خالد أبو شقرا

إضافة إلى إلغاء الرسوم الجمركية والعقارية

فكراجيان: تخفيض الضرائب يزيد فرص جبايتها!

3 تشرين الأول 2022

02 : 00

موازنة 2022 غير إصلاحية

ستقفل موازنة 2022 السنة المالية على مزيد من النفقات والإيرادات المبالغ فيها. وذلك خلافاً لكل المطالب المحلية والشروط الدولية، بأن تأتي الموازنة أول العام متوازنة، وبأرقام إصلاحية تواكب خطة التعافي الاقتصادية. أمّا وإن لم يقدر أن يقف المجلس النيابي في وجه موازنة هجينة ستزيد الامور تعقيداً، خصوصاً بعد ان استمر الإنفاق على أساس القاعدة الاثنتي عشرية، فإن العيون شاخصة إلى موازنة 2023 الجديدة، التي يقال إن العمل جار على إعدادها في وزارة المالية.

كلام انشائي

بحسب التصريحات الاعلامية لوزير المالية في حكومة تصريف الاعمال يوسف الخليل، فإن «موازنة العام 2023 ستكون إصلاحية». وستشكل برأيه «مدخلاً متقدماً لمسار التعافي المالي والاقتصادي، ولتحقيق نوعٍ من الإستقرار قادر على إنعاش القطاعات الإنتاجية، وعلى جذب الاستثمارات الخارجية وإعادة الثقة بلبنان». كلام إنشائي جميل لم تخلُ منه نصوص فذلكة الموازنات على مدار السنوات العشرين الاخيرة عموماً، وسنوات ما بعد انفجار الازمة خصوصاً، ولكنه لم يتحول لمرة واحدة إلى التنفيذ. بل فان التطبيق يكون دائماً «فوق الكلاسيكي»، يعتمد على تمويل النفقات المتفاقمة من فرض المزيد من الضرائب والرسوم. فتكون النتيجة كمن يراوح مكانه على سطح رملي، يغرف زيادة مع كل خطوة يعتقد أنه يتقدم بها إلى الامام.



كارابيد فكراجيان



التفكير خارج الصندوق لزيادة الايرادات

لم يجرؤ أحد على «التفكير خارج الصندوق»، لاعداد موازنة عامة، أو بالاحرى ليس من مصلحة أحد من المنظومة إعتماد الحلول غير التقليدية الكفيلة بالخروج من الازمة»، برأي الباحث في «المعهد اللبناني لدراسات السوق – LIMS»، كارابيد فكراجيان، «لأن هذه الأفكار تتناقض مع الشعبوية التي يتعاطون بها أولاً، وتقصيهم عن استغلال المرافق العامة للاستمرار ببسط نفوذهم وتمرير صفقاتهم ثانياً». ولكن لنبحث مع فكراجيان طريقة جديدة غير تقليدية، أقله بالنسبة إلى لبنان، لاعداد موازنة إنقاذية، ونرى كيف ستكون النتائج التي تسفر عنها.

سعر صرف واحد

غني عن القول أن الهدف من الموازنة هو تحقيق التوازن بين نفقات الدولة وإيراداتها لسنة معينة، بناء على التوقعات التي يؤَسس لها بالقوانين والاجراءات. ولأنه لا يمكن إعداد موازنة في ظل تعدد أسعار الصرف، وبناء أرقامها على سعر غير ثابت «سيأكله» الانهيار بعد أشهر، إن لم نقل أيام، فان المطلوب اعتماد سعر صرف لا يتغير»، من وجهة نظر فكراجيان. وهذا لا يتم إلا من خلال حل من اثنين: إما الدولرة الشاملة، وإما اعتماد صندوق تثبيت القطع currency board يضمنان وضع أرقام الموازنة بالدولار». فلا المصرف المركزي قادر بعد الآن على تثبيت السعر والدفاع عنه كما جرى سابقاً مع سعر 1500 ليرة، ولا تجربة التعويم التي مارستها SAYRAFA أتت ثمارها. وعليه لم يبق في الميدان، بعد استنفاد كل المقترحات الباقية، إلا الدولرة.

تحقيق فائض من خلال الاصلاح الضريبي

الهدف الثاني من موازنة في ظرف كالذي يمر به لبنان ليس تخفيض العجز إلى مستويات مقبولة، إنما تحقيق فائض. والتوصل إلى «صفر عجز» في المرحلة الاولى، لا يمكن أن يتم من خلال زيادة الضرائب والرسوم كما فعلت موازنة 2022، التي زادت قيمة الضرائب والرسوم على اللبنانيين بنحو 12 ألف مليار ليرة، عما كانت عليه في العام 2020. (الايرادات في موازنة 2020 حددت بـ 18.2 ألف مليار ليرة، فيما بلغت 30 ألف مليار ليرة في موازنة 2022). فـ»التجارب أثبتت أن هناك حدّاً أقصى للضرائب لا يمكن تخطيه»، بحسب فكراجيان. «لانه عندها تتناقص إيرادات الدولة مع كل زيادة في الضرائب بدلاً من أن تزيد». وذلك بحسب ما اثبته «منحنى لافر»، (الارتباط الإيجابي بين نسب الضرائب وإيرادات ميزانية الدولة، تنعكس عندما تتجاوز نسب الضرائب عتبة حرجة). هذا في الاقتصاد الطبيعي، فكيف اذا كان الاقتصاد منكمشاً بنسبة تتراوح بين (-20%) و(-%10) وفي ظل وضع اجتماعي يعاني فيه أكثر من 80 في المئة من المواطنين من الفقر بأشكال مختلفة. في هذه الحالة «ستتراجع إيرادات الدولة بنسب هائلة»، يؤكد فكراجيان، «لان الاستهلاك سينخفض والمؤسسات ستقفل والتهريب سيزيد. ولن يبقى احد قادراً على دفع هذه الضرائب. وعليه فان الحل يبدأ بالاصلاح الضريبي من خلال «تخفيضها وتوحيدها». حيث تلغى الشطور وتفرض ضريبة منخفضة ومسطحة على الجميع. الأمر الذي يشجع على دفعها من قبل المواطنين أولاً، وصمود الاعمال ثانياً، وجذب المستثمرين ثالثاً، وتخفيض نسب التهرب والتهريب رابعاً. وهذه العوامل كفيلة بزيادة العائدات أضعافاً مضاعفة نتيجة زيادة التزام جميع المكلفين بدفع الضرائب. وذلك على غرار التجربة الايرلندية، التي رفضت عرض صندوق النقد الدولي والتزمت زيادة الايرادات من خلال تخفيض الضرائب».

إلغاء الرسوم

ليس بعيداً عن تخفيض نسب الضرائب يرى فكراجيان أنه «يجب على الموازنة الجديدة أن لا تعمد إلى وضع الرسوم فحسب، إنما إلى إلغائها بشكل كامل، ولا سيما تلك المتعلقة بالجمارك للأسباب الرئيسية التالية:

- تخفيض الاكلاف على المستهلكين، الذين يعانون من نسب فقر هائلة وانهيار في القيمة الشرائية.

- تشجيع الاعمال وتسريعها من خلال الغاء أكلاف الاجراءات المتعلقة بالرسوم من معاملات وتوكيل مخلصين ودفع رشاوى... وهذا ما يستفيد منه المصدرون والمستوردون على حد سواء.

- يرفع من مرتبة مرفأ بيروت وبقية المرافئ الحدودية من ناحية سرعة الخدمة وكلفتها بالمقارنة مع بقية المرافئ المجاورة.

- يزيد من عائدات الدولة من خلال عودة لبنان إلى خريطة الترانزيت العالمية وتوسع حجم اعمال مرافئها البحرية البرية والجوية.

فخلافاً لكل الآراء التي تشيع أن الغاء الرسوم الجمركية سيؤدي إلى إفلاس وإقفال المؤسسات الانتاجية يعتبر فكراجيان أن «إلغاء هذه الرسوم يخفف الأكلاف على المصدرين، ويتيح المجال إلى التوسع بالاعمال التي تتضمن قيمة مضافة مرتفعة، القدرة على المنافسة بقوة. وهو ما يعود بالفائدة عليهم وعلى المستهلكين على حد سواء. لا سيما أن الدعم بالرسوم الحمائية الذي تتلقاه بعض المؤسسات في قطاع ما، لن يفيدها وسيضر بالمستهلكين. في حين أن تقويتها تفترض تأمين بيئة عمل مريحة لها. وفي مقدمها تأمين طاقة مستمرة وبأسعار معقولة. وتخفيض الضرائب عليها. وفتح الاسواق أمامها للتصدير. وإزالة الاجراءات والقيود المعرقلة للبدء بالاعمال سواء كانت البيروقراطية أو التنظيمية أو المتعلقة بنيل التراخيص... وغيرها الكثير من العوامل الكفيلة بحال تحققها من تخفيض الاكلاف الانتاجية على قطاعات الاعمال، وتشجيعها على المنافسة. بدلاً من الاعتماد على الرسوم الحمائية، التي تؤذي كل المستهلكين ولا يستفيد منها إلا قلة قليلة من المنتجين».

الضرائب والرسوم على العقارات

على نقيض موازنة 2022 التي فرضت ضرائب على القطاع العقاري، تُعتبر إزالة الضرائب والرسوم عن هذا القطاع ذات اثر بالغ الاهمية. فالقطاع العقاري يشكل المحرك الطبيعي لعشرات القطاعات الأخرى من جهة، وحق لكل المواطنين بالسكن والتصرف بملكيتهم من الجهة الاخرى. فيجري التعامل مع هذا القطاع كـ «قجّة» تسحب منها الدولة الاموال ساعة ما أرادت زيادة الايرادات»، من وجهة نظر فكراجيان. «فيما المطلوب تخفيف الاعباء عنه. الامر الذي يزيد عائدات الدولة من خلال الالتزام بتسديد الضرائب بدلاً من التهرب منها بطرق عديدة».

تخفيض النفقات بالاصلاحات

لا تكفي زيادة الايرادات وحدها لتحقيق عجز صفري في الموازنة إنما المطلوب أيضاً تخفيض النفقات. فهذه النفقات قدّرت في موازنة 2022 بـ40 ألف مليار ليرة، فيما قد تتجاوز هذا الرقم بأشواط في قطع الحساب، هذا إن جرى وضعه. ولتخفيض النفقات يجب أن تتضمن الموازنة مجموعة من القوانين الاصلاحية برأي فكراجيان ومنها:

- تخفيض عدد الموظفين في القطاع العام الذين يستنزفون 90 في المئة من نفقات الدولة في موازنة 2022. (وذلك بعدما كان يخصص لهم ثلث النفقات، فيما الثلثين الآخرين يخصصان لخدمة الدين العام والكهرباء في نفقات الموازنات السابقة). وهذا يتطلب إعادة هيكلة القطاع العام. الامر الذي يساعد على تخفيف الاجراءات البيروقراطية المعيقة للازدهار والاستثمار، وتخفيف الاعباء عن الخزينة، التي يعاد تمويلها من جيوب المواطنين.

- يسمح تخفيض اعداد الموظفين غير الضروريين بتحسين رواتب المتبقين المنتجين في القطاع العام تلقائياً.

- التوقف عن ترحيل المصاريف الاستثمارية المتعلقة بالمشاريع الجديدة وصيانة البنى التحتية وتطويرها إلى الأعوام اللاحقة، واستبدالها بفتح الاسواق للمنافسة وخصخصة الادارات سواء كان على طريقة build-operate-transfer-BOT - أو على طريقة BOO « Build-Own-Operate». فالذي يحصل دائماً هو حصر المواطن بين خيارين أحلاهما مر: إما انعدام الاستثمارات وإما طبع الاموال لتنفيذ الصيانة والاعمال، وتبقى الامور كما هي عليه ويتحمل المواطن كلفة التضخم.

- تلزيم البنى التحتية الأساسية، كأن تلزم شبكة الكهرباء للقطاع الخاص على طريقة الـ BOT، ويفتح المجال لانشاء مصانع انتاج الكهرباء بأقل كلفة وأحسن خدمة. ولتبقى مؤسسات كهرباء إذا استطاعت تطوير نفسها والمنافسة كشركة منتجة للطاقة. وهذا ينطبق على مختلف مؤسسات القطاع العام وشركاته ومنها النقل والمياه وقطاع التعليم... وخلافه من القطاعات القائمة التي لا تستنزف مالية الدولة فحسب، إنما تقدم أسوأ خدمة بأعلى تكلفة.

تخفيض النفقات وزيادة الواردات في مشروع موازنة 2023 لن يؤدي إلى تصفير العجز في الموازنة فحسب، إنما إلى تحقيق زيادة في الايرادات. و»هذه الاجراءات لا تتطلب إلا شهراً واحداً لتبدأ نتائجها الايجابية بالظهور»، حسب فكراجيان. «حيث لا يوجد أي عوائق من الناحية التقنية تمنع تطبيقها في حال إقرارها. وعند هذه المرحلة تنتفي الحاجة إلى المساعدات الدولية ويأخذ التعافي في لبنان منحنى تصاعدياً يساعد على تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية وضمان ايفاء الدين العام المترتب على الدولة».


MISS 3