تباين الطلب على العقارات في لبنان وسط حالة عدم اليقين في البلاد، وشهد العام الماضي تحولاً كبيراً في ديناميكية الطلب وباتت التعاملات في هذا القطاع كلياً بالدولار.
هذا ما بينه التقرير النصف سنوي لسوق العقارات الذي أصدرته شركة «بيروت ليفينغ»، والذي لفت الى أنه «تمّ التوقّف نهائياً عن استخدام الشيكات المصرفية كوسيلة للدفع في عمليات البيع العقارية بعد انخفاض حاد في قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، ما أدى الى تراجع عمليات الشراء المحتملة وتباطؤ الأداء في الطلب.
الدولرة في 2022
مع الدولرة الكاملة للمبيعات في العام 2022، كان هناك انخفاض ملحوظ بنسبة 7.7% على أساس سنوي في قيمة عمليات البيع مقارنة بالعام الذي سبقه أي 2021. ويتناقض هذا الواقع بشكل حاد مع الاتجاهات التي لوحظت في العام 2020، والتي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 110.4% على أساس سنوي في قيمة صفقات البيع، و8.1 % لاحقاً أي بزيادة سنوية في العام 2021، وقتها كانت تستخدم الشيكات المصرفية كوسيلة للدفع، كما جاء في بيانات دليل السجل العقاري Directory of Land Registry and Cadastre. وبذلك فإن الإنخفاض في الطلب على العقارات، إلى جانب تباطؤ العرض أديا إلى انخفاض حاد في قيمة العقارات في لبنان، والتي وصلت الى النصف تقريباً منذ بداية الأزمة. كما ان الحالة المزرية للقوة الشرائية في لبنان قد تزيد انخفاض قيمة الممتلكات.
وبدلا من أن نشهد زيادة في الطلب المحلي المستحق نتيجة انخفاض الأسعار، تغيّر ملف تعريف المشترين المهتمين في السوق، وبات الطلب عند اللبنانيين في سوق العقارات الآن يقتصر على المغتربين والسكان المحليين «المدولرين» الجدد من خلال حسابات بالدولار الأميركي النقدي، والمستثمرين الراغبين في استثمار الأصول القابلة للتسييل.
وساهمت هذه العوامل في استئناف نشاط الشراء في سوق العقارات اللبناني، الا أن الحرب الأخيرة في غزة ادخلت تحديات إضافية، ما تسبب في تباطؤ كل المبيعات ومعاملات الإيجار بسبب المصير غير الواضح للبلاد.
إهتمام إنتقائي
وبيّنت الدراسة أن هناك اهتماماً متزايداً ضمن الوافدين الى لبنان، خصوصاً من الطبقة الوسطى، نحو الشقق التي تقدّر قيمتها بين 250,000 و 300,000 دولار أميركي. وكان سعر المتر المربّع في منطقة الأشرفية يبلغ 1500 دولار أميركي، يضاف إلى ذلك، الزبائن من الطبقة المقتدرة، التي تمتلك القدرة المالية على إنفاق ملايين الدولارات والتي تفضّل العقارات الفاخرة.
في العام 2023، سُجلت عمليات شراء في القطاع العقاري تتراوح بين 2 مليون و 4 ملايين دولار للصفقة في مدينة بيروت، وعادةً ما تتضمن تسعيرات تتجاوز 4,000 دولار للمتر المربع. السبب وراء هذه العمليات الشرائية هو الارتقاء المتوقع في قيمة العقارات بسبب نقص المشاريع الجديدة داخل البلاد.
ومع ذلك، فإن هذا الطلب المتجدد ليس متساوياً في جميع مناطق لبنان، مما أدى إلى اختلاف ملحوظ في التسعير بين مناطق مختلفة. في الوقت نفسه، يختار المستثمرون الذين يمتلكون سيولة بالعملة الأجنبية الاستثمار في العقارات. هذا الاهتمام بسوق العقارات يأتي في ظل تراوح نسبة العائد على الاستثمارات العقارية، خاصة في الاستديوات بمساحة نحو 100 متر مربع، بين 3-4% من قيمتها سنوياً في بعض المناطق عند تأجيرها. وبالنسبة الى الشقق المفروشة والمحافظ عليها بشكل جيد في مبانٍ جيدة، يمكن أن ترتفع اكثر نسبة العائد التي تعود على المالك من تأجيرها.
