لوسي بارسخيان

غالبية البلديات عاجزة عن دفع رواتب الموظفين وتأمين النظافة

كلفة كنس مدينة زحلة ترتفع من 300 مليون ليرة إلى 4 مليارات

1 تشرين الأول 2022

02 : 00

زغيب في جولة ميدانية

بينما تنكب بلديات لبنان على إعداد موازناتها للعام 2023، لا يبدو أن الميزانيات الأخيرة التي توضع على عهد المجالس الحالية قبل إنتخاباتها المفترضة في العام المقبل، ستحمل مشاريع إنمائية جذرية، خلافا للمجالس السابقة التي كانت تحتفظ بأدائها الأفضل للقسم الثاني من سنوات ولايتها. بل تأتي محملة بالنفقات المتعاظمة لنظافة المدن ورواتب الموظفين، التي باتت وحدها تستنزف أموال البلديات، وسط غياب للمشاريع والقوانين التي تسمح لوارداتها بأن تلحق بنفقاتها. في وقت فقدت الواردات المحددة بالليرة اللبنانية من قيمتها أمام سعر صرف الدولار، ما جعل معظم المقاولين أيضا يحجمون عن التقدم الى التزمات جديدة، وسط سقوط ضماناتهم باسترداد قيمة الأموال التي تنفق بالدولار في سبيل تأمين موادهم الأولية، نتيجة للإنهيار السريع والمستمر في سعر الليرة.

من يراقب عمل البلديات يلاحظ تسلل اليأس الى أداء معظم مجالسها، التي باتت تعتبر مجرد قدرة البلديات على تأمين رواتب موظفيها، مع الزيادات التي فرضت عبر المساعدات الاجتماعية، الى جانب الحفاظ على النظافة، عملاً جباراً بحد ذاته.

ولم ينعكس رفع قيمة المبلغ الذي يسمح للبلديات الكبرى بإنفاقه بتنفيذ المشاريع بالفاتورة من 20 مليون الى 50 مليون ليرة، تحسناً لأدائها. إذ أن قيمة المبلغ تدنت بنسبة عشرة أضعاف بالنسبة لسعر الدولار، مما يعني أن البلدية غير قادرة بمبلغ الخمسين مليون ليرة على تنفيذ عشر الأشغال التي كانت تنفذها بمبلغ الـ 20 مليون ليرة، فيما أموالها تستنزف سريعاً على كمية أقل من المشاريع، خصوصاً أن مداخيل البلديات باقية كما هي.

في بلدية زحلة مثلاً التي إستلمها المجلس الحالي مع مبلغ بقيمة 48 مليار ليرة في خزينتها، وضعت مشاريع إنمائية طموحة للمدينة ببداية ولايتها. إذ أن المبلغ الملحوظ كان يوازي بقيمته الـ 32 مليون دولار. أما حالياً فمع أن قيمة المبلغ إرتفعت الى 70 مليار ليرة فهو بات لا يوازي المليوني دولار على سعر صرف السوق السوداء.

ومن هنا اكد رئيس البلدية أسعد زغيب «أن موازنة العام المقبل ستكون مختلفة»! وحتى لا توضع موازنات وهمية على غرار التي وضعتها الدولة اعلن أن «الأولوية ستكون لنظافة المدينة ورواتب الموظفين، وفواتير الكهرباء، وتأمين المحروقات التي تسمح بتحريك آليات البلدية وتسيير أعمال دوائرها، وغيرها من الأمور الأساسية». وشدد على «أن المسألة الوحيدة التي لا يمكن إهمالها في كل البلديات هي النظافة، من كنس النفايات وجمعها ومعالجتها. لأننا قد نحتمل حفرة في الطريق أو لمبة إنارة عامة محروقة، ولكننا لا يمكن أن نعيش وسط النفايات». وللنظافة حسابات أخرى بالنسبة للبلديات.

وشرح زغيب أنه بالنظام العام للبلديات، تدرج نفقات كنس المدينة وجمع نفاياتها من ضمن المداخيل التي تتوفر عبر رسم القيم التأجيرية، على خلاف معالجة النفايات التي على البلديات تأمين مداخيل أخرى لها.

إلا أن تغطية كلفة إدارة النفايات من ضمن مداخيل البلديات باتت تخلق أزمة كبيرة لها، نتيجة للفجوة التي خلفها التفاوت الكبير بين واردات البلديات المستقرة، وتكاليف الخدمات المضاعفة. وقد كان هذا الأمر موضوع نقاش طويل، وخصوصا مع تفاقم العبء نتيجة لكميات النفايات الإضافية التي فرضها وجود مخيمات اللاجئين السوريين. تصر بلدية زحلة على أن يستمر المطمر الصحي فيها بإستقبال نفايات قرى قضائها، إنطلاقا من قناعة مجلسها بعدم جواز تجزئة موضوع البيئة ونظافتها. إلا أن المطمر الصحي الذي يستقبل نفايات 26 بلدية في القضاء مقابل رسم تتقاضاه عن كل طن، لم يتجاوز الـ 13 دولارا على تسعيرة الدولة الرسمية التي لا تزال محددة بـ 1500 ليرة. أي أن مجمل ما تتقاضاه البلدية عن معالجة كل طن لا يتجاوز الـ 20 ألف ليرة، بينما القيمة الفعلية لهذه المعالجة وفقا لرئيس البلدية هي 42 دولاراً، على سعر الصرف الرسمي، أي أكثر من مليون و400 ألف ليرة عن كل طن.

