عبده جميل غصوب

قراءة قانونية لقرارات المجلس الدستوري بشأن الطعون النيابية

26 تشرين الأول 2022

12 : 30

قرارات المجلس الدستوري رقم 3/2022، 4/2022، 5/2022، 6/2022 و7/2022 التي فصلت بالطعون النيابية الاخيرة، أكدت على مبادئ اجرائية ( أولاً ) وجوهرية ( ثانياً ) سبق للمجلس ان تبنّى معظمها في قرارات سابقة. واطلق البعض الاخر للمرة الاولى. وقد أيدنا بعضها ( الفقرة الاولى ) فيما لم نؤيد البعض الآخر ( الفقرة الثانية ).


الفقرة الأولى: في تأييد بعض ما ذهب اليه المجلس الدستوري


نؤيد المجلس الدستوري في الامكنة الآتية:


اولاً : المبادئ الاجرائية التي أكد عليها المجلس الدستوري في قراراته الجديدة


أ ـ عدم جواز الاعتداد بالعموميات بصورة مبهمة وغير واضحة، دون تقديم اي دليل حسي جدي

أكد المجلس الدستوري في قراراته الخمس الاخيرة عدم جواز استناد الطاعن الى العموميات بصورة مبهمة وغير واضحة ودون تقديم اي دليل حسي جدي او بدء دليل يضفي عليه الجدية والمصداقية. فالارتكاز الى ما تناولته وسائل الاعلام بصورة عامة والى مضامين تقارير المندوبين والمراقبين للعملية الانتخابية لا يغير شيئا في النتيجة التي تم التوصل اليها، طالما بقيت في اطار العموميات غير الصالحة للانطلاق منها للتحقيق.

(راجع القرارات رقم 3/2022 و 6/2022 و 7/2022).


ب ـ عدم جواز تقديم اي لائحة او مذكرة اضافية على الطعن بعد مرور مهلة الثلاثين يوما وعدم جواز ابراز اي مستندات مؤيدة للطعن بعد هذا التاريخ

أكد المجلس الدستوري في القرارين رقم 3/2022 و 5/2022 ان مهلة الطعن هي ثلاثون يوما من تاريخ اعلان النتائج. وعلى الطاعن ان يرفق بالطعن المستندات والوثائق التي تؤيده عملا بالمادتين 24 و25 من قانون انشاء المجلس الدستوري رقم 250/93. وانه في حال التسليم جدلا بجواز تقديم لائحة توضيحية بعد الطعن، فانه يجب تقديمها خلال فترة الثلاثين يوما المنوه عنها لابلاغها من الخصم كي يناقشها ضمن المهلة القانونية المعطاة له.

(راجع القرار رقم 3/2022).


فبموجب المادة 24 من قانون انشاء المجلس الدستوري رقم 250/99 والمادة 46 من قانون نظامه الداخلي رقم 243/2000، يقدم المرشح الخاسر الطعن، في مهلة ثلاثين يوما تلي تاريخ اعلان نتائج الانتخابات في دائرته ، تحت طائلة رد الطعن شكلاً.


وان المادة 25 من القانون رقم 250/99 التي عطفت عليها المادة 46 من القانون رقم 243/2000 نصّت عن وجوب تضمن الطعن الاسباب التي يستند اليها، وان ترفق به الوثائق والمستندات التي تؤيده، فلا يحق للطاعن تقديم اي لائحة او مذكرة او مستند بعد انقضاء مهلة الثلاثين يوما على صدور النتيجة. ولا مجال للتوسع بالتفسير وافساح المجال لتقديم المذكرات. ولكن يعود للمقرر او للمجلس ، عند الضرورة، تكليف الخصوم او احدهم بتقديم الايضاحات او المستندات اللازمة.


ان المجلس الدستوري في القرارين رقم 3/2022 و5/2022 كان حاسما حول هذه المسألة الاجرائية، وقد تجلى موقفه برفض ضم المذكرات اللاحقة للطعن الى ملف المراجعة واخراجها منه لعدم جواز تقديمها بعد انقضاء مهلة الثلاثين يوما.


ج ـ لا فرق او يوجه الطعن الى هيئة المجلس مجتمعة او الى رئيسه

اكد المجلس على قراره السابق رقم 18/97، تاريخ 17/5/1997 انه لا فرق في تقديم المراجعة الى المجلس كهيئة مجتمعة او الى رئيسه، فذلك لا يؤثر اطلاقا على قبولها ولا يؤدي الى ردها شكلا. طالما ان قلم المجلس هو الذي سيتسلمها وسيسجلها ويحيلها الى رئيسه الذي يتولى ابلاغها اصولاً.


