جنى جبّور

مساهمات تتحدّى كل الظروف... وثورة لجَبْه العوَز

هذه هي حقيقة اللوائح المنتشرة عن المساعدات الانسانية!

18 كانون الأول 2019

02 : 00

في زمن الأعياد، حيث تنشط الأعمال الإنسانية والخيرية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لوائح بأسماء أطباء ومطاعم وأفراد وأرقام هواتفهم مستعدة لتقديم المساعدات مجاناً الى كل محتاج. ورأى البعض بهذه المنشورات خيط أمل يخفف عنهم قساوة الأيام وصعوبة الحصول على أدنى المتطلبات المعيشية، بينما استغلها البعض الآخر بطلبات لا تخلو من الوقاحة. على كل حال، ما مدى صحة اللوائح المنتشرة؟ وماذا عن المبادرات؟

كما كل سنة ، تتقدم أمنية ولادة لبنان على قدر وجع أبنائه وأحلامهم أو أقله يتمنى كلّ اللبنانيين ولادة حكومة جديدة للنهوض بوطنهم وبأوضاعهم المعيشية الصعبة والصعبة جدّاً. والى أن تستجاب الأدعية والتمنيات في هذا الزمن المجيد، تكثفت الجهود الانسانية والخيرية من مجموعات "ثورة 17تشرين"، وجمعيات خيرية، ومن أفراد قرروا تقديم المساعدات على قدر امكاناتهم.

لم تنتظر عائلة "دفى" الأوضاع الاقتصادية الصعبة لاطلاق حملتها، بل بدأتها منذ نحو 5 سنوات وكانت تستهدف العائلات اللبنانية وغير اللبنانية الأكثر عوزاً. ودفى مستمرة في مساعداتها (الشتوية) لكل محتاج من دون تمييز في كل المناطق اللبنانية. ولم تسلم هذه الحملة من التأثيرات السلبية الناجمة عن الأوضاع الصعبة، ما أدّى الى تأخير انطلاقها عن موعدها السنوي المعتاد (في الأول من شهر كانون الأول) فتأجّلت الى الأحد الواقع فيه 15 كانون الأول. كذلك، افتقدت ساحة الشهداء هذه السنة عائلة "دفى"، حيث استبدل المكان بالـ"الفوروم دو بيروت" تخوفاً من هطول الأمطار أو سرقة التبرعات من الساحة. مئات المتطوعين توافدوا إلى الـ "فوروم" الأحد الماضي، وفرزوا المساعدات المتنوعة من ألبسة وأغطية ومواد غذائية وكهربائية وألعاب الأطفال، ووضبوها استعداداً لتوزيعها على الأسر الفقيرة. ولوحظ وجود كميات متواضعة من التبرعات مقارنةً بالسنوات الماضية، وسط دعوات من الناشطين في الحملة، بالاستمرار بتقديم التبرعات (للتبرع الاتصال على 81862688). عائلة دفى قالت لـ"نداء الوطن" إنه "شددنا على جميع المتبرعين لتأمين المواد الغذائية هذه السنة. وللأسف، حولت الأوضاع الصعبة بعض المتبرعين الى محتاجين. وفي ما يخص توزيع المساعدات فلدينا لوائحنا الخاصة، بالاضافة الى لوائح تزودنا بها وزارة الشؤؤن الاجتماعية".

"ممنوع اللبناني يجوع"

لا تقتصر المساعدات الانسانية على أنشطة الجمعيات الخيرية، بل كان لبعض الشركات الخاصة لفتات انسانية من خلال مبادرات يقوم بها الموظفون في الشهر المجيد. ولكن لكل شيء هذا العام، طعم خاص يشبه واقع الحال، فموظفو شركة " Earth technology"، المتخصصة ببيع أنظمة الطاقة الشمسية الذين اعتادوا،على مرّ 6 سنوات تقديم المساعدات للمحتاجين، كادوا أن يحجموا هذه السنة، للأسباب الاقتصادية ذاتها. لكن على الرغم من توقف سوق عمل الشركة، قرر صاحبها جورج عبّود توسيع دائرة التبرعات، والاستعانة ببعض الأصدقاء، وكذلك نشر اعلان المساعدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم " Feed Lebanon now"، والتي تنوي الشركة تسجيلها تحت اسم "اطعام لبنان الآن" كجمعية خيرية. وتهدف الحملة الى إطعام 3000 أسرة أو أكثر موزعة في كل لبنان. يقول جورج عبّود إنّ "التلبية الكثيفة لندائنا من داخل لبنان وخارجه، أعادت ثقتي وإيماني بهذه الرسالة. وتمكنا من تأمين صناديق المساعدة لـ1500 عائلة حتّى الآن، وما زلنا مستمرين في جهودنا. وتحتوي الصناديق على المواد الغذائية، البطانيات، الجوارب والشموع، تلبي حاجات عائلة مؤلفة من 4 أشخاص لمدّة شهرين كاملين". مضيفاً "ممنوع اللبناني يجوع"، لذلك اذا صادفنا حالة انسانية طارئة، لا ننتظر موعد التوزيع بل نعمل على مساعدتها فوراً. وفعلاً في الاسابيع الماضية، أمنّا بيتاً لعجوز كان يفترش أحد الأرصفة، وساعدنا بعض المرضى بتأمين أدوية لهم".

