عبده جميل غصوب

قراءة قانونية لتعيين محقق عدلي رديف بجريمة تفجير مرفأ بيروت

3 تشرين الأول 2022

02 : 00

أهالي ضحايا المرفأ عند اقتحامهم قصر العدل

أثارت موافقة مجلس القضاء الاعلى على طلب وزير العدل، بتعيين محقق عدلي رديف في ملف إنفجار مرفأ بيروت، معارضة شديدة. وقد برر المطالبون بهذا التعيين موقفهم بأن مهمة الرديف ستكون محصورة بالبت باخلاءات سبيل الموقوفين في القضية، الى حين عودة المحقق العدلي الاصيل طارق البيطار الى ممارسة مهامه المجمدة منذ بضعة اشهر، بفعل طلبات الرد المقامة بحقه من قبل سياسيين ملاحقين في القضية.

أحدث هذا القرار صدمة لدى اهل القانون فاعتبروه «سابقة غير معهودة» و»حالة فريدة بتعيين محققَين عدليَّين بقضية واحدة»، وان القرار «سيرخي بثقله على الواقع القضائي المنهك اصلاً». واعتبروا ان القرار «يشكّل سابقة خطيرة ستكون لها تداعيات سلبية جداً على الجسم القضائي برمته».

ووضعت مصادر متابعة لملف تفجير مرفأ بيروت قرار أعلى مرجعية قضائية في سياق «الاستجابة للضغوط السياسية الهائلة التي تمارس على القضاء، وخصوصاً على رئيس مجلس القضاء منذ أشهر». ولكن مصادر مقربة من مجلس القضاء، عزت هذا القرار الى «اصرار المجلس على تسيير مرفق العدالة وعدم الاستسلام لارادة التعطيل، التي تترجم بعشرات الدعاوى ضد المحقق العدلي، وتقويض مسار العدالة». وقد علم بأن القرار «إتّخذ باجماع الاعضاء»، وأفضى الى اقتراح عدد من اسماء القضاة المشهود لهم بالكفاءة، وعرض على وزير العدل لاختيار احدهم، وان القرار «لا يتعارض مع احكام القانون، ولا بد في النهاية من التوصل الى حل يخرج الملف من دائرة الجمود والتعطيل» وان «دور المحقق الرديف لا يلغي الدور الاساسي للمحقق العدلي القاضي طارق البيطار الذي سيستأنف عمله فور البت بالدعاوى المقامة ضده».

أثار القرار معارضة بعض رجال القانون، الذين اشاروا الى انه سيخلق أزمة غير مسبوقة بتاريخ القضاء اللبناني، معتبرين ان «الذهاب الى تعيين محقق عدلي رديف سيضع الامور امام خيارين احلاهما مرّ: الاول ان يرفض القاضي طارق البيطار القرار ويمتنع عن تسليم الملف او جزء منه للمحقق العدلي الرديف، ما سيؤدي الى انقسام قضائي حاد، والثاني ان يسارع البيطار الى الاستقالة نهائياً من القضاء، رامياً الكرة في احضان مجلس القضاء الاعلى، ليتحمل مسؤولية عودة التحقيق الى نقطة الصفر. وعندها سيحتاج التحقيق الذي شارف على نهايته الى عامين جديدين».

لقد واجه القاضي طارق البيطار السلطة السياسية منذ اكثر من سنة، وقد عجزت عن عزله. واستمر في مهمته كمحقق عدلي وبالتالي فهو لن يوافق على تعيين محقق عدلي رديف عبر مرجعيته القضائية العليا.




البيطار لا يُرد! لا يُنحّى! لا يُستبدل! لا يُعيّن له رديف



سبقت اجتماع مجلس القضاء الاعلى زيارة قام بها بعض نواب «التيار الوطني الحر» وممثلون عن اهالي الموقوفين للقاضي سهيل عبود، أثاروا معه ملف الموقوفين وضرورة اخلاء سبيلهم بعد اكثر من عامين على توقيفهم. واعلن عضو تكتل «لبنان القوي» النائب سيزار ابي خليل بعد اللقاء ان الوفد ناقش مع القاضي سهيل عبود ملف انفجار مرفأ بيروت. وان المجلس «وضع في أولوية جلسته اقتراح وزير العدل الرامي الى تعيين محقق عدلي رديف للبت بطلبات اخلاء سبيل الموقوفين». وصف القرار في حينه بالبدعة، محذراً من «انقسام داخل الجسم القضائي ستكون له تبعات وخيمة على سير العدالة».

