طوني عطية

مرشّحة العلاقات الدولية والخبرات التنموية العابرة للقارات

مي الريحاني: الرئيس التوافقي سيكون مكبّل اليدين

28 أيلول 2022

02 : 00

رأيت في الإمام الصدر قائداً وطنياً
انها سليلة العائلة الريحانية، تغرف من جذورها ثقافة وأدباً وفكراً، وتجلب من حاضرها شبكة علاقات دولية وخبرات تنموية عابرة للقارّات، وكأنها تعكس رسالة لبنان الذي لا يحيا من دون تاريخه وأصالته، ولا يحجز مكاناً رفيعاً بين الأمم من دون إطلالته على العالم. هي المغتربة والمقيمة في آن. تحمل في حناياها شغف القضية اللبنانية إلى المحافل الدولية ومراكز صنع القرار في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية والعالم العربي، ومع دخول لبنان المدار الرئاسي، لبّت نداء الوطن الجريح والرازح تحت نير الأزمات المفتوحة والتي باتت تهدّد هيكل الجمهورية. فقرّرت مي الريحاني، خوض معركة «استرداد الدولة» من رأسها، و»إنقاذ الكيان» من براثن الفساد والإحتلال.





أول ما يتبادر الى الأذهان ما الذي يدعو هذه السيّدة التي ترأست «كرسي جبران خليل جبران للقيم والسلام» في جامعة ميريلاند الأميركية، أن تغامر في الجلوس على كرسي بعبدا المهزوز فوق صفيح السياسة اللبنانية الملتهبة وزواريبها المتعرّجة؟

مَن وراء ترشيحها ومن يدعمها؟ أي باب عالٍ سيفتح لها القصر؟ ما رؤيتها وخططها السياسية والإقتصادية؟ أسئلة مشروعة تطرح ذاتها... ولـ»نداء الوطن» حوار مفتوح مع الريحانية ميّ.

تفتخر ميّ بعائلتها ونشأتها في قرية الفريكة المتنيّة حيث تشرّبت الإيمان بلبنان، وانغرس في كيانها حبّ شعبه و»تقديس تعدديته وتنوّع معتقداته، واحترام العزيمة الصلبة لأبنائه في إتقان أصول العيش المشترك».

وتجمع في سيرتها المهنية بين الاقتصاد والتربية والنضال السياسي الذي بدأته في صفوف الدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث درست العلوم السياسية ونالت شهادة الماجيستير في العلاقات الدولية، وكانت امينة سر رابطة الطلاب وعضواً في اللجنة التنفيذية لاتحاد طلاب الجامعات لسنوات عدة قبل ان تنتقل لمتابعة دراساتها في باريس ومنها الى الولايات المتحدة الأميركية.

المرجع الأول والأخير

من خلفيتها المؤسساتية وذهنيتها الممنهجة ونشاطها وحياتها في الدول حيث القانون هو سيّد السلطات السياسة وناظم العقد الإجتماعي بين مكوّنات المجتمع، تشدّد مي على أن الدستور هو مرجعها الأول والأخير، هو كتابها، الذي «لا يمكن أن يكون وجهة نظر، والتقيّد ببنوده بدقّة من ضرورات قيام الدولة وبقائها». فلا مجال للمراوغة والتحايل والتلاعب. الطريق واضح: «العودة إلى الدستور».

وعلى عكس المقنّعين، تجهر ميّ بمواقفها السياسية والسيادية، إذ تعتبر أن «حزب الله» هو المسؤول عن إضعاف الدولة وضرب الدستور وعدم التقيّد به، وتغيير هويّة لبنان وضرب علاقاته العربية والدولية.

وترى أن استرداد الدولة ليس فقط من المتسلّطين أو المحتلّين، إنما أيضا من الزبائنية السياسية التي أغدقت على المؤسسات والإدارات جيشاً من الموظفين يفوق طاقتها وحاجاتها.

مرشّحة الإغتراب والداخل

تتحدّث ميّ عن دور الإغتراب اللبناني الكريم بمؤسساته وجمعياته وانتشاره ودينامكيته وخصوصاً «الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم»، التي تشغل منصب مديرة مكتب واشنطن فيها، وعضوية لجنة التنسيق اللبنانية – الأميركية (LACC) الذي دفعها لخوض الإستحقاق الرئاسي، وتروي كيف أنها «رفضت في البداية»، ومع إلحاح أكثر من منظمة وشخصية في بلاد الإنتشار طالبين الترشّح باسمها، عدلت عن رأيها وقالت لنفسها: «لطالما ناضلت من أجل وطني في الخارج والداخل، لماذ لا أقدم على هذه المهمة الكبيرة في سبيل إنقاذ لبنان؟»، وتعتبر مي أن وصولها للرئاسة يمكن أن يعيد الثقة الدولية بلبنان كونها عملت مع العديد من المنظمات الدولية».