د ـ لا ضرورة لذكر الدائرة التي ينتمي اليها الطاعن وصفته في اعلى المراجعة

أكد المجلس انه " من المستحسن " ذكر صفة الطاعن والدائرة التي ينتمي اليها في مطلع المراجعة الى جانب اسم الطاعن، الا ان هذا النقص لا يعود يشكل عيبا اجرائيا مفضيا الى رد المراجعة اذا كانت وقائع الطعن تثبت هاتين النقطتين المطلوبتين ، وهي كافية لازالة اي التباس قد ينشأ بخصوصهما.

(راجع القرار رقم 4/2022).


هـ ـ عدم اشتراط تقديم الطعن من قبل اللائحة باسرها بعد صدور القانون الجديد

اكد المجلس على قراراته السابقة رقم 6/2019 و1/2019 و9/2019 تاريخ 21/2/2019، التي انتهت الى انه لا يشترط اصلا تقديم الطعن من قبل اللائحة باسرها، بعد صدور القانون الجديد، لان قانون انشاء المجلس الدستوري اعطى المرشح الخاسر، حق تقديم طعن في صحة الانتخابات. فلا يجوز تقييد هذا الحق بشرط موافقة اللائحة على تقديم الطعن.


وـ عدم الاخذ بالمخالفات اسباب الطعن في حال عدم اتخاذ الطاعن اجراءات قانونية مسبقة بشأنها امام المراجع القضائية والادارية المختصة

أكد المجلس بهذا الخصوص على قراراته السابقة: رقم 15، تاريخ 8/12/2000 و8/97، تاريخ 17/5/1997 و16/2000، تاريخ 8/12/2000 و19/2000، تاريخ 8/12/2000، التي انتهت كلها الى عدم الاخذ بالمخالفات او الافعال المشكو منها كاسباب طعن، في حال عدم اتخاذ الطاعن اجراءات قانونية مسبقة بشأنها امام المراجع القضائية او الادارية المختصة؛ كأن يتقدم مثلا الطاعن بشكوى او يدون اعتراضا او تحفظا امام المراجع المختصة. فلا يؤخذ بما تناولته الصحف ووسائل الاعلام وتقارير الجمعيات الواردة بصيغة التعميم والخالية من الاثبات الدقيق.


ثانياً : المبادئ الجوهرية التي أكد عليها المجلس الدستوري في قراراته الجديدة

أ ـ كيفية توزيع المقاعد النيابية

أوضح المجلس في قراره رقم 4/2022 انه بالعودة الى المادة 99 من قانون الانتخاب رقم 44/2017 يتبيّن ان المشترع بعد ان اوضح كيفية تحديد عدد المقاعد العائدة لكل لائحة وتوزيعها انطلاقا من الحاصل الانتخابي وكيفية تحديد هذا الحاصل، نصّت في بندها الرابع وما يليه على ما يلي:


البند 4: تمنح المقاعد المتبقية للوائح المؤهلة التي نالت الكسر الاكبر من الاصوات المتبقية من القسمة الاولى بالتراتبية، على ان تتكرر هذه العملية بالطريقة عينها حتى توزيع المقاعد المتبقية كافة.


البند 5: بعد تحديد عدد المقاعد الذي نالته كل لائحة مؤهلة، يتم ترتيب اسماء المرشحين في قائمة واحدة من الاعلى الى الادنى، وفقا لما ناله كل مرشح من النسبة المئوية للاصوات التفضيلية في دائرته الصغرى او في دائرته التي لا تتألف من دوائر صغرى.


البند 6: تجري عملية توزيع المقاعد على المرشحين الفائزين بدءا من رأس القائمة الواحدة التي تضم جميع المرشحين في اللوائح ، فيعطى المقعد الاول للمرشح الذي حصل على أعلى نسبة مئوية من الاصوات التفضيلية ويمنح المقعد الثاني للمرشح صاحب المرتبة الثانية في القائمة وذلك لاي لائحة انتمى ، وهكذا بالنسبة للمقعد الثالث حتى توزيع كامل مقاعد الدائرة للمرشحين المنتمين لباقي اللوائح المؤهلة.