بعد ذلك توالت الامور بصورة اكثر وضوحاً، إذ بدأت تتضح الابعاد السياسية لتعيين محقق عدلي رديف. فأي من الاسماء المطروحة لم يوافق على طرح تعيينه محققاً عدلياً رديفاً، الا انه تردد ان قاضي التحقيق الاول في الشمال سمرندا نصار هي الوحيدة التي وافقت على طرح تعيينها. أثار الموضوع انقساماً حاداً داخل مجلس القضاء، فوقف رئيسه القاضي سهيل عبود موقفاً رافضاً لتعيين اي محقق عدلي رديف تكون له صبغة سياسية معيّنة، وقد حاول ولا يزال الحؤول دون صدور اي قرار في هذا الاتجاه، علماً بأن موافقة مجلس القضاء المبدئية كانت في اطار محدد تقتصر معه مهمة المحقق العدلي الرديف بموضوع البت بطلبات اخلاء السبيل دون التطرق الى اي موضوع آخر. ولكن سرعان ما تبدلت الامور وظهرت الحقيقة المتمثلة في كون الهدف من تعيين محقق عدلي رديف ليس انسانياً، بل سياسياً، فتردد ان رئيس مجلس القضاء الاعلى عدل عن موقفه المبدئي بالموافقة على تعيين محقق عدلي رديف حتى لا يستغل موقفه الانساني سياسياً.

هذه المقدمة البسيطة التي تلخص مجريات ما حصل لغاية الآن، تطرح مسألة مدى جوازية تعيين محقق عدلي رديف من الوجهة القانونية في ضوء النصوص القانونية المطبقة (اولاً) وفي ضوء الممارسة العملية (ثانياً)، لنخلص في النهاية الى اقتراح حل متوافق مع احكام القانون (ثالثاً).

أولاً: في الموانع التشريعية لتعيين محقق عدلي رديف

لا بد بادئ ذي بدء من الاشارة الى ان المجلس العدلي هو «مؤسسة قانونية» institution juridique قائمة بذاتها Sui generis نص عنها قانون اصول المحاكمات الجزائية في المواد من 355 الى 367. هذه المؤسسة ثلاثية الاطراف:

1– المجلس العدلي: وقد نصت المادة 357 أ.م.ج انه يؤلف من الرئيس الاول لمحكمة التمييز رئيساً ومن اربعة قضاة من محكمة التمييز اعضاء، يعينون بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الاعلى. أي ان الرئيس لا يعيّن بمرسوم، بل يتولى الرئاسة حكماً بمجرد كونه رئيساً أول لمحكمة التمييز. بينما يعيّن القضاة الاربعة الاعضاء بناء على مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الاعلى.

ونصّت المادة 357، فقرة 2 أ.م.ج انه «يعيّن في المرسوم قاض اضافي أو أكثر ليحل محل الاصيل في حال وفاته او تنحيته أو رده او انتهاء خدمته».

هذا القاضي الاضافي (أو اكثر) يعيّن في المرسوم ذاته. وهنا يبدو واضحاً ان المشترع، نص عن تعيين «قاض اضافي او اكثر» ولم يطلق عليه تسمية «قاض رديف»، بل «قاض إضافي» ليحل محل القاضي الاصيل المتوفى او المتنحي او المقرر رده او المنتهية خدمته، ما يعني ان المشترع اعتمد التفصيل والتوضيح في تعيين رئيس المجلس العدلي الذي يرأس المجلس المذكور حكماً (بدون حاجة الى تسميته بالمرسوم ) رئيس أول محكمة التمييز، والقضاة الاعضاء الاربعة، كما القاضي الاضافي.

ونصّت المادة 358 أ.م.ج أنه «اذا تعذر على الرئيس الاول لمحكمة التمييز ان يترأس هيئة المجلس، يتولى رئاسته العضو المعيّن الاعلى رتبة».

