خالد أبو شقرا

"الفاو" تحتفل بـ"يوم الأغذية العالمي" وتحضّ على تعزيز الإنتاج وتحسين جودة الحياة

"مشوار" القضاء على الجوع يبدأ بدعم القطاع الزراعي بالأفعال... لا بالأقوال

14 تشرين الأول 2022

02 : 01

حسن استغلال الموارد الطبيعية يحدّ من الجوع ويساعد على تأمين دورة إنتاجية واقتصادية فعّالة (تصوير: الفاو - لبنان)
أضاءت منظمة الفاو "شمعة"مساعدة المزارعين، في يوم الأغذية العالمي، بدلاً من لعن "ظلام" عجز الأغلبية عن تحمّل كلفة نمط غذائي صحي. في مثل هذا اليوم من كل عام، تعمل "المنظمة" التابعة للأمم المتحدة، على تزويد القطاعات المعنية بالغذاء بـ"صنّارة" تعزيز الإنتاج، زيادته وتنويعه، وجعله بمتناول الجميع، بدلاً من إعطاء المحتاجين "سمكة" الإعاشات التي قد تشبع، لكنها لا تغني عن جوع. هذا العام لم تشذّ الفاو عن أهدافها، حيث احتفلت في لبنان والعالم بيوم الأغذية العالمي تحت شعار "أفعالنا هي مستقبلنا، إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل وحياة أفضل".





لا تختلف معاناة اللبنانيين في انعدام القدرة على توفير غذاء صحي كافٍ، عمّا يعانيه ملايين الأشخاص حول العالم، ولو اختلفت الأسباب. فهناك بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO، ما يكفي من الأغذية لإطعام جميع سكان كوكب الأرض، إنما المشكلة تكمن في القدرة على الوصول إلى الأسواق وتوافر الأغذية. وهذان العاملان تعيقهما تحديات متعددة، أبرزها بالنسبة إلى لبنان:

- ارتفاع الأسعار، وهذا يعود بشكل أساسي لتدهور سعر الصرف، وفقدان الرواتب والأجور المقومة بالعملة الوطنية أكثر من 95 في المئة من قيمتها الشرائية.

- الاعتماد بشكل كبير على السلع الغذائية المستوردة، بسبب ضعف الإنتاج المحلي وعدم كفايته.

- غياب برامج الحماية الاجتماعية وخصوصاً لسكان الأرياف. الأمر الذي يؤدي إلى هجر الأعمال الزراعية وتوجّه المزارعين إلى أحزمة البؤس في المدن. الأمر الذي يضاعف المشكلة، ويزيد من نسب البؤس.

- عدم توفر الدعم للمشاريع الإنتاجية الصغيرة.

معوقات تزعزع الأمن الغذائي

لكي لا يبقى الحديث في الإطار النظري، تلفت السيدة ليليان مخايل من جرود البترون، إلى أنها بادرت مع زوجها في العام 2020 إلى استصلاح أرض في المنطقة، وبناء خيم بلاستيكية لزراعة الخضار. وذلك بعدما تحوّلا إلى عاطلين عن العمل بسبب الجائحة. إلّا أن المشروع الذي استنفد ما ادّخروه، لم يبدأ بالإنتاج بعد بسبب عدم توفر مياه الري. مثلها، يعاني المزارع جورج الرميلي من منطقة نيحا – البقاع، من تأمين التمويل الكافي للاستمرار في زراعة أشجار الكرمة. وهو يواجه صعوبة في التجليل وبناء الدعائم لأشجار العريش، وتوفير الري وحماية أرضه من الانزلاقات. وكل ما يطلبه أن يضع أحدٌ معه «كتفاً» للمتابعة في هذا المشروع الإنتاجي والإنمائي على حد سواء.

على غرار كل من ليليان وجورج، تلفت السيدة ريما الرشيد، العضو في مجموعة نساء «مشتى حسن – عكار»، إلى حاجة المجموعة لتمويل عملية شراء المعدّات اللازمة للصناعات اللبنية، وتحويل إنتاج الحليب إلى سمنة وجبنة وزبدة ولبنة وقريشة... وغيرها من المنتجات. فدعم هذه المجموعة ومساعدتها على النمو والاستمرار لا يؤمن الحفاظ على عشرات فرص العمل للنساء في القرى الريفية، إنما يساعد أيضاً على تحقيق الأمن الغذائي وتشجيع الزراعة وتأمين مورد مالي لمزارعي الأبقار. فالصناعات البلدية التي تعتمد على مشتقات الحليب أساسية في النظام الصحي وهي تباع بأسعار أقل بكثير من السلع المستوردة»، تقول الرشيد. «كما تشتري التعاونية الحليب بأسعار جيدة «غير محروقة»، ما يضمن استمرار مربّي الماشية في مزارعهم وتطويرها».