البند 7: يراعى في توزيع المقاعد على اللوائح الشرطان الآتيان:

ـ ان يكون المقعد شاغرا وفقا للتوزيع الطائفي للمقاعد و / او في الدائرة الصغرى ؛ اذ بعد اكتمال حصة مذهب و / او الدائرة الصغرى فمن الدائرة الانتخابية يخرج حكما من المنافسة باقي مرشحي هذا المذهب و / او الدائرة الصغرى بعد ان يكون استوفى حصته من المقاعد.


ـ ان لا تكون اللائحة قد استوفت نصيبها المحدد من المقاعد، فاذا بلغت عملية التوزيع مرشحا ينتمي الى لائحة استوفي حصتها من المقاعد، يتم تجاوز هذا المرشح الى المرشح الذي يليه. وانه عملا بمنطوق البند السادس اعلاه، يجري توزيع المقاعد على المرشحين الفائزين بدءا من رأس القائمة الواحدة، فيعطى المقعد الاول للمرشح الذي حصل على اعلى نسبة مئوية من الاصوات التفضيلية والمقعد الثاني للمرشح صاحب المرتبة الثانية في القائمة. وهكذا بالنسبة للمقعد الثالث، حتى يتم توزيع كامل مقاعد الدائرة للمرشحين المنتخبين لباقي اللوائح المؤهلة مع مراعاة شرطي شغور المقاعد وفقا للتوزيع الطائفي و / أو في الدائرة الصغرى، وعدم اكتمال النصيب المحدد لكل لائحة من المقاعد.


ب ـ تأثير المخالفة على صحة الانتخاب يجب ان يكون حاسماً : مبدأ التأثير الحاسم

Principe de l’influence déterminante

أكد المجلس الدستوري ان تأثير المخالفة على صحة الانتخاب يجب ان يكون حاسما. وقد استلهمت معظم قرارات المجالس الدستورية في العالم مبدأ التأثير الحاسم Principe de l’influence déterminante، اي يجب توافر صلة سببية مباشرة بين المخالفة وفوز المطعون في نيابته.

(راجع القرار رقم 6/2022).


كما أكد المجلس على استمراره في اجتهاده السابق الذي استقر على ضرورة ان يثبت مستدعي الطعن ليس المخالفات فحسب، انما ايضا الصلة السببية بين تلك المخالفات والنتيجة التي نالها النائب المطعون بفوزه: قرارا المجلس الدستوري: رقم 15/97 تاريخ 17/5/1997 ورقم 11/2000، تاريخ 8/12/2000.


هذا فضلاً عن عدم جواز تحميل المطعون ضده او اللائحة التي ينتمي اليها نتائج التلاعب، عندما يطال هذا الاخير جميع اللوائح ولا يكون للمطعون ضده يد فيه.

(قرار المجلس الدستوري رقم 19/2016).


ج ـ عدم جواز البناء على ما يبتغيه المعترض من المشترع

أكد المجلس الدستوري في قراره رقم 6/2022، انه لا يجوز البناء على ما يبتغيه الطاعن من المشترع

De lege ferenda، انما يطبق المجلس القانون الوضعي الساري المفعول راهنا De lege lata، المعزز بالاجتهاد المستمر.


د ـ ان الاصول الاستقصائية المتبعة من المجلس الدستوري لا تخل بالقاعدة العامة التي تلقي على عاتق الطاعن عبء اثبات مدعاه

أكد المجلس الدستوري في قراره رقم 6/2022 ان اختصاصه بالنظر في النزاعات والطعون الانتخابية، يقتصر على رقابة صحة الانتخابات وصدقيتها Validité et sincérité، وهو في ذلك يفصل في نزاع ناشىء بين مرشح طاعن ونائب مطعون في نيابته بالاستناد الى اسباب طعن واردة في المراجعة ووثائق ومستندات مرفقة بها، بحيث تكون لكل منازعة خصوصيتها وظروفها، ما يفسّر الحرص على ان تكون هذه الاسباب مذكورة بدقة كافية. وانه، وان كان المجلس الدستوري يتمتع في الطعون النيابية بسلطة تحقيق واسعة نظرا لكون اصول المحاكمات المتبعة لديه هي ذات طابع استقصائي حسبما جاء في المادة 32 من قانون انشائه والمادة 48 من نظامه الداخلي، فان ذلك لا يخل بالقاعدة العامة التي تلقي على عاتق الطاعن مبدئيا عبء اثبات مدعاه، او على الاقل تقديم بيّنة او بدء بيّنة من شأنهما اضفاء المنطق والجدية والدقة على ادعائه وتمكين المجلس من الانطلاق في ممارسة سلطة التحقيق الكفيلة بتكوين اقتناعه لجهة تاكده من الوقائع وتثبته منها، كان يثبت مثلا الطاعن بانه تقدم من رئاسة قلم الاقتراع او من لجنة القيد باعتراض على المخالفات التي ينسبها الى العملية الانتخابية داخل قلم الاقتراع او خارجه وبشكل عام ان يكون قد اتخذ الاجراءات القانونية ازاء المخالفات التي يدعي انها حصلت انتقاصا من حقوقه او انتهاكا لها، سيما حقه بانتخابات نزيهة؛ فلا يسع المجلس الاعتداد بالادعاءات والاقوال التي يدلي بها الخصوم، اذا لم تتصف بالدقة الكافية. ولا يسعه التوقف عند الاتهامات ذات الطابع العام او غير المؤيدة ببيّنة او بداية بيّنة.