وهنا ايضاً توسع المشترع أكثر فأكثر في آلية تكوين المجلس، إذ نص على رئاسة هيئة المجلس العدلي اصلاً من قبل رئيسه الحكمي (أي الرئيس الاول لمحكمة التمييز) واذا تعذر ذلك فيرأس الهيئة العضو المعيّن من بين القضاة الاربعة المعينين بمرسوم، الأعلى رتبة. وتحصر وظيفة القاضي الاضافي في الحالات الاربع المعددة حصراً:

- وفاة الاصيل

- تنحّيه

- ردّه

- إنتهاء خدمته

2 – النيابة العامة لدى المجلس العدلي

نصّت المادة 357، فقرة 3 أ.م.ج انه «يمثل النيابة العامة لدى المجلس العدلي النائب العام التمييزي او من ينيبه عنه من معاونيه».

أي ان المرسوم لا يتضمن تسمية النائب العام لدى المجلس العدلي، ولا رئيس المجلس المذكور، اللذين يتوليان حكماً وظيفتهما، فتناط الرئاسة، كما بينّا اعلاه، بالرئيس الاول لمحكمة التمييز او من ينيبه من القضاة الاربعة، فقط في حال تعذر ترؤسه للمجلس، اذ يتولى الرئاسة في هذه الحالة احد القضاة الاربعة المعينين كأعضاء، ويكون «الاعلى رتبة».

كما ان المرسوم لا يعين نائباً عاماً للمجلس العدلي، بل يتولى هذه الوظيفة حكماً النائب العام التمييزي «او من ينيبه عنه من معاونيه». وهنا لا يفترض «التعذر» كما في حالة رئاسة المجلس، لكي يتولى العضو المعين الاعلى رتبة رئاسة المجلس، بدون حاجة لانابته من رئيس المجلس الاصيل؛ بل يكفي ان يكون «الاعلى رتبة» ليحل حكماً محل الرئيس المتعذرة رئاسته؛ بل ان للنائب العام التمييزي، وبدون اي مبرر ملحوظ في النص، ان ينيب عنه أياً من معاونيه، بدون شرط «التعذر» المنصوص عنه في حالة رئاسة المجلس كما هو مبيّن اعلاه. هذا الفرق عائد الى طبيعة عمل النيابة العامة التي تشكل وحدة لا تتجزأ بحيث يمكن لأي عضو من اعضاء النيابة ان يحل حكماً محل زميله الآخر. هنا ايضاً نلاحظ بأن المشترع اعتمد التفصيل في رسم آلية تعيين وعمل قضاة المجلس العدلي. ولم يترك حالة واحدة متوقع حصولها الا وعالجها على مستوى النص.



مرفا بيروت بعد الإنفجار



3 – المحقق العدلي

نصّت المادة 360، فقرة 2 أ.م.ج انه «يتولى التحقيق قاض يعيّنه وزير العدل بناء على موافقة مجلس القضاء الاعلى».

وقد حدّد صلاحياته في المواد361 و362 و363 و364 أ.م.ج.

واللافت ان المشترع لم يتكلم على محقق عدلي إضافي (أو رديف!) أو مناب. كما فعل بالنسبة للعضو الذي يتولى الرئاسة عند تعذر رئاسة الرئيس الاصيل، أو كما فعل بالنسبة للعضو الاضافي (أو اكثر) الذي يحل محل العضو الاصيل في حال الوفاة أو التنحي أو الرد أو انتهاء الخدمة. وكما فعل بالنسبة للمحامي العام التمييزي الذي ينيبه النائب العام التمييزي؛ ما يعني ان المحقق العدلي، لا يمكن تعيين محقق عدلي اضافي الى جانبه (أو رديف!)، كما لا يمكن انتداب أحد معه؛ والا لما كان المشترع الذي اعتمد التفصيل في رسم آلية التعيين والعمل لحظة واحدة عن التطرق لهذا الموضوع. ان احجام المشترع عن ذلك يؤكد نيته بأن المحقق العدلي هو «واحد أحد»، لا يستبدل ولا يعيّن «ضرّة» له، كما شاء البعض ذلك! هو كما قال أديبنا الكبير مارون عبود (جدّ الرئيس الاول سهيل عبود) في كتابه «اقزام جبابرة» عن الخورية للدلالة على ان ترمل زوجها الخوري هو أبدي، انها: «كالصنوبرة اذا قطعت لا تفرخ».

