصرفيّة المحجوزة.

أمّا من يسيطر على هذا الإقتصاد الجديد فهم بالتأكيد أركان المنظومة نفسها والذين هرّبوا أموالهم إلى الخارج وعزّزوا سيطرتهم على كل القطاعات الحيويّة.

أما المجموعة التي ستتحمّل العبء الأكبر فهي في النهاية أكثرها من الفئات العُمرية المتقدّمة ومن المتقاعدين والمغتربين الذين اقترفوا خطيئة العودة إلى مزرعة الكارتيل الكبير.

ولتأمين إستمرار تنفيذ هذه الخطّة وقطع الطريق على أي حلول أخرى مهما كانت جيّدة ومنطقيّة، تستمرّ المنظومة بعرقلة ورفض كافّة الخطوات الإصلاحية حتى تلك التي أدرجها صندوق النقد من ضمن الشروط المسبقة للإتفاق النهائي معه.

الحلّ موجود

‏الحلول المنطقية والقانونيّة موجودة وممكنة وهي تبدأ بالمحاسبة العادلة وتوزيع المسؤوليات وإيجاد طرق لإعادة الحقوق الى أصحابها، لكن هذا بالتحديد هو ما لا تريده المنظومة. أما ركائز الحل الذي نكرّر المناداة به منذ زمن فهي التالية:

1 - إلغاء السرّية المصرفية بالكامل

السرّية المصرفية قد فقدت علّة وجودها ولم يعد هناك أي سبب لبقائها سوى رغبة المنظومة بحماية نفسها وأتباعها من الملاحقة وأيّة محاولة لفتح دفاتر الماضي وكشف كافة أنواع الجرائم المالية التي إرتُكبت بالتكافل والتضامن والتحاصص. فمع رفع السرّية المصرفيّة يصبح من الممكن التدقيق في داتا المصارف والعودة سنوات إلى الوراء لمراجعة كافة الحسابات. وقد شدّد وفد صندوق النقد الدولي في زيارته الأخيرة على أن التعديلات المطلوبة على قانون السرية المصرفية هدفها جعله منسجماً مع أفضل الممارسات العالميّة وليس هدفها فقط بعض التحسينات التي يمكن الإلتفاف عليها عند الحاجة. من ناحية أخرى، فإن إلغاء السرّية المصرفية هو الشرط الضروري للمحاسبة وتوزيع المسؤوليات عمّا حصل عوض القفز فوق مراحل أساسية في عمليّة الإصلاح المنشود والذهاب مباشرةً إلى التوزيع العشوائي للخسائر على المواطنين بطريقة أقل ما يقال فيها إنها حسابية وتفتقد إلى العدالة والرؤية الإقتصادية.

2 - التدقيق الجنائي

التدقيق الجنائي في جميع الحسابات البنكيّة هو الخطوة التالية والضرورية أيضاً إن من حيث ضرورة المحاسبة أو البدء بايجاد حلول للعقد الحاليّة ووضع قطار النهوض الإقتصادي والمالي على السكّة الصحيحة. فهذا النوع من التدقيق هو الطريق الوحيد لمعرفة بُنية الودائع المسجلة في المصارف وأصحابها ومصادرها وحركتها منذ دخولها الى النظام المصرفي اللبناني وحتى خروجها. سيؤدّي هذا التدقيق الى الفصل بين ودائع المواطنين اللبنانيين وودائع الأجانب، وبين الأموال النظيفة والأموال الناتجة عن رشى وسرقات وسمسرات غير قانونية، وبين المال الحلال والشريف وأموال التبييض والمخدّرات وغيرها من الجرائم المالية. والتدقيق في الحسابات يظهر أيضاً حركة الأموال التي دخلت وخرجت من النظام المصرفي سواءً كسحوبات نقديّة أو تحويلات إلى الخارج قام بها المصرفيون والسياسيون والأشخاص المعرّضون سياسيّاً.