المساعدة على الإستمرار والنمو

هذه العيّنة من المزارعين وأعضاء التعاونيات الزراعية، إضافة إلى المئات من الأفراد والجمعيات المعنية بالقطاع، استفادت في يوم الأغذية العالمي من منح مادية وعقود ومساعدات وهبات، من أجل الإستمرار في الأعمال. هذه المساعدات تأتي بعد عامين من استفادة ما يفوق 250 تعاونية وجمعية، ومجموعة نسائية من التدريب على مواضيع تتعلق بالتعاونيات وبإدارة الأعمال وبمواضيع مختلفة ذات صلة من مختلف المناطق اللبنانية. كما تمّ يوم أمس توقيع عقود مساعدات من أجل تنفيذ أنشطة استثمارية في بنى تحتية زراعية بين المزارعين والمزارعات مع الفاو من خلال وزارة الزراعة - المشروع الأخضر. وبحسب ممثلة منظمة الأغذية والزراعة في لبنان نورة أورابح حداد «فإن دعم المزارعين والتعاونيات يتقاطع مع أهداف يوم الأغذية العالمي الذي تقيمه الفاو في 13 تشرين الأول من كل عام. خصوصاً في مثل الظروف التي يمرّ بها العالم عموماً، ولبنان خصوصاً. حيث يجري في هذا اليوم تسليط الضوء على أهمية القطاع الزراعي وخاصة في الشق المتعلق بالأمن الغذائي. فلبنان بحاجة إلى رفع كفاءة الإنتاج في بعض المحاصيل التي يتميّز بها من أجل تحسين أوضاع المزارعين، وتأمين الاكتفاء الذاتي في المحاصيل المنتجة محلياً. من هنا فإن دورنا كمنظمة دولية للأغذية والزراعة مهم جداً وبالتعاون مع وزارة الزراعة وغيرها من الشركات من القطاعين العام والخاص من أجل رفع الكفاءات الإنتاجية في القطاعات الزراعية والمساعدة على التسويق ودعم كل سلاسل القيمة التي يتميّز بها لبنان»، تقول حداد.

الدعم المادي والتقني للمزارعين لا يساهم بتعزيز الإنتاج ورفع جودته فقط، إنما يساعد على تصريف المنتجات بأسعار بمتناول الجميع. وبالتالي يعزز صمود المزارعين والمستهلكين في القرى والأرياف. وعليه يؤمن عناصر متكاملة لمحاربة الفقر والجوع. وبرأي حداد فإن «شعار يوم الأغذية العالمي لهذا العام يدفعنا إلى التفكير بأهمية العمل الجماعي والتشاركي لجعل النظم الزراعية والغذائية، أكثر شمولاً واستدامة. فلكل منّا دور يؤدّيه في هذا الإطار. لذا علينا جميعاً، من الحكومات إلى القطاع الخاص، والمجتمع المدني، الأوساط الأكاديمية، والأفراد بمن فيهم الشباب، أن نصبح جزءاً لا يَتَجَزّأ من التغيير».

أهمية العمل التعاوني

في المقابل يبرز الدور المهم والمميز للتعاونيات في يوم الأغذية العالمي. فالتعاونيات الزراعية الجدية والمسؤولة تقلّل المخاطر على المزارعين وتخفّض أكلاف الشراء والإنتاج بشكل كبير، تبعاً لـ»نظرية وفورات الإنتاج». كما يساعد أسلوب عمل التعاونيات على خفض التحديات وزيادة فرص الوصول إلى الأسواق، والبيع بأسعار قليلة. وعليه فإن التعاونيات كمؤسسات تقوم على العمل الجماعي تسمح للمزارعين والمزارعات بتجميع الجهود لتقليل التكاليف. وبالتالي زيادة الإنتاج وجودته والمساهمة بالتعويض عن المستوردات. و»في لبنان يوجد ما بين 450 إلى 500 تعاونية زراعية تشكل نحو 50 في المئة من مجمل التعاونيات في لبنان»، بحسب المديرة العامة للتعاونيات المهندسة غلوريا أبو زيد. لكن مع الأسف فإن هذا القطاع كان يعاني بعض الفوضى. حيث كان يُعمل على تأسيس تعاونيات من أجل الحصول على مساعدات فقط. علماً أن هذا القطاع يعتبر واحداً من أهم العناصر لتحريك عجلة الاقتصاد». هذا عدا مساهمة التعاونيات في تعزيز مبادئ العدالة والديمقراطية... وغيرها من المبادئ والقيم التي تؤسس لمجتمع صحي وعادل». وبحسب أبو زيد فقد جرى دعم 150 تعاونية من ضمن برنامج رائدات الريف. الأمر الذي ساعد على استمرارها وتطوير الأرياف وحماية الأمن الغذائي».

يوم الأغذية العالمي الذي يهدف إلى زيادة وَعي الرأي العام بمشكلة الجوع في العالم، والتشجيع على توجيه قدر أكبر من الاهتمام إلى الإنتاج الزراعي في جميع البلدان، حقق أهدافه في لبنان. على أمل توسيع رقعة المبادرات وزيادة دعمها من أجل تأمين الأمن الغذائي ومساعدة المواطنين على الصمود في وجه واحدة من أعتى الأزمات.