اجل هذه هي الحقيقة القانونية ان المحقق العدلي «خلقه» المرسوم» وكسر القالب». لا يرد! لا ينحّى! لا يستبدل! لا يعين له رديف! لعدم النص عن ذلك صراحة في النص أسوة بالقضاة الباقين الذين يؤلفون المجلس العدلي!

لماذا؟

لا اعلم! هذه هي الحقيقة! إما لأن المشترع اراد ذلك acte voulu (؟)

وإما لأنه سهى عن باله النص عن هذه الامور(؟)

في الحالتين يقتضي تعديل النص للتمكن من تعيين محقق عدلي اضافي او رديف (!) او ما شابه بدون الدخول في التفاصيل.

ثانياً: في الموانع العملية لتعيين محقق عدلي رديف

الى جانب انتفاء النص القانوني الذي يتيح تعيين محقق عدلي رديف، ندلي بما يلي:

1 – في عدم جواز الاستناد الى «سابقة» تعيين القاضي جهاد الوادي «محققاً عدلياً رديفاً» للمحقق العدلي القاضي الياس عيد بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري

ان تعيين القاضي جهاد الوادي «محققاً عدلياً رديفاً» للمحقق العدلي الاصيل القاضي الياس عيد بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لا تشكل سابقة قضائية يمكن الاستناد اليها لتعيين محقق عدلي رديف، لان اسبابها وظروفها تختلف عن الاسباب والظروف المساقة اليوم لتبرير تعيين محقق عدلي رديف للقاضي طارق البيطار. ففي ذلك الوقت اضطر المحقق العدلي القاضي الياس عيد للسفر الى خارج لبنان، فتم تعيين القاضي جهاد الوادي محققاً عدلياً رديفاً لأمور ادارية، لوجستية محددة، لا دخل لها بوظيفة القاضي الياس عيد القضائية. إذ إنه- ولزوم التنسيق مع القضاء الدولي حينذاك- تمّ تعيين القاضي جهاد الوادي محققاً رديفاً محصورة مهامه بالامور الادارية اللوجستية للتنسيق مع القضاء الدولي، دون ان تتعداها الى الامور القضائية؛ علما بأن القاضي جهاد الوادي لم يتبلغ القرار. وذكر ان لا علم له به. وانه لو تبلغه لكان رفض المهمة المسندة اليه!

هذا يعني بأن قرار تعيين القاضي جهاد الوادي لا يشكل سابقة يمكن الاستناد اليها.

2 – في كون تعيين «محقق عدلي رديف» يشكل خرقاً لسرية التحقيق

إن تعيين «محقق عدلي رديف» سيتيح له الدخول الى ملف التحقيق بكامل جوانبه بطريقة ملتوية ومستترة حتى ولو كانت مهمته محصورة بالبت بطلبات تخلية سبيل بعض الموقوفين، لان البت بالطلبات المذكورة يستلزم الولوج الى داخل ملف التحقيق والاطلاع على كافة التقارير الفنية والاستنابات والتحقيقات. وهذا ما يشكّل- بصورة او بأخرى- استبدالاً للمحقق العدلي الاصيل بمحقق عدلي رديف، بصورة ملتوية ومخالفة للقانون!

3 ـ في كون المادة 125 أ.م.م لا تشكل مخرجاً قانونياً صالحاً لتخلية سبيل الموقوفين

يرى القاضي حاتم ماضي ان المادة 125 أ.م.م تشكل مخرجاً للمأزق القانوني المستند اليه لتعيين محقق عدلي رديف.

نحن لا نوافقه الرأي للسببين التاليين:

أ ـ لأن المحقق العدلي- وبغياب اي آلية لطلب رده- غير قابل للرد بانتظار تعديل النصوص التي تحكم هذا الموضوع. ولا نؤيد محكمة التمييز في قرارها الذي اعتبرت فيه ان المحقق العدلي هو قاض رفيع المستوى من درجة قضاة محكمة التمييز ويخضع- أسوة بهم- الى الرد بواسطة محكمة التمييز.

هذا الموقف لمحكمة التمييز غير مسند الى اي سبب قانوني؛ وبالتالي لا يمكن الأخذ به.