نؤيد المجلس الدستوري في كل ما توصل اليه اعلاه. وفي كل العناوين المطروحة اعلاه في هذا المقام. ولكننا نخالفه في الحالتين الاخيرتين، المبيّنتين ادناه.


الفقرة الثانية : في مخالفة بعض ما ذهب اليه المجلس الدستوري

نخالف المجلس الدستوري في مكانين:


اولاً : في المبدأ الاجرائي الوحيد غير المؤيد: عدم بيان الطاعن مطالبه بعد الابطال

ذكر القرار رقم 7/2022 ( المرشح ابراهيم سمير عازار / النائبين شربل مسعد وسعيد سليمان الاسمر)، انه ورد في مذكرة المستدعي ضده الاول الجوابية ( مسعد ) المعلن فوزه بانه يقتضي رد مراجعة الطعن شكلا لعدم تضمنها اي طلب سوى طلب ابطال النتيجة النهائية، تاركا للمجلس الدستوري اتخاذ القرار المناسب.


وانه يتبيّن من مراجعة مطالب المستدعي الواردة في ختام استدعاء الطعن، ان هذا الاخير طلب تحديدا " ابطال نيابة الدكتور شربل مارون مسعد والمهندس سعيد سليمان الاسمر ( المطعون بصحة نيابتهما ) واتخاذ القرار المناسب نتيجة ابطال نيابتهما وفقا لصلاحيات المجلس الدستوري"، واضاف القرار : ان هذا يتماشى مع نص المادتين 25 من قانون انشاء المجلس الدستوري ( القانون رقم 250 / 1993) والمادة 46 من نظامه الداخلي، اللتين اوجبتا ان تقترن مراجعة المرشح الخاسر بطلب يرمي الى الطعن في صحة انتخاب نائب فائز في دائرته الانتخابية. كما ان طلب المستدعي هذا يتفق مع ما نصت عنه المادة 31 من قانون انشاء المجلس التي اعطت حق الخيار للمجلس الدستوري عندما يعلن ابطال نيابة المطعون بنيابته، بان يقرر اما الغاء النتيجة بالنسبة الى المرشح المطعون في نيابته وبالتالي تصحيح هذه النتيجة واعلان فوز المرشح الحائز على الاغلبية. واما ابطال النيابة وفرض اعادة الانتخاب على المقعد الذي خلا بنتيجة ذلك الابطال.


واضاف المجلس انه سبق له واعتبر في قراره رقم 5/2022 ( ميرنا المرّ / كابريال المرّ ) ان حق الخيار هذا متروك بحسب صراحة النص لتقدير المجلس الدستوري " المطلق فلا يمكن لارادة اي مرشح ينازع لديه ان يعطلّه "، فيكون هذا الدفع الشكلي مردودا لعدم صحته وعدم قانونيته.