إذا، حتى لو رفع السعر الرسمي لسعر صرف الدولار الى 15 ألف ليرة، ستبقى هذه الثغرة موجودة، لا بل يفاقمها عدم ترافق هذا التعديل في سعر الصرف الرسمي مع تطور بقيمة مداخيل البلديات المحددة بالعملة الوطنية. مما يهدد بأن لا تتمكن بلديات عدة من معالجة نفاياتها التي تعاني بالأساس من ارتفاع تكلفة كنسها وجمعها.

وفي كشف للمبالغ التي باتت البلديات تنفقها على تأمين خدمتي الكنس والجمع اشار زغيب الى أن كلفة كنس مدينة زحلة كانت في السابق تتراوح بين 280 و 300 مليون ليرة، وقد إرتفعت تدريجيا لتصل الى حوالى 4 مليارات ليرة ونصف. وكذلك إرتفعت كلفة جمع النفايات من 700 الى 750 مليون ليرة، لنحو 12 مليار ليرة، أي بفارق 11 ملياراً عن السابق. علماً أنه إذا كان موضوع الكنس والجمع ملحوظاً من ضمن الخدمات التي يجب أن يوفرها إستيفاء رسوم القيمة التأجيرية، تبقى المشكلة الأكبر بتأمين الواردات لمعالجة النفايات في المطامر الصحية، وقد تحول الأمر هماً يؤرق البلديات.

غير أن مشكلة البلديات مع المداخيل ليست حديثة، وإنما هي مشكلة متجذرة وتتعلق بالتفاوت الحاصل بين تبدل الظروف المعيشية وتطور مداخيل المؤسسات. فبينما تشكل رسوم القيم التأجيرية عنصراً أساسيا لوضع الميزانيات وتحديد السياسات الإنمائية للبلديات، تعجز معظم البلديات عن تأمين الجباية بنسبها المعقولة، وهي إذا نجحت في جمع قسم منها، تبقى مبالغها المتراكمة دون مستوى الخدمات التي يجب أن توفرها للمواطنين.

وشرح زغيب «بأن المشكلة الأولى بالنسبة لرسوم القيمة التأجيرية أن القانون لا يسمح بتطورها بما يتلاءم مع القيمة التأجيرية المتبدلة خلال السنوات. فبينما يقترن تخمين القيمة التأجيرية بزمن محدد، مثلما هي قيمة الخدمات التي يجب أن تقدمها البلدية، نجد أن قيمة الرسم التأجيري لا تزال ثابتة منذ سنة 1986 بينما القيمة التأجيرية وأسعار الخدمات في تطور مستمر».

علما أن القوانين المعمول بها لا تسمح للبلديات بتعديل الرسوم على القيمة التأجيرية سوى مرة واحدة، بيما فرض هذا التعديل بظل عدم الاستقرار المالي حالياً يشكل ضرراً أكبر للبلديات، التي لا يمكنها أن تتكهن على ماذا ستستقر الأمور المالية مستقبلا.

وإذ اعتبر زغيب «أن مشاكل لبنان عموما ترتبط بالفجوة الكبرى التي يخلفها عدم تطوير القوانين والأنظمة مع متطلبات الحياة المتغيرة»، اكد ان المطلوب «أن تتبدل القوانين بما يسمح لرسوم القيم التأجيرية بأن تلحق بالقيمة التأجيرية الفعلية حالياً، والتي يجب إعادة تقييمها كل سنتين أو ثلاث من جهة، على ان تعدل قيمة الرسوم المعمول بها حاليا بشكل تدريجي، فلا يحمل المواطن عبء إضافتها دفعة واحدة كما حصل عندما رفع الدعم عن المحروقات أو الدواء، إنما يكون رفعها بشكل تصاعدي على مدار عشر سنوات ربما حتى تصل الى قيمتها الفعلية، وبذلك نتجنب الخضات المالية الإضافية في ميزانيات عائلات تهالكت بالأساس نتيجة الغلاء الفاحش في كل متطلبات الحياة الأساسية والتي كانت مدعومة في السابق». وقال: «إننا موجودون حاليا في مكان معتم، هناك سرقة كبيرة إرتكبت بحق الشعب اللبناني، إنما لا يجب تحميل المواطن الذي خسر مدخراته ضربات الخروج من العجز».

أما في موضوع معالجة النفايات غير الملحوظة من ضمن الرسم على القيمة التأجيرية فرأى زغيب «أنه يجب ان تتبع نوعاً من اللامركزية التي تسمح بفرض رسوم معالجة تجبى من ضمن فواتير شهرية، كفواتير الكهرباء أو الهاتف أو غيرها، خصوصا أن نفقات معالجة النفايات يومية، وبالتالي مقابل كل خدمة تقدم للمواطن يجب أن يكون هناك رسم على قاعدة «you polute you pay»، وأكد أن على المشرعين بالدولة «أن يجهدوا لإيجاد حلول تتدارك الإفلاس العام في المؤسسات، ومن ضمنها البلديات»، معتبراً «أن الظروف الاستثنائية تتطلب أيضا طريقة عمل إستثنائية ومراقبة إستثنائية وهذا غير موجود لدينا حتى الآن»، وتمنى أن يقدّر المواطنون الأسباب التي تجعلهم يلمسون تراجع الخدمات في أماكن سكنهم عموماً، مشددا على أن الهم الأساسي حالياً ان لا تتراجع الخدمات التي لها علاقة بالصحة والبيئة والنظافة.


MISS 3