مجيد مطر

حذارِ اتفاق الطائف

30 أيلول 2022

02 : 00

مرّ مرور الكرام خبر استطلاع الرأي الذي حلّ فيه النائب جبران باسيل أولل بنسبة 23% من المستطلعين، الذين اختاروه لموقع الرئاسة، متقدماً على أسماء أخرى مطروحة.

فإظهار هذا الامر على هذا النحو لا يخلو من مغزى سياسي خطير يتعلق بالنظام اللبناني، تحديداً لناحية الآلية الدستورية المتبعة في الانتخابات الرئاسية. فتلك الآلية تقول بانتخاب الرئيس من البرلمان لا الشعب، فنظامنا ليس رئاسياً، ليتم اللجوء الى مثل تلك الاستطلاعات التي لا تؤثر بقرار النواب المنوط بهم تلك المهمة.

قد يقول قائل، هو مجرد استطلاع، الغرض منه قياس شعبية هذا المرشح او ذاك، ما علاقة ذلك بآلية الانتخاب؟. الجواب بسيط جداً: إن الطرف الذي حلّ أول لا يألو جهدا في التسديد اليومي على اتفاق الطائف وشيطنته امام جمهور التيار ومريديه، باعتباره قد سلب المسيحيين حقوقهم، وجعل من الرئيس منصبا بلا صلاحيات. وهذا بحد ذاته يشكل سبباً وجيهاً كي نأخذ القصد من ذلك الاستطلاع على محمله الواقعي المفضي الى دفع شريحة واسعة من اللبنانيين للمطالبة بانتخاب الرئيس من الشعب لا النواب، وهذا ما حصل فعلاً، فما إن تم نشر نتيجة الاستطلاع حتى تلقف ذلك ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي مطالبين بتعديل آلية الانتخاب، كيف لا ورئيس تيارهم هو الذي حلّ أول.

فالتيار العوني الذي يردد المعزوفة نفسها، لا يخفي أهدافه السياسية من القاء اللوم على اتفاق الطائف بقصد تحميله المسؤولية، وبالتالي توفير المصداقية لتبريراتهم بفشل العهد، وعدم تحقيق أي انجاز يذكر.

السؤال الذي يتوجب على اللبنانيين وتحديدا المسيحيين منهم، طرحه هو الآتي: ما هو البديل عن اتفاق الطائف، وهل الوقت مناسب لهذا التعديل، وهل موازين القوى تسمح بانتاج صيغة افضل لصالح المسيحيين، خصوصاً ان النظام السياسي اللبناني لا يزال محمياً بموجب اتفاق الطائف بدِفاعات وطنية تنطلق من مبدأي الشركة والمناصفة بين طوائف لبنان، من دون ان يقفل الباب امام تطور الصيغة اللبنانية نحو مزيد من الديمقراطية والمواطنة.

وهنا يصبح السؤال اكثر مشروعية وإلحاحاً، لصالح مَن المطالبة بتعديل آلية الانتخاب، وهل هي بالفعل لصالح المسيحيين ام لصالح تيار سياسي سلطوي يقدم مصالحه على الثوابت الوطنية والمسيحية، التي لا يجوز التلاعب بها برعونة وأنانية، سيما وان التجربة التاريخية تقول، ان من تسبب بإقرار اتفاق الطائف، هي الجهة نفسها التي تطالب بتغييره، انما باتجاه اكثر ضرراً، وهدرا لضمانات لا يزال الطائف يقدمها كركائز لا يمكن تجاوزها من قبل أي طائفة في لبنان.

ويجب في هذا الصدد، ان لا يغيب عن البال تصريح السفير الإيراني الجديد مجتبى اماني، الذي وصف فيه مفتي الجمهورية بمفتي السنة. وعلى الرغم من الاعتذار الذي قدمه، فإن ذلك لا يخفي حقيقة البعد الاستراتيجي المقصود من ذلك التصريح.

فعلى المستوى الدبلوماسي عموما، قلما نجد تصريحات غير مقصودة، أو غير مدروسة. فاللغة الدبلوماسية تقوم على الدقة وانتقاء الجمل والعبارات، بحيث لا مجال لاستبدال كلمة بأخرى، وكل ما يصدر يجب ان يؤخذ بالاعتبار حتى اثبات العكس. فرائحة «المثالثة» تفوح من تصريحه، ربطا بتصاريح ومواقف تعتبر ان اتفاق الطائف مجرد تسوية، وان موازين القوى قد تبدلت، ويجب ان تترجم في النظام، وتعكس ميزان الحصص في لبنان على قاعدة «المثالثة» لا المناصفة.

وهناك طرف وحيد سيدفع فاتورة تعديل اتقاق الطائف. فعلى سبيل الافتراض، اذا اصبح انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب، وقام حلف مرحلي مصلحي بين المسلمين بكافة مذاهبهم، هل يستطيع حينها المسيحييون التأثير والتحكم، كما يفعلون في ظل النظام القائم الذي لا يمكن لأية طائفة الهيمنة على الأخرى، فالمناصفة اذن ضمانة، فأغلبية 65 نائباً هي اغلبية مشاركة وتوافقية، بخلاف «المثالثة»، او انتخاب الرئيس من الشعب.

ثم يبقى السؤال الأهم: هل فعلاً اتفاق الطائف سلب الرئيس صلاحياته وجعله موقعاً بلا صلاحية؟.

يقول الوزير خالد قباني انه بموجب اتفاق الطائف لم يعد رئيس الجمهورية رئيساً للسلطة التنفيذية، بل اصبح رئيسا للدولة، وصلاحياته لم تنتقل الى رئيس مجلس الوزراء بل الى سلطة جماعية هي مجلس الوزراء. كما ان دستور الطائف ابقى على صلاحيات تجعله رئيس دولة ومرجعاً وحكماً في الصراع السياسي في بلد تتعدد فيه الطوائف.

يكفي ان رئيس الجمهورية يملك صلاحية التوقيع على تشكيل الحكومة، والمراسيم العادية التي تدخل في صلب السياسة اليومية ليبقى شريكاً مؤثراً بخلاف ما يدّعون.

اذن المشكلة ليست مشكلة صلاحيات، بل هي مشكلة أداء سياسي، نجح في انتاج العداوات وفشل في تحقيق الانجازات.

(*) كاتب لبناني