منير يونس

ساءت الأوضاع أكثر منذ مجيئه رئيساً للحكومة

ميقاتي ليس إصلاحياً... فاقد الشيء لا يعطيه!

3 تشرين الأول 2022

02 : 00

ميقاتي إصلاحي... غير إصلاحي؟

أكثر من سنة مرّت على نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة. ما الذي تحقّق في عهده من إصلاحات على الصعيد الإقتصادي؟ أين نجح وأين أخفق؟ وهل يجب أن يبقى في سدة رئاسة السلطة التنفيذية للمرحلة المقبلة ليستكمل ما وعد به من إصلاح إقتصادي ومالي؟

إنجاز شكلي مشروط مع صندوق النقد

في الشكل، أنجزت حكومته اتفاقاً على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي. اتفاق مشروط بعدد من الإلتزامات التي على لبنان الوفاء بها تمهيداً لعرض برنامج تمويلي على المجلس التنفيذي لصندوق النقد، واتخاذ قرار بتوقيع اتفاق نهائي مبرمج للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 4 سنوات. إنجاز، إذا تحقق، يمهّد الطريق لعودة لبنان الى أسواق المال الدولية، ويعيد إليه ثقة ما من المجتمع الدولي المقرض والمانح.

في المضمون لا شيء تحقّق البتة

أما في المضمون، فلم يتحقّق شيء يذكر من تلك الشروط المسبقة وهي:

- تعديل قانون السرية المصرفية: تعدل القانون في المجلس النيابي، فإذا به قاصر عن تلبية متطلبات الصندوق الذي أعاد طلب تعديله مرة أخرى.

- قانون لضبط السحوبات والتحويلات (كابيتال كونترول): لم يقرّ حتى الآن.

- قانون لإعادة هيكلة المصارف: لم يقرّ حتى الآن.

- إقرار موازنة 2022: أقرّت الموازنة على نحو لا يبشّر بأي إصلاح فيها وفقاً لشروط الصندوق. وكيف يكون ميقاتي مسؤولاً عن موازنة إصلاحية وهو يتفرّج على تغيير أرقامها بين صبح ومساء بنحو 6 آلاف مليار ليرة! والنقطة الأهم هي في الاتجاه نحو توحيد أسعار الصرف. فإذا بهذا البند مدار جدل سياسي ومصرفي عقيم لا يشي إلا بالمراوحة من دون أي تقدم يذكر. لا سيما بعد تراجع يوسف خليل، بأمر من رئيس مجلس النواب نبيه بري، عن تصريح خاص بسعر الصرف المرحلي الجديد، وشروحات قدمها ميقاتي نفسه لا تغني ولا تسمن من جوع بعدما ترك لمصرف لبنان كيفية تكييف ذلك على الصعيد المصرفي. وتأكيده أن ميزانيات المصارف مستثناة الآن من السعر الجديد وذلك على عادته في محاباة "البنكرجية". وكيف يكون ميقاتي إصلاحياً على هذا الصعيد وهو يتهاون في ما يطلبه صندوق النقد لجهة سعر صرف عند 20 ألف ليرة ثم سعر المنصة قبل تحريره نسبياً، ويترك المسألة لأهواء قبول بري من عدمه.

الى ذلك، يضاف التقاعس عن إطلاق ورشة تقييم أصول المصارف، والتخاذل امام ضرورة اعلان نتائج التدقيق في ما تبقى من احتياطيات في مصرف لبنان... وغيرها من الشروط التي لم ينفّذ منها شيء.

عاب على دياب هدر الإحتياطي... وارتكب العيب نفسه

في عهد ميقاتي القصير نسبياً، ساءت المؤشرات على نحو جعل من الأزمة أكثر تجذراً، وأعقد أصلاً وفروعاً. وللمثال، فقد مصرف لبنان المزيد من الدولارات في نزيف مستمر بات أكثر حراجة من ذي قبل. وتراجع الاحتياطي في سنة بين 4.5 و5 مليارات دولار في الوقت الذي كان بدأ ميقاتي رئاسة حكومته بالهجوم على الدعم، وكيف أنه ذهب هدراً ومن احتياطي مصرف لبنان.