لقد مزج المجلس الدستوري هنا بين امرين اجرائيين مختلفين تماماُ؛ فالسلطة المطلقة للمجلس في اختيار حل من اثنين ( اما الغاء النتيجة واعلان فوز المرشح الحائز على الاغلبية، واما ابطال النيابة وفرض اعادة الانتخاب على المقعد الذي خلا بنتيجة الابطال المذكور ) غير منازع فيه اصلا ( والطاعن لم ينازع فيه ) لانه حل ينهض من نصوص واضحة وصريحة اشار اليها المجلس في قراره. ولكن المسألة المطروحة ليست هنا، بل في مكان آخر. وهو ان الخيار المعطى للمجلس بين حلين بعد القضاء بابطال نيابة النائب المطعون بنيابته، لا يعفي الطاعن من بيان مطالبه بعد الحكم بالابطال؛ لان هذا الحكم يؤدي الى حالة من العدم ، يجب استكمالها باحد الخيارين الممنوحين قانونا للمجلس الدستوري؛ فينبغي وجوبا على الطاعن ان يصيغ مطلبه في احد الاتجاهين. ولا يرد على ذلك انه ترك الامر للمجلس ان يختار بما له من سلطة مطلقة في هذا المجال منحه اياها المشترع صراحة، لان المجلس لا يحل محل الطاعن. والطعن يترجم بمطالب واضحة وليس بترك الامر للمرجع القضائي؛ فاحكام قانون اصول المحاكمات المدنية (التي تشكل القانون العام في مادة الاجراءات ) تلزم المدعي ببيان مطالبه تحت طائلة رد الدعوى، سواء تمّ عرض النزاع على المحكمة بموجب استحضار ( المادة 442 أ.م.م ) ام بموجب عريضة مشتركة ( المادة 443 البند 4 أ.م.م ).


ان منح المجلس الدستوري الصلاحية " المطلقة " في اختيار احد الحلين المذكورين اعلاه، متعلق بصلاحية المجلس وليس بالواجب الاجرائي الملقى على الطاعن والمتمثل بوجوب بيان مطالبه بعد الابطال، لان هذا الاخير يؤدي الى حالة العدم، الذي لا يمكن ان يتوقف الطاعن عندها، بل يجب عليه بيان مطلب من اثنين بعد الابطال: اما احلال النائب الذي نال اكثر عدد من الاصوات ( اي الراسب الاول ) مكان النائب المبطولة نيابته واما اجراء انتخابات جديدة على المقعد الذي خلا بابطال النتيجة.


ان ما يزيدنا يقيناً بصحة هذا الموقف، ليس فقط واجب بيان المطالب بعد طلب الابطال في الطعون المقدمة عموما وامام المجلس الدستوري خصوصا، انما ايضا كون أحد الحلين المتاحين خيارا امام المجلس الدستوري، له ارتدادات اجرائية متعلقة بالصفة والمصلحة. فلا يحق للطاعن ان يطلب من المجلس اعتماد الخيار الاول المتمثل باحلال الخاسر الاول محل النائب المبطلة نيابته، الا اذا كان هذا الطاعن هو نفسه الخاسر الاول، والاّ يجب ان يرد طلبه هنا لانعدام صفة ومصلحة الطاعن الذي لا صفة ولا مصلحة له في ان يطلب احلال مرشح راسب آخر سواه محل النائب المبطلة نيابته ! انما فقط يجوز له صياغة هذا الطلب في حال واحدة هي التي يكون فيها الطاعن هو الخاسر الاول بعد النائب المطعون بنيابته.


اما اذا لم يكن الطاعن هو الخاسر الاول، فانه يحق له فقط ان يطلب بعد الابطال فرض اعادة الانتخابات على المقعد الذي خلا بنتيجة ذلك الابطال؛ شريطة ان يكون هو من طائفة النائب المبطولة نيابته والا انتفت صفته ومصلحته في التقدم بهذا الطلب.


ثانياً : في المبدأ الجوهري الوحيد غير المؤيد : مخالفة المادتين 8 و 109 من قانون الانتخاب رقم 44/2017

ذكر المجلس في قراره رقم 7/2022، وفي معرض رده على السبب المسند الى مخالفة هاتين المادتين: ان المستدعي ( ابراهيم عازار ) ياخذ على المستدعى ضده ( شربل مسعد ) عدم تقديم استقالته من ادارة مستشفى جزين الحكومي وفقا لاحكام كل من الفقرة ( ب ) من المادة 8 والمادة 109 من قانون انتخاب اعضاء مجلس النواب رقم 44/2017 الصادر في 17/6/2017، علما بانه مكلف مؤقتا بادارة هذه المستشفى وذلك منذ تاريخ 14/11/2018 ولا يزال يشغل هذه الوظيفة لغاية اليوم.