القائمة الكاملة للسلع والمواد المطلوبة لصندوق مجموعة "اطعام لبنان الآن":




إستشارات طبية مجانية؟

تناقل كثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي لوائح بأسماء أشخاص من مختلف المجالات مستعدين لتقديم المساعدات بحسب إختصاصهم أو امكاناتهم. وضمت اللائحة بشكل خاص عدداً كبيراً من الأطباء، حيث نشرت أرقامهم وعناوين عياداتهم على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي. وبعد إتصالنا بالأرقام الواردة تبين لنا أنّ لا صحة لهذه المعلومة، بل إنّ الاسماء المتناقلة تعود الى حملة سابقة منذ أكثر من سنة، اتفق عدد من الاطباء حينها على تقديم الاستشارات المجانية لفترة محددة. وفي حين امتعض بعض الأطباء من تناقل أرقامهم والاتصال بهم، رحب بعضهم الآخر بأي اتصال من أي مريض محتاج خدمةً لرسالتهم الطبية والانسانية. وفي جولة على الأسماء الواردة على اللائحة، طلب الدكتور محمود شومان، (اختصاصي في أمراض القلب والشرايين) "التوقف عن الاتصال به، وتعميم أنّ كل هذه الاخبار كاذبة، ولا علاقة له فيها". توافقه الدكتورة سارا قنصه (إختصاصية أمراض نسائية وتوليد) قائلةً "لا نعرف من قام باعادة نشر هذه اللائحة وربطها بالثورة والاوضاع الحالية". بدورها، نفت إختصاصية التغذية الدكتورة رنين كنعان تقديمها للإستشارات المجانية، وأوضحت أنها لا تحب أن تُشعر من يتصل بها بالخجل، فقررت أن تقوم بالحسم على سعر الفحص لكل محتاج يتواصل معها. أمّا الدكتور حسن صالح (اختصاصي مسالك بولية) فأشار الى أنه "يقدم الاستشارات المجانية من تلقاء نفسه عند معاينة أي محتاج"، مضيفاً: "تتالت الاتصالات بي في الاسبوعين الأخيرين وخصوصاً من أبناء طرابلس، بعد انتشار لائحة الأسماء غير الدقيقة، وحرصت على الاجابة والمساعدة كمبادرة فردية مني". لا يتأخر زميل د. صالح، الدكتور سامر خليفة (جرّاح فك ووجه) الوارد إسمه أيضاً على اللائحة في تقديم استشارته الطبية كمبادرة فردية منه، ويحاول قدر المستطاع تأمين الدواء اذا توافر للمحتاجين. ولكنه لا يخفي انزعاجه من بعض الأشخاص الذين وصفهم بالـ"المزعجين والوقحين"، والذين يتصلون في منتصف الليل لطلب المساعدة لتبييض أسنانهم أو للقيام بالـ"Hollywood smile".