وأشارت الريحاني إلى «أن فاعليات سياسية وطنية محلية، اتصلت بها ورحّبت بخطوتها، نظراً لمعرفتهم بها وبإسهاماتها السياسية والوطنية في محطات مصيرية».

ويأتي ترشحها من خارج الإطار المألوف، إذ اعتاد السبق الرئاسي ان يكون على نوعين من «المرشحين الدائمين» هما: «الطبيعيون» الذين حوّلوا حياة الجمهورية إلى واقع غير طبيعي، والفراغ الذي أصبح ملازماً للإستحقاق الدستوري المتأخر عن مواعيده بفضل الطبقة السياسية.

وفيما يُخفي البعض ترشيحاتهم وأفكارهم وحتى أسماءهم خوفاً من «حرق أوراقهم»، تنتقد الريحاني الباطنية و»اللعب تحت الطاولة» على الطريقة اللبنانية، وترى أن على المرشح أن يعلن ذاته وبرنامجه، وهذا ما لم يألفه الطامحون إلى الرئاسة، لأن المواصفات والكفاءات والسِيَر الذاتية لا تُعبّد درب بعبدا.



الريحاني في "نداء الوطن" (تصوير رمزي الحاج)



نقطة الإنطلاق

بواقعية إيجابية، تقول ابنة الفريكة إن الحوار مع الكتل النيابية الكبيرة هو البداية، معوّلة في ذلك على قدراتها في شرح رؤيتها للنواب والتواصل مع الجميع من دون التخلي عن ثوابتها وقيمها، فهي تتقن فن القيادة والتواصل، وقد عملت مع العديد من الدول والمسؤولين. لكنها تعتقد في المقابل أنه لو كان «نظامنا الجمهوري يسمح للشعب بانتخاب الرئيس مباشرة، لكانت العملية أسهل، لأننا قادرون على مخاطبة الناس مباشرة وعن طريق الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وقادة الرأي، ما يجعل المعركة أكثر وضوحاً ومن فوق الطاولة.

وكشفت الريحاني أنها التقت أكثر من كتلة نيابية، ولمست من النواب التغييريين اهتماماً جديراً بترشّحها.

ترى المرشّحة الرئاسية، أن استقطاب 65 نائباً ليس بالأمر اليسير ولا العسير، فالحوار هو مفتاح النجاح، شرط عدم الانقلاب عليها من قبل هؤلاء النواب في حال أصبحت سيّدة الجمهورية اللبنانية، فتقول: «صحيح أن صلاحيات الرئيس ضئيلة، لكنه قادر على إدارة الحكم في ما لو انتقى النواب عبراستشاراتهم الملزمة رئيس حكومة متناغماً مع رئيس الجمهورية، ليشكّلا فريق عمل واحداً ومتجانساً يضمّ وزراء أكفاء، ويُترك للمعارضة دورها».

وترفض فكرة الرئيس التوافقي، لأنه «سيكون مكبّل اليدين»، ويتناتشه أفرقاء التسويات والصفقات.

- ماذا لو رفض «حزب الله» نتائج الإنتخابات الرئاسية واتخذ خطوات معرقلة لعهدك؟

هنا وبعيداً عن الواقعية «المستسلمة»، ترى ميّ الريحاني «اننا بحاجة إلى رئيس شجاع، فالحكم القوي يكون في اتخاذ القرارات الصعبة والقدرة على تنفيذها ومواجهة التحديات، لا تدوير الزوايا والخنوع والخضوع لمصالح سياسية شخصية. على رأس الدولة أن يكون مترفّعا وجريئاً»، وتستند في صلابتها إلى التزام الأكثرية النيابية الـ65 من جهة، والدعم الشعبي من جهة أخرى اذا عرفنا كيف نحوّله إلى قوّة ضاغطة وديناميكية.

لكنها بالمقابل، لم تقفل إمكانية التواصل مع «الحزب» والدخول في حوار ندّي يفرز قواسم مشتركة من دون التنازل عن الثوابت الوطنية التي يحددها ويكفلها الدستور اللبناني كمرجع وحيد للدولة وقراراتها وسيادتها.