ب ـ لان نص المادة 125 أ.م.م بذاته لا يتيح تعيين قاض رديف لانه يجيز «للمحكمة التي تنظر في طلب الرد في حال وجود ضرورة ان تقرر السير في المحاكمة دون ان يشترك فيها القاضي المطلوب رده».

السؤال المطروح هنا: من سيسير في التحقيق؟ لا يوجد سوى المحقق العدلي! ولم يتم النص على استبداله بمحقق رديف آخر للسير في التحقيق او حتى للبت بطلبات اخلاء السبيل!

إن مقاربة نص المادة 125 ا.م.م واعتماده وسيلة للخروج من المأزق القانوني ليست صحيحة. ولا يمكن «تطويع» نص المادة 125 المذكورة وتحميلها معاني بعيدة عنها لاعتبارها وسيلة لحل المشكلة المطروحة؛ بل ان تفسيرها على هذا النحو يشكل تشويهاً مرفوضاً لمدلولها الحقيقي.

4 ـ في كون تعيين «المحقق العدلي الرديف» لن يحل المشكلة المطروحة

إن تعيين محقق عدلي رديف لن يحل المشكلة المطروحة والمتمثلة بالبت بطلبات تخلية سبيل الموقوفين، لان «المحقق العدلي الرديف» سيواجه- كما الاصيل- بسيل من طلبات الرد، ما سيعيق عمله. ولن يؤدي تعيينه الغاية المتوخاة منه! ما سيعيدنا الى الدوران في حلقة مفرغة من طلبات الرد المتتالية والمتكررة الى ما لا نهاية.

ثالثاً: في الحل المقترح

إن البت بطلبات اخلاء السبيل- على أهميته الكبيرة من الزاويتين الانسانية والاجتماعية- لا يبرر مخالفة القانون، لان «القانون يعلو ولا يعلى عليه»، فلا يجوز اهدار النص القانوني كلما دعت الحاجة الى ذلك، فالقانون قاس لكن هذا هو القانون Dura lex sed lex، والا تحول وسيلة طيّعة يصار الى تعديله او القفز فوقه كلما دعت الحاجة الى ذلك! وهذا امر مرفوض. فالحل يكون في تطبيق القانون وليس بالقفز فوقه.

ويكون الحل بالتوقف عن القذف بسيل من طلبات الرد التعسفية وبعدم تطويع النصوص التشريعية لتعطيل العدالة. فالنصوص التشريعية وضعت لخدمة العدالة وليس لتعطيلها. كما يجب عدم انتظار موافقة هذا الوزير او ذاك لاستكمال تشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز، فالقاضي المنتدب لرئاسة اي غرفة من غرف محكمة التمييز، يمكنه ان يكون عضواً في الهيئة العامة؛ اذ لا شيء يحول دون ذلك. ولا يوجد اي مانع تشريعي او سواه، يحول دون ذلك، بل ان الخطأ يكمن في الانتقاص من صلاحياته والحد من ممارسته لها كاملة!

إن اعتماد المشترع نهج التفصيل والشرح في تعيين القضاة الذين يؤلفون المجلس العدلي، يجعلنا نجزم بأن المحقق العدلي غير قابل للرد او لتعيين اي قاض مساعد او رديف له، والا لما كان المشترع تأخر لحظة واحدة، عن التطرق الى هذه الحالات، كما فعل بالنسبة لزملائه الآخرين الذين يؤلفون المجلس العدلي. ان صمت المشترع هنا له دلالة جازمة وحاسمة بأن المحقق العدلي كما ذكرنا «واحد أحد خلقه المشترع وكسر القالب»، فلا مجال للبحث في الاقتراحات المدلى بها لتعيين قاض رديف له.

إن هذه التجارب المؤلمة تجعلنا نطالب اكثر من اي وقت مضى بانجاز قانون استقلالية القضاء. وقد كان لنا شرف تمثيل نقيب المحامين في بيروت الاسبق الدكتور ملحم خلف في لجنة الادارة والعدل حينذاك، حيث تمّ انجاز مشروع قانون كامل ومتكامل أدخلت عليه التعديلات اللازمة. ولكننا لا نعلم أين اصبح الآن؟!

عندما يرفع السياسيون أيديهم عن القضاء، تقرع اجراس الحل ويبزغ فجر قضاء مستقل.


MISS 3