ويتابع المجلس في قراره اعلاه ان هذا السبب يطرح ثلاث مسائل قانونية، يقتضي معالجتها: هل ان المستدعى بوجهه الاول ( شربل مسعد ) هو من عداد الموظفين العامين الذين تنطبق عليهم شروط عدم الاهلية المنصوص عنها في الفقرة 1 – ب من المادة 8 من قانون الانتخابات ؟


- في حال النفي، هل تنطبق احكام الفقرة 1 – د من المادة 8 المذكورة على المدير العام بالتكليف، وهي التي تحظر الترشح على كل من " رؤساء واعضاء مجالس الادارة المتفرغين في المؤسسات العامة والهيئات العامة وشركات الاقتصاد المختلطة والشركات ذات الرٍأسمال العام ومؤسسات الحق العام ومديريها العامين ..." ( كما نصّت المادة حرفياً )؟


- في جميع الاحوال، هل تنطبق على القضية الحاضرة احكام المادة 109 من قانون الانتخاب التي تنص عن حالات تمانع خاصة بين عضوية المجلس النيابي ونشاطات اخرى ؟


في معرض رده على مسألة مدى توافر صفة الموظف العام في وضع المستدعي ضده الاول شربل مسعد، ذكر المجلس الدستوري ان المادة 8 ( 1 – ب ) من قانون الانتخاب رقم 44/2017، تنص انه " لا يجوز للاشخاص المذكورين ادناه، ان يترشحوا خلال مدة قيامهم بمهامهم او وظائفهم، خلال المهل التي تلي تاريخ انتهاء خدماتهم او تاريخ قبول استقالاتهم وفقاً لما يلي:


أ ـ ...


ب ـ الموظفون من الفئتين الاولى والثانية، الا اذا تقدموا باستقالاتهم، وانقطعوا فعليا عن وظيفتهم قبل ستة اشهر على الاقل من تاريخ انتهاء ولاية مجلس النواب".


واضاف المجلس انه يقتضي في ضوء ما تقدم، تفسير عبارة الموظف العام ومعرفة ما اذا كان هذا الوصف ينطبق على المستدعى ضده الاول شربل مسعد وما اذا كان تكليفه المؤقت بادارة المستشفى من قبل وزير الصحة يدخله في عداد الموظفين العامين الذين تنطبق عليهم شروط عدم الاهلية المنصوص عنها في الفقرة ( 1- ب) من المادة 8 من قانون الانتخابات؛ اي بمعنى آخر يقتضي التحري عمّا اذا كان التعاقد الجاري بموجب هذا التكليف المؤقت يؤدي الى اضفاء صفة الوظيفة العامة

Fonction publique على العلاقة التعاقدية القائمة بين المستدعى ضده الاول شربل مسعد والادارة.


ثم انطلق المجلس في قراره اعلاه بصورة تفصيلية، الى تحديد مفهوم الوظيفة العامة الذي لا ينحصر من خلال تسمية الموظف او من خلال نظام واحد يعتمد للموظفين الدائمين او من خلال كيفية تعويض الموظف عن عمله، بل انه يتعدى المعيار الشكلي ليتصل بطبيعة الوظيفة التي يقوم بها العامل العمومي Agent public او الجهاز الاداري Personnel administratif الذي ينتمي اليه.


فالموظف العمومي Fonctionnaire public بالمفهوم القانوني للموظفين العامين هو ليس فقط الذي ينتمي بالضرورة الى ملاك دائم، بل كل من يساهم بصورة دائمة في تحقيق مرفق عام اداري تديره السلطة العامة بوسائل القانون العام عن طريق قيامه بعمل دائم. وان الموظف العمومي بالمفهوم القانوني للوظيفة العامة ليس فقط الشخص الذي ينتمي بالضرورة الى ملاك دائم، بل كل من يساهم بصورة دائمة في تحقيق مرفق عام اداري تديره السلطة العامة بوسائل القانون العام عن طريق قيامه بعمل دائم. وتابع المجلس في تعليله مضيفا انه بالنسبة للمتعاقدين المكلفين بصورة مؤقتة والذين يتم توظيفهم بصورة استثنائية، فان وصفهم القانوني يبدو هجيناً Hybride وذلك لارتباطهم مع الادارة بعقود مع انهم خاضعون للمتطلبات العليا للمرفق العام. وانه يقتضي التفريق بشأن هؤلاء بين المتعاقدين الموسميين لمهمة معيّنة ومؤقتة وهم لا يعتبرون من الجهاز الاداري، وبين المتعاقدين مع المرفق العام الذين يخصصون للادارة كامل نشاطهم او القسم الاكبر منه ويستفيدون من كل او معظم التعويضات والمخصصات والخدمات التي يستفيد منها الموظفون الدائمون ويتوجه الاجتهاد عادة بشانهم الى اعتبارهم بمثابة العامل العمومي وان كان وصفهم التعاقدي ينحصر في فترة التعاقد والبنود المتعلقة بالمهمة المطلوبة منهم.