إستشارات مجانية عبر الفيسبوك

في المقابل، قرر الاختصاصي في الأمراض الداخلية الدكتور فيليب دويهي، تقديم الاستشارات الطبيّة المجانية لكل محتاج، وأعلن ذلك من خلال منشور خاص على صفحته على الفيسبوك جاء فيه: " بما أنّ الوضع المعيشي والاجتماعي والصحي في لبنان من سيئ الى أسوأ، وبما أنّ حالات الفقر والبؤس والحرمان بلغت ذروتها، وبما انني من اشدّ المؤمنين بهذه الثورة وبضرورة استمرارها حتى تحقيق كل اهدافها على الرغم من كل الصعاب، كنت افكر كيف لي أن اساعد مجتمعي للتخفيف من عبء ما نمرّ به... كوني اخصائياً في الأمراض الداخلية (Internal Medicine) وعلى وشك انهاء تخصصي في طب الطوارئ (Emergency Medicine) ) في الجامعة الاميركية، انا مستعدّ لتقديم استشارات طبيّة مجانية لكل من هو بحاجة اليها... يمكنكم التواصل معي عبر الـ"messenger" وسوف احرص على الإجابة على أسئلتكم خلال فترة لا تتجاوز 48 ساعة... اتمنى من اصدقائي الاطباء من مختلف الاختصاصات الاقدام على خطوات مماثلة لعلنا نساعد بمعرفتنا اكبر عدد ممكن من اهلنا لتخطي هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخنا بصحّة افضل. حفظكم الله من كل سوء". وقال د. دويهي لـ"نداء الوطن": "لم اتوقع أن ينتشر ما كتبته بهذه السرعة، ويتواصل معي يومياً ما لا يقل عن 60 شخصاً من كل انحاء لبنان، معظمهم للحصول على استشارة طبية ومنهم الآخر للحصول على الأدوية. وأريد أن أشكر كل من ساعد في تأمين الأدوية، حتّى اصبحنا نشبه فريق عمل متكاملاً يهدف الى عمل الخير".

وكان قد انتشر على اللائحة أيضاً الرقم الوطني الساخن لجمعية "امبرايس" (Embrace)، الذي يقدم منذ تأسيس الجمعية الدعم النفسي للمحتاجين، وذلك من خلال الاتصال على الـ"1564" والتكلم مع المتطوع عن اي موضوع يزعج الشخص. وبحسب الجمعية "إرتفع العدد من 10 اتصالات في اليوم الواحد الى أكثر من 150 إتصالاً، وذلك بسبب إنتشار الرقم الساخن على نطاق واسع والحالة الصعبة التي نمر بها والتي تسبب ضغطاً نفسياً إضافياً على الذين يعانون من مشاكل أو أمراض نفسية ما يزيد من أفكارهم الانتحارية".



مأكولات وخضار مجانية

تضمنت اللائحة أيضاً أسماء وأرقام أفراد يقدمون الملابس والأدوية والمأكولات وغيرها، وكانت أكثر دقة من أسماء الأطباء. فالـ"Lebanese food bank"، الذي يهتم بتوفير المواد الغذائية للجمعيات، تحولت مساعداته استثنائياً هذا الشهر الى الأفراد الذين يقصدون مكاتبهم. وقامت مؤسسة "Mr Potato" في صيدا التي تهتم بتوزيع الخضار بالجملة، بتنظيم يومين لتقديم الخضار مجاناً الى العائلات المحتاجة. وقال محمد نضر صاحب المؤسسة "مع انتشار رقمنا، ظنّ الناس أننا جمعية خيرية، ولم تهدئ الاتصالات التي حملت مطالب خارجة عن إمكاناتنا، فالبعض راح يطلب المال وأماكن للسكن وأدوية وغيرها. وتمكنّا خلال حملتنا القصيرة من مساعدة نحو 200 عائلة من خلال توزيع الخضار والمواد الغذائية والخبز على العائلات المحتاجة". كذلك، قرر سناك "Kareem Grill" في بيروت، تقديم وجبة واحدة يومياً للمحتاجين حتّى نهاية العام، وفق امكاناته المتواضعة التي لا تتعدى الـ10 سندويشات يومياً. أمّا المهندس إيلي، فشارك للمرة الأولى بالعمل الاجتماعي بمبادرة فردية منه، فقرر مع أصدقائه التبرع بمبلغ متواضع من المال للمساعدة. وتمكن حتّى الآن من مساعدة 15 شخصاً تقريباً من خلال التبرع بالمواد الغذاية والأدوية وسداد الايجارات والملابس وتأمين الحفاضات للأطفال. ويشير ايلي الى أنّ "عدد المتصلين كثيف جدّاً ما يصعب امكانية تلبية كل المطالب، فمبادرتنا فردية ومحدودة، ولكني تلقيت وعداً من مغترب لبناني بتقديم مساعدة مالية فور زيارته لبنان في عيد الميلاد، عسى نستطيع تكملة المساعدات". كذلك، قرر نادي الـ" FJ Club Lebanon" مساعدة المحتاجين في شهر الميلاد، وهو في صدد تحضير 30 صندوقا من مواد غذائية وتوزيعها على المحتاجين".



"وجبات الخير" من الثوار الى كل جائع

لم تغب المبادرات الانسانية عن الثوار في مختلف المناطق اللبنانية. ففي طرابلس، أم الفقير، حيث تتخطى نسبة الفقر والعوز نسبة 65 في المئة بحسب آخر الدراسات التي اجريت في المدينة، تخطت كمية المساعدات ما توقعه الثوار، وتصل المساعدات الى المركز المستحدث من أجل هذا الهدف في مبنى في ساحة النور، من كل المناطق اللبنانية، ولا يتأخر الثوار عن توزيعها على المحتاجين. ثوار طرابلس، أشاروا في حديث لـ"نداء الوطن" الى أنّ "التقديمات لا تقتصر على أهالي المدينة، بل نتفاجأ بكميات المساعدات التي تصلنا الى المركز يومياً من بيروت والبقاع والشوف وعاليه والفاكهة وكسروان وغيرها... وهذا التكامل والتشابك بين الثوار يعزز صمودنا". الثياب، الأدوية، والوجبات الغذائية... كلها متوافرة في مركز طرابلس لكل محتاج، ويقول الثوار إنه "يتم يومياً إطعام نحو 800 الى 1200 شخصاً في مطبخنا الخيري الذي اطلقنا عليه إسم "وجبات الخير". كذلك، طلبنا من أهلنا تقديم الأدوية التي لا يحتاجونها لعله يستفيد منها المحتاجون. أمّا بالنسبة للمواد الغذائية التي تصلنا، فنقدمها للجمعيات التي نثق بها، لتهتم هي بتوزيعها".

في خيمة "ثورة تشرين- جبيل"، يتكرر المشهد نفسه، حيث يأتي عشرات المواطنين يومياً لتقديم المواد الغذائية والثياب والأغطية، ويهتم ثوار جبيل بعدها بتوضيبها في صناديق وتوزيعها بحسب حاجة كل عائلة وعدد أفرادها. ويوضح الثوار أنهم لا ينتظرون يوماً معيناً للتوزيع، بل يقدمون المساعدات، فور جهوزها الى المحتاجين في قضاء جبيل. أمّا في حال معرفتهم بعوز عائلة ما في ضبية مثلاً، فلا يتأخرون بالتواصل مع ثوار "جل الديب" لتأمين المساعدة".

خيمة مساعدات ثوار جل الديب تشبه خيمة جبيل، تتكدس فيها الاغطية والوسادات والأدوية والثياب والمواد الغذائية والحليب والحفاضات للأطفال، ويهتم الثوار بتوزيعها شخصياً على المحتاجين. كذلك، يؤمّنون الفحوصات الطبية للمرضى غير القادرين على تسديد فواتيرها، إما من خلال تبرع بعض المختبرات الطبية بها (بطلب من الثوار) أو من خلال التبرعات المالية المتواضعة التي يقدمها الثوار لتسديد ثمنها. يقول ثوار جل الديب إنّ "خيمة التبرعات نصبت منذ شهرين تقريباً، ونستقبل التبرعات من الناس وطلبات المساعدة من المحتاجين يومياً. وأخذنا على عاتقنا، توزيع المساعدات الى بيوت الناس وفعلاً توجد حالات توجعنا وتبكينا لشدة فقرها وعوزها".

كيف يمكنكم المساهمة؟

- التبرع بالمال لشراء لوازم الصناديق؛ كل صندوق يكلف حوالى 180 ألف ليرة لبنانية.

- إرسال صناديق كاملة تحتوي على قائمة محددة من السلع وتسليمها إلى واحدة من نقاط التسليم الأربع في لبنان. للمزيد من المعلومات عن هذه المواقع، يرجى الاتصال على: +961 4 444 961.

- تقديم المساعدة في مجال الخدمات اللوجستية على أرض الواقع مثل التعبئة وتوزيع صناديق التبرعات.

وللحصول على مزيد من المعلومات عن التبرع أو التطوع، يمكن التواصل مع مجموعة «اطعام لبنان الآن» عبر [email protected] أو الاتصال على: +961 4 444961.


MISS 3