ولم ينفك مستشار ميقاتي السيد نقولا نحاس يذكّرنا بالنزيف الذي سبّبته حكومة حسان دياب، متناسياً أنه إبان أيام دياب كان هناك دعم ما للسلع، أما مع ميقاتي فقد شحّ الدعم حتى يكاد يضمحل، ورغم ذلك ينزف الاحتياطي بشكل يومي.

مستشاره الأساسي من "مفركشي" خطوات الإصلاح الأولى

وعلى سيرة نحاس، فقد كان الرجل ناتئاً بين رؤوس الحربات التي طعنت خطط حكومة حسان دياب. وأبدع في إسقاط أرقام الخسائر الي قدمتها تلك الحكومة بالتعاون مع شركة لازار، عندما تولت لجنة المال والموازنة آنذاك تسخيفها ودحضها بحضور نحاس ومشاركته الفاعلة هدماً. تلك الأرقام كانت اساساً في التفاوض مع صندوق النقد آنذاك، بعد أن أثنى عليها الصندوق معتبراً أنها صالحة، وأن لبنان تجرّأ للمرة الأولى في تاريخه على الاعتراف بالخسائر على النحو الواضح والمفند الذي وضعته حكومة دياب و"لازار".

فكيف لمستشار ميقاتي وميقاتي نفسه أن يعملا الآن على ارقام جديدة أتت شبه متطابقة مع أرقام لازار، مع فارق سنتين حصل خلالهما تذويب إضافي للودائع (وبالتالي الخسائر). ما يعني انه ومن دون التذويب، فإن الخسائر الآن أعلى مما كانت عليه قبل سنتين.


لم يفعل شيئاً... تاركاً لحاكم مصرف لبنان إدارة الدفة

مصرفياً ونقدياً، لم يحرك ميقاتي ساكناً، تاركاً الجمل بما حمل في عهدة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. تماماً كما حصل منذ بداية الأزمة حتى تاريخه، حتى فقدت الليرة 96% من قيمتها وتراكم التضخم ليزيد على 1100%، وتفاقم الهيركات من الودائع، واشتد الخناق على اليائسين حتى بادر عدد منهم للقيام باقتحامات للحصول على فتات من ودائعهم لزوم الطبابة والقوت اليومي. بعهدة سلامة، يدفع المجتمع والمودعون والمستهلكون هذه الضريبة الباهظة دون السياسيين والمصرفيين. وفي عهد ميقاتي احتل لبنان المرتبة الأولى عالمياً من حيث ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ودخل القطاع العام في اضراب مفتوح وتسارع تحلل الدولة وخدماتها. ودخلت كهرباء لبنان في العتمة للمرة الأولى في تاريخها، وذاب من حقوق المودعين نحو 7 مليارات دولار إضافية، وأصبح اللبنانيون الى جانب الأفغان الأسوأ عالمياً من حيث المشاعر السلبية، وتفاقمت الهجرة والبطالة على نحو مخيف!

في الحرب... لا يغيّر القائد ميقاتي ضباطه

وعارض نجيب ميقاتي إقالة سلامة، معتبراً أنه خلال الحرب لا يغير القائد ضباطه. والأنكى، انه انبرى ضد قاضٍ كان يحاول الحصول على معلومات مصرفية لزوم تعاون دولي مطلوب في قضايا متهم بها سلامة وشقيقه. فهدد نجيب بالاستقالة إذا لم تتوقف تلك التحقيقات على النحو الذي بدأت به. ويقبل، ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري وآخرون، بحاكم ملاحق دولياً ليحمل عنهم الكثير لا سيما مآسي الليرة والودائع ومصارف الزومبي. وثمة اسئلة كثيرة عن علاقة ميقاتي ببعض أطراف القضاء اللبناني المعنية بضرورة تلبية متطلبات تحقيقات دولية خاصة باتهام سلامة وشقيقه، وماريان الحويك بالاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتزوير واستخدام المزور والتهرب الضريبي. فلماذا تتقدم تلك التحقيقات دولياً وتراوح مكانها محلياً؟