وأنهى المجلس الدستوري انه بلنسبة الى وضع المستدعى ضدّه الاول شربل مسعد، يتبيّن من الاوراق والمستندات ما يلي:

- انه بعد صدور قرار التفتيش المركزي رقم 1/2018 تاريخ 26/2/2018، الذي قضى بوقف رئيس مجلس الادارة – المدير العام لمستشفى جزين الحكومي الدكتور جوزف كسرواني عن العمل مؤقتا لسلامة التحقيق، كلّف وزير الصحة العامة آنذاك المستدعي ضدّه الاول للقيام بادارة مستشفى جزين الحكومي وذلك لمدة مؤقتة وبشكل مجاني تسييرا لهذا المرفق العام وانطلاقا من مقتضيات الصالح العام الصحي والانساني، بحيث انه في نهاية التحقيق، يمكن لرئيس مجلس الادارة ـ المدير العام الموقوف عن العمل، اما العودة لمزاولة عمله خاصة اذا برئت ساحته من المخالفات المنسوبة اليه، او في حال العكس، يمكن انهاء وظيفته بشكل دائم وتعيين رئيس مجلس ادارة ـ مدير عام جديد لمستشفى جزين الحكومي. وفي كلتي الحالتين، تنتهي مهمة الدكتور شربل مسعد في ادارة المستشفى المذكور، وتاليا تتسم مهمته بطابع مؤقت ومجاني، وتخرج عن الإطار الوظيفي المعمول به في مستشفى جزين الحكومي.


- ان الدكتور شربل مسعد هو متفرّغ اصلا في " مركز لبيب الطبي " الخاص. وهو اختصاصي في امراض القلب والشرايين، منذ العام 2014 ولا يزال لغاية تاريخه، كما هو ثابت بالافادة الصادرة عن هذا المركز والمبرزة ربطا بجوابه على الطعن. كما انه لا يزال يعاين مرضاه في هذا المركز ويجري لهم عمليات تمييل وقسطرة للقلب، حسبما تقتضيه حالاتهم الصحية؛ ما يعني انه غير متفرغ لمهامه داخل مستشفى جزين الحكومي.


- ان الدكتور شربل مسعد لا يتقاضى اي راتب او تعويضات عن ادارته للمستشفى المذكور، وهو تاليا لا يخضع للنصوص التنظيمية للوظيفة العامة لجهة تحديد الراتب والتعويضات واصول التدرج والترفيع وخلافه المنطبقة على الذين يعملون بصورة دائمة وبدوام كامل لدى الادارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات. وهذا ما تؤكده الافادة الصادرة عن رئيس القسم المالي في مستشفى جزين الحكومي، بان المستدعي ضده الدكتور شربل مسعد لم يتقاض اي راتب شهري او اي تعويضات اخرى اعتبارا من تاريخ صدور قرار التكليف وطيلة فترة توليه لمهامه. ولا يستفيد من اي تقديمات اخرى.


وتابع المجلس في قراره رقم 7/2022، ان العلاقة القائمة بين مستشفى جزين الحكومي ـ وهو نوع من المؤسسات العامة ـ والدكتور شربل مسعد، ما يستوجبه حسن سير العمل وانتظامه في هذا المرفق العام ليس من شأنها ان تغيّر في الطبيعة القانونية التعاقدية والمؤقتة لعلاقة المستدعى ضده بالدولة (من خلال وزارة الصحة)؛ فضلا عن ان هذا التكليف لا يفرض عليه التفرغ والعمل بدوام كامل ودائم أسوة بالموظفين العامين في ملاكات الدولة. ولا تكون صفة الموظف العام متوافرة في المستدعى ضده الاول الدكتور شربل مسعد، وتاليا فانه يخضع لشروط عدم الاهلية المنصوص عنها في الفقرة 1 – ب من المادة 8 من قانون الانتخاب رقم 44/2017. وتابع المجلس الدستوري في قراره رقم 7/2022، في معرض جوابه على مسألة مدى انطباق احكام الفقرة 1 – د من المادة 8 على حالة المستدعى ضده الاول الدكتور شربل مسعد، بأن الفقرة 1 – د من المادة 8 من قانون الانتخاب تحظر الترشح للانتخابات النيابية على كل من "رؤساء واعضاء مجالس الادارة المتفرغين في المؤسسات العامة والهيئات العامة وشركات الاقتصاد المختلط والشركات ذات الرأسمال العام ومؤسسات الحق العام ومديريها العامين، الاّ اذا تقدموا باستقالاتهم وانقطعوا فعليا عن مهامهم قبل ستة اشهر على الاقل من تاريخ انتهاء ولاية مجلس النواب ". وان مستشفى جزين الحكومي هو من نوع المؤسسات العامة الخاضعة لاحكام المرسوم 4517، الصادر في 13 كانون الاول 1972 والمتعلق بالنظام العام للمؤسسات العامة، لذا فانه تقتضي معرفة ما اذا كان تكليف المستدعى ضده الاول بادارة هذا المستشفى مؤقتا ومجانا يدخله في عداد الاشخاص الذين تنطبق عليهم احكام الفقرة 1 – د من المادة 8 المشار اليها اعلاه.