مكاتب خارج بيروت
وإذا اطلعنا على عمليات شراء وتأجير المكاتب، تبقى النشاطات في هذا القطاع الفرعي ضعيفة داخل بيروت، وغالبية الحركة من المنظمات الدولية التي تعمل داخل البلاد. ومع ذلك، فإن هذه المنظمات، جنباً إلى جنب مع عملاء آخرين محتملين، يتجهون بشكل متزايد نحو المنتجات الجديدة في ضواحي العاصمة. في هذه المناطق، تتوفر مساحات مكتبية ذات جودة في مبانٍ حديثة البناء بتكلفة أقل. ونتيجة لذلك، تكثر المساحات المكتبية الفارغة في بيروت، مع تفاؤل نسبي نحو الآفاق المستقبلية لهذا القطاع داخل المدينة.
عام ركود جديد
وقال رئيس مجلس إدارة «بيروت ليفينغ» جوني عسّاف، ندخل الآن عاماً جديداً من الركود الاقتصادي. منذ العام 2023، شهدت أسعار العقارات ارتفاعاً طفيفاً وبقيت على حالها بعد ذلك مستقرة نسبياً، مع زيادات طفيفة في بعض الأحيان في المجموع من دون تغيير. وتوقف تطوّر الأسعار بشكل موقت مع استمرار أحداث غزة وعمد المشترون والبائعون والملاكون الى تأجيل اتخاذ قرارات بالبيع والشراء خصوصاً مع تفاقم المخاوف من توسّع رقعة الحرب واستمرارها لوقت طويل.
بين 30 و60 %
تغيّرت ديناميكيات التسعير في السوق العقاري حصراً بالدولار الأميركي، ما أدى الى ندرة المشترين. فلبنان يواصل صراعه مع أزمة سيادية مالية نقدية غير مسبوقة تدخل عامها الرابع. فأسعار الوحدات السكنية، بالدولار الأميركي الفرش، شهدت تخفيضات كبيرة في سعرها تراوح بين 30% و60% منذ بدء الأزمة في تشرين الأول 2019.
العوامل السلبية
ويعزى في المقام الأول هذا الخفض إلى عوامل عدة: انخفاض قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار في سوق الصرف الأجنبي الموازي، وتضاؤل القدرة الشرائية للمواطنين؛ قلة الاهتمام من المستثمرين العرب في سوق العقارات اللبناني؛ وفراغ سياسي طويل ومتعدد الطبقات؛ وغياب نشاط الإقراض البنكي.
بعض الإرتفاعات
ومع ذلك، شهد السوق السكني الارتفاع الأخير في الأسعار، اذ ارتفعت بنسبة 25% تقريباً في الأشهر الـ12 الماضية. ويعزى هذا التحول إلى أصحاب الأملاك أنفسهم الذين يجدون أنفسهم في وضع أفضل في التفاوض بعد تسوية ديونهم المصرفية، مما أدى إلى خفض الاستعجال لبيع وحداتهم. على سبيل المثال، أسعار شقق منخفضة التكلفة بمساحة 130 م2 في ساحة ساسين وشارع مونو وصلت إلى 1700 دولار أميركي للمتر المربع، في حين وصلت أسعار استوديوات مفروشة بمساحة 90 م2 بالمناطق السياحية إلى 3000 دولار أميركي/م2.
الديناميكيات الحالية في سوق العقارات تدور حول ندرة المشترين بالدولار الأميركي الفرش بسبب نقص السيولة وتآكل القدرة الشرائية. أما البائعون فيطلبون الآن الدفع حصرياً بالدولار.