حاول تجاوز الإتفاق ليبتدع حلولاً من رأسه

على صعيد الاتفاق مع صندوق النقد، وعندما صدرت النسخة الأولى من خطة التعافي المبنية على ذلك الاتفاق وفيها شطب 60 مليار دولار من على عاتق مصرف لبنان، قامت الدنيا اعتراضاً لأن الشطب قد يطول الودائع أيضاً. فما كان من ميقاتي الا النزول الى البرلمان للاجتماع مع لجنة المال والموازنة قائلاً لهم "انسوا تلك الورقة!". وابتدع فكرة استخدام موارد الدولة لسداد اموال للمودعين اعتماداً على ما يزيد من الفائض الأولي للموازنة وفق نسب معينة قياساً بالناتج. لكن صندوق النقد رفض طروحاته معتبراً انها غير إصلاحية او غير واقعية. فترك ميقاتي لنائبه ومستشاريه ابتداع فكرة صندوق لاسترداد الودائع مشروطة ببنود تعجيزية إن لم نقل مستحيلة، مثل: تخصيص بعض الإيرادات المستقبلية بشرط تجاوز هذه الايرادات معايير محددة مقارنة بدول مشابهة (!!)، ونزول الدين العام دون المستوى المستهدف، والمحافظة على الإنفاق الاجتماعي وقدرة تمويل عجز الموازنة، ونجاح برنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي... ما سبق يشبه مستحيلات وجود الغول والعنقاء والخل الوفي. علماً بأن في صياغات بنود ذلك الصندوق احتيال على الكلام والواقع، ووعد عرقوبي رديء سهل التعرية.

ليس في قاموسه محاسبة أو مساءلة


ويذكر أنه ليس في مشروع ميقاتي ولا في حساباته مكان للمحاسبة والمساءلة. فلا هو متحمس لاسترداد الأموال التي خرجت بعد 17 تشرين 2019، ولا هو في وارد التدقيق في بنية الودائع بين مشروعة وغير مشروعة لاسترداد أموال هي حاصل فساد واستخدام نفوذ وإثراء غير مشروع. ولا هو مع فتح اي تحقيق يقتفي آثار مسببي الأزمة لمحاسبتهم سواء في مصرف لبنان او وزارة المال او لجنة الرقابة على المصارف، ولا في هيئة التحقيق الخاصة وهيئة أسواق المال وغيرها من الجهات المتورطة عن قصد أو من دونه بأسباب الأزمة الطاحنة التي بدّدت مدخرات أجيال من اللبنانيين. وحتماً هو ضد اللجوء الى القانون 2/67 لمحاسبة المصرفيين المتورطين.

ميقاتي "حبيب البنكرجية" بالأمس واليوم وغداً

ميقاتي "حبيب البنكرجية" منذ زمن طويل. وكان مساهماً في مصارف ومقترضاً كبيراً منها. ومن دون الدخول في تفاصيل وتاريخ علاقة الرجل برياض سلامة، في الداخل والخارج، وبمصارف سهلت له الكثير من الصفقات المعروفة، يتضح من مقاربة ميقاتي أزمة الودائع أنه أقرب للبنوك من المودعين. فهو، الوفي للمصارف، من الرافضين رفضاً مطلقاً تطبيق القانون 2/67 الذي يحمّل البنوك و"البنكرجية" المسؤولية القانونية الأولى وصولاً حتى تصفية بنوك وسجن مصرفيين ومصادرة أموالهم. لا بل ذهب أبعد من ذلك في محاباتهم عندما أعفاهم (بشكل أو بآخر) من أعباء خاصة برد ودائع حسابات الما فوق 100 الف دولار، رامياً ذلك في هلامية صندوق استرداد الودائع المذكور أعلاه. مع ذلك، ورغم أن القتيل قد يرضى ولا يرضى القاتل، فإن المصرفيين مستمرون في المطالبة باستثمار أصول الدولة وتحميل تلك الدولة المنهوبة أخطاء مغامراتهم ومقامراتهم مع مصرف لبنان.

يتناوش مع وزرائه كأنه واحد منهم

على صعيد آخر، تزامن وصول ميقاتي في ايلول 2021 مع تحويل 1.135 مليار دولار من صندوق النقد هي حقوق السحب الخاصة للبنان. فإذا بميقاتي يصرف من تلك الأموال في نفقات جارية، في الوقت الذي كان راج فيه استخدام تلك الأموال للبدء بإصلاح الكهرباء على سبيل المثال. لكنه آثر دخول البلاد في العتمة على التوافق مع الوزير العوني وعلى أي برنامج إصلاحي ولو بالحد الأدنى. وهذا لا يعفي العونيين من الفشل التاريخي في إدارة هذا القطاع الحيوي. والأنكى أن الإثنين آثرا قبول طروحات تسولية، سوّقها الثنائي الشيعي، للحصول على النفط والفيول من العراق وايران، على أي إصلاح حقيقي مثل رفع التعرفة وتعزيز الجباية وقمع السرقات والتعديات.

وليس سراً أيضاً، ولحسابات سياسية ضيقة، فان ميقاتي على خلاف مع وزيرين آخرين في حكومته هما وزير الاقتصاد أمين سلام ووزير المهجرين عصام شرف الدين. ووصل الأمر مع أحدهم حد السباب والاتهامات السوقية الرخيصة.

ليس عوناً لوزراء يحاولون الإصلاح ولو بالشكل

إلى ذلك، هل كان ميقاتي عوناً لوزرائه في الخطوات الإصلاحية المطلوبة؟ فالمتابع لا يكتشف إلا شخصاً اشتهر بتدوير الزوايا حتى على حساب الإصلاح المنشود. على سبيل المثال، خلال مناقشة تعديل قانون السرية المصرفية أراد نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بخجل شديد وعلى استحياء مريب التحذير من بعض القصور في التعديلات. فتعرّض لنيران من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان. لم يدافع ميقاتي عن نائبه وتركه يصمت ويجلس مكسوراً قابلاً بنصيبه من التهميش والتهشيم. وكذلك الأمر، عندما أهان بري وزير المال يوسف خليل خلال جلسة مناقشة الموازنة. لم يحرك ميقاتي ساكناً دفاعاً عن وزير في حكومته هو المعني الأول بالموازنة. لا بل استعجل نزوله مهاناً عن المنصة ليتولى هو طائعاً الحديث كما طلب منه بري.

يلعب بالسياسة كأن شيئاً لم يكن

تبقى الإشارة الى أن ميقاتي يقضي وقتاً طويلاً في مماحكات ونكايات سياسية لا سيما مع التيار العوني، وذلك على حساب الوقت المطلوب بإلحاح لمعالجة الأزمة. ويحرص على دعم الثنائي الشيعي له علماً بأن ذلك الثنائي يعاكس إصلاحات مطلوبة التزم ميقاتي تنفيذها مثل اعتماد سعر صرف جديد، ولا ننسى معارضة الثنائي المذكور خطة التعافي التي طرحها ميقاتي عشية الانتخابات.

هذا هو ميقاتي، وهذه هي إنجازاته... على أمل انتخاب رئيس جديد للبلاد ينظر ملياً في تلك الإنجازات ليبني على الشيء مقتضاه، وإلا فالآتي أعظم حتماً!


MISS 3