رداً على هذه المسألة، ذكر المجلس في قراره رقم 7/2022 ان حق الترشح يتفرغ عن حق الانتخاب الذي كرسه الدستور، كما كرسته المواثيق الدولية التي احالت اليها الفقرة ( ب ) من مقدمة الدستور، التي اضحت جزءا لا يتجزأ منه. وقد نصّت الفقرة الاولى من المادة 21 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان انه " لكل شخص حق الاشتراك في ادارة الشؤون العامة لبلاده، اما مباشرة او بواسطة ممثلين يختارون بحرية ". كما نصّت الفقرة ( ب ) من المادة 25 من "العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية" ان كل مواطن يمتلك الحق من دون اي تمييز وبدون اية قيود غير معقولة، في ان يَنتخب ويُنتخب في انتخابات نزيهة، تجري دوريا بالاقتراع العام والمتساوي، وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن ارادة الناخبين".


وتابع المجلس انه – في حال فرض القانون استثناءات وقيوداً على حق الترشح للانتخابات النيابية، وهو حق سياسي اساسي، فان تفسير تلك الاستثناءات او القيود وتطبيقها يتم على نحو "ضيق لا يقبل التوسع ".


واضاف المجلس انه يقتضي معرفة ما اذا كان المستدعى ضده الاول يتمتع بصفة " رئيس او عضو مجلس ادارة متفرغ " او صفة " مدير عام " في المؤسسة العامة، وذلك على وجه الحصر؛ علما بان الفقرة الاولى من المادة 8 من المرسوم رقم 5559 تاريخ 26/5/2001 وتعديلاته (تحديد ملاك المؤسسة العامة التي تتولى ادارة مستشفى عام ومهام الوحدات ومؤهلات وخبرات العاملين فيها وسلسلة الرتب والرواتب للمستخدمين)، تنص انه " يرأس ادارة المستشفى العام مدير او مدير عام متفّرغ للعمل الاداري داخل المستشفى. ولا يحق له القيام باي عمل طبي ماجور".


وختم المجلس انه تبعا لما صار بيانه آنفا، ان لناحية قيام الدكتور شربل مسعد بعمل مؤقت ومجاني، أم لناحية عدم تفرغه واستمراره بقيامه بوظيفته الاساسية في مركز طبي آخر، فلا تكون شروط عدم الاهلية المنصوص عنها في الفقرة 1 – د من المادة 8 من القانون الانتخابي رقم 44/2017 متوافرة فيه.


وفي رده على مدى انطباق المادة 109 على المستدعى ضده الاول، ذكر المجلس الدستوري ان الفقرة الاولى من المادة 109 من القانون الانتخابي رقم 44/2017 تنص انه:


لا يجوز الجمع بين عضويه مجلس النواب ورئاسة او عضوية مجلس ادارة اي مؤسسة عامة او اي مؤسسة من مؤسسات الحق العام او وظيفة في ادارة عامة او مؤسسة عامة او بلدية او اتحاد بلديات او شركة ذات امتياز او شركة اقتصاد مختلط او شركة ذات رأسمال عام.


كما لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس النواب واية وظيفة دينية يتقاضى صاحبها راتبا او تعويضا ما من خزينة الدولة.

وان كل من يُنتخب نائبا من هؤلاء يعتبر منفصلا حكما من وظيفته، اذا لم يبلغ رفضه لعضوية مجلس النواب خلال شهر يلي اعلان نتيجة انتخابه.


وانهى المجلس خاