أسعد بشارة

هل يصدّق باسيل ما يقول؟

18 تشرين الأول 2022

02 : 00

هل سيؤتي الأوكسجين المستمرّ الذي يحقن به «حزب الله» جبران باسيل ثماره، على وقع انتصارات الترسيم الذي أريد له أن يكون احتفالياً إلى درجة مثيرة للضحك؟ على الأرجح لن تكون نتائج نفخ الانتصارات كما يشتهيها أصحابها، فالواقع الكارثي الذي عاشه لبنان خصوصاً في السنوات الست الأخيرة، وإن كان غير مفاجئ لمن يعرفون العماد ميشال عون جيداً، فهو واقع جلي لن تنفع مساحيق الترسيم في تغطية كوارثه المستدامة والطويلة الأمد.

ليس من أقلّ كوارث هذا العهد ما نشرته «الدولية للمعلومات» عن نسبة التعطيل التي عطّل بها العهد نفسه في مناكفات صهر العهد التي لا تلبث أن تنتهي إلا لتبدأ، من أزمة الاستحواذ على كل المكاسب في الدولة، إلى زياراته التي تحمل روائح الفتنة في الجبل وطرابلس، الى الخطاب الشهير الذي هدّد فيه بجرف معارضيه في 13 تشرين 2019، وهذا الخطاب الذي كان إحدى الشرارات التي فجّرت «ثورة 17 تشرين». كلها أحداث شهدت مفاجآت لم تفاجئ أحداً. فهذا بكل بساطة هو ميشال عون المتوقّع وهذا هو عهده، وهذا هو صهر عهده.

لم يستمع الرئيس سعد الحريري إلى التحذيرات التي تلقّاها عن خطورة ما كان يزمع القيام به، ولم يتردد الدكتور سمير جعجع بمدّ اليد مع علمه بحكم الخبرة الطويلة أنّ مخاطر عون في بعبدا، لا يمكن حصرها، فكان انتخاب الحالم الرئاسي الدائم، أكبر عملية هروب إلى الأمام، وأكبر ضربة بعد العام 1988 يتلقّاها الواقع اللبناني، ولا بأس منذ الآن بالبدء بقياس حجم الأضرار التي نتجت عن المرحلتين، كما الأضرار التي ستلي خروج عون من بعبدا على وقع الانتصارات الوهمية، التي لا تكاد تصدّق نفسها كي يصدّقها الآخرون.

في انتصارات الترسيم التي أعلنها باسيل، معادلة تشي ببعض المهانة. ففي حين يدرك الجميع بمن فيهم الأطفال أنّ صاحب القرار بالتفاوض والترسيم يقيم في الضاحية ولا يقطع الخيط قبل أخذ الضوء الأخضر ممن يجلس في طهران، سعى باسيل لإقناع مستمعيه بأنه الواضع الخفيّ للمعادلات وبأنه باني الاستراتيجيات، وهذا بحدّ ذاته سلوك بات معروفاً منذ توقيع اتفاق مار مخايل، حيث يعمد «حزب الله» الى نفخ حليفه، كي لا يلاحظ الفرق في الأحجام والتأثير، لكن في ملف الترسيم بدا باسيل وكأنه يصدق ما يقول، وهذا إن كان صحيحاً فسيكون تعبيراً عن حالة تستوجب المتابعة الدقيقة.

لن يكتمل المشهد البائس هذا إلّا بالخروج الاستعراضي من قصر بعبدا، ولعلّ قدر هذا القصر مع عون أن يكون مسرحاً دائماً لأكبر حالة استعراضية وشعاراتية شهدها لبنان في تاريخه. دخل عون رئيساً قوياً مع وعد بصنع المعجزات، وسيخرج حاملاً شعار لبنان البلد النفطي كانتصار غير مسبوق، لعهد أغرق اللبنانيين بستّ سنوات من بيع الأوهام. أمّا في الدخول وفي الخروج فمآثر لو قيّض لواصا باشا أن يعايشها، لزاد الى مواهبه في الحكم، مواهب نوعية.

في مشهد نهاية الولاية الرئاسية، ما يشي بأنّ التحضير قائم لإحداث المزيد من الأضرار التي لم تكفِ السنوات الستّ للتسبّب فيها، في الطريق السريع إلى جهنم.