3 - تحديد الودائع الواجب إعادتها

بناءً على التدقيق الجنائي في بُنية الودائع يمكن تحديد ودائع اللبنانيين الشرعية التي يجب ضمانتها والبدء بإعادتها مهما كانت الظروف أو العوائق. أما باقي الودائع فتُحال ملفّاتها إلى الجهات القضائية المختصّة للبتّ بأمرها دون أن يكون ذلك سبباً لتأخير إعادة إطلاق الخدمات المصرفية الضرورية.

4 - إعادة الخدمات المصرفية

بينما تتم عمليّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتحديد المؤسسات القادرة على الإستمرار من تلك التي يجب النظر في تصفيتها أو دمجها، يجب إعطاء رخص لخمسة مصارف أجنبية للدخول مباشرة إلى السوق اللبنانية وإعادة إطلاق الخدمات المصرفية لمواكبة الإقتصاد وخدمة المواطنين والمقيمين مع التشديد على منع تحوّلها الى غطاء لجهات سياسيّة او مصرفيّة لبنانية.

5 - إستعادة أموال الفساد والسرقة

لكي لا تبقى المطالبة بالمحاسبة العادلة شعارات للإستهلاك، يجب البدء بمجموعة من الخطوات لملاحقة المرتكبين والمتسببين بالأزمة وما وصل إليه الوضع النقدي والمالي واستعادة الأموال المسروقة والمختلسة والمهرّبة الى الخارح بناءً على معلومات خاصّة. وهنا يمكن الإستفادة من خُبُرات دول أخرى مرّت بظروف مشابهة كما يستتبع ذلك التنسيق مع الدول الأجنبية والمؤسسات الدولية المعنيّة بمثل هذه الأمور لطلب تحديد هذه الأموال والأصول، وحجزها واستعادتها لمصلحة الدولة اللبنانية وأصحاب الحقوق.

6 - الإيقاف الفوري للخطة الرديفة

نقصد بالخطة «الرديفة» خطة تذويب الودائع والإعفاء من الديون وتحميل المجتمع بأكمله تبعات الخسائر التي تسبب بها النظام المصرفي. ووقف هذه الخطة يعني إيقاف أدواتها التنفيذية وخصوصاً تعاميم مصرف لبنان المخالفة للقانون من مثل 151، 158، و161. كما يجب التشدد لوقف سوق الشيكات المصرفية وتحرير الأموال التي حجزتها هذه التعاميم في بطاقات الدفع التي باتت ترفضها أو تَحُدّ من استعمالها معظم نقاط البيع.

7 - تنفيذ خطة تعافٍ حقيقية

من المفترض أن تُظهر النقاط السابقة في حال تنفيذها جديّة الدولة اللبنانية في مقاربة الأزمة وتقديم الحلول المناسبة ما سيجعل عملية إستعادة الثقة أمراً ممكناً لأنه لا نهوض ولا إقتصاد من دون ثقة المواطن وثقة المؤسسات والشركات والأسواق المالية. وإلى عامل استعادة «الثقة» نضيف ضرورة وجود «رؤية» شاملة لدور الإقتصاد اللبناني وبالتالي نوعه والقطاعات التي يجب التركيز عليها بحسب مراحل النهوض المختلفة.

عدا صعوبة عملية النهوض الإقتصادي، يجب ألا ننسى إمكانية تفخيخها وذلك عبر الذهاب إلى خصخصة مفخّخة هدفها السيطرة على البلد من خلال الأموال التي جُمِعَت وهُرِّبت قبل الأزمة وبعدها أو عبر أموال الصناديق الإستثمارية العالميّة ومن يقف وراءها.

الحلول موجودة الآن وكانت أيضاً موجودة وممكنة منذ سنوات، لكن المنظومة الحاكمة لم تبحث يوماً عمّا هو مفيد للبلد وللناس بل عن مصلحتها هي ومصلحتها فقط.

@JeanClaudeSaade

(*) خبير متقاعد في التواصل الاستراتيجي


MISS 3