وفي سياق التواصل مع المرجعيات الروحية نظراً لإيمانها بلبنان المتنوّع دينياً وثقافياً، زارت السيدة الريحاني كلّاً من البطريركية المارونية في مقرّها الصيفي في الديمان، ودار الفتوى في الجمهورية اللبنانية، حيث لمست تشجيعاً وإعجابا برؤيتها وفكرها وحبّها لوطنها، وفي مؤسسة الإمام موسى الصدر، وفي خلال لقائها السيدة رباب الصدر، لفتت الريحاني إلى أن «لبنان وطن واحد لجميع أبنائه ولا فرق بين المسلم والمسيحي، شارحة ما حصل معها يوم كانت طالبة في الجامعة الأميركية في بيروت، حين أرسل الإمام الصدر طلباً لها لتكون عضواً في اللجنة الثقافية للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى».

واعتبرت أنها «تتلمذت على يد الصدر طوال فترة بقائها في المجلس أي 3 سنوات وتعلمت منه الكثير، واستذكرت ابتسامته الدائمة والتي حملت الكثير من المحبة»، وقالت: «رأيت فيه قائداً لبنانياً لا قائداً شيعياً فقط، من أجل توحيد الكلمة في لبنان».

وماذا عن العلاقة مع واشنطن؟

تجيب ممازحةً «استغرب كيف لم يتمّ تخويني أو اتهامي بمرشحة أميركا حتى الآن!»، لتستطرد قائلةً «ما بيقدروا يسجلوا هالنقطة عليّي»، «لأن عملي هو إنماء عالمي، صحيح أن مركزي وإقامتي في واشنطن، لكن 40% من حياتي هي صولات وجولات بين قارتي آسيا وأفريقيا والعالم العربي، وعلاقتي مع الإدارة أو الدولة الأميركية هي تأمين منح ومساعدات للبلدان الفقيرة والنامية، وساهمت بتنفيذ مشاريع تنموية في مصر والمغرب وباكستان والسينغال ومالاوي وغيرها من البلدان».

يذكر أن الريحانية عملت في أكثر من 40 دولة، وزارت حوالى 71 بلداً، ومعرفتها المعمّقة في إصلاح التعليم لفتت إنتباه مجموعة من الوكالات المانحة بما في ذلك البنك الدولي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية والعديد من وكالات الأمم المتحدة. وفي علاقاتها مع العالم العربي، اكتسبت بعدها العربي كونها ابنة شقيق امين الريحاني صديق الملك السعودي عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في عشرينات القرن الماضي وواضع اول رواية عربية باللغة الإنكليزية وصاحب كتابي»تاريخ نجد وملوك العرب»، و»الرسائل المتبادلة»، وتأسف الريحاني لما آلت إليه علاقة الدولة اللبنانية مع البلدان العربية والخليجية خصوصاً، فبدل تصحيح العلاقة التاريخية معهم، وضعنا «إيدينا بوكر الدبابير»، وضربنا رسالة لبنان ودوره الريادي والحضاري. «فلا غنى عن العرب».

في الإقتصاد

في ردّ على أسئلة الزميل خالد أبو شقرا الإقتصادية، بشأن برنامجها الإقتصادي الذي يشير في أحد بنوده إلى تنفيذ خطّة حماية أموال 80% من المودعين المقيمين والمغتربين، تقول الريحاني «عندما وضعت برنامجي، عقدت جلسات طويلة مع عدد من المستشارين، احدهم كان يعمل لدى صندوق النقد الدولي، وآخر في البنك الدولي، وتقاربت دراستاهما لناحية تحديد أرقام المودعين والمحافظة عليها بين 90 و75%»، واعتبرت أن المدخل الأساسي لوقف الانهيار الاقتصادي، يبدأ في تسريع المفاوضات مع صندوق النقد وتنفيذ شروطه في المرحلة الأولى، مع مراجعتها وتنقيحها في مراحل مقبلة. ورأت أن «الهدف الأول هو استعادة ثقة المجتمع الدولي والجهات المانحة بلبنان، والكل بانتظار الاستحقاق الرئاسي ليبنى على الشيء مقتضاه. وإذا لم يحصل، سنخسر فرص الانقاذ.

وعن خطة الصندوق الدولي بشطب قسم من الودائع أو اعتماد نظام الـ»هيركات»، وقدرة رئيس الجمهورية على التدخّل في الخطط الإقتصادية وتوجيهها، قدّمت المرشحة الرئاسية، النموذج الليبيري، تلك الدولة الافريقية التي شهدت في السنوات الماضية انهياراً تاماً لمؤسساتها واقتصادها اضافة الى حروبها الداخلية الدموية، في ظروف أسوأ من لبنان، كيف استطاعت إلين جونسون سيرليف الآتية إلى رئاسة جمهورية ليبيريا من أروقة البنك الدولي، اقناع صندوق النقد الدولي بخطّتها الإقتصادية الشاملة والعفو عن ديون دولتها بنسبة 70%. «إنها الثقة» تقول ميّ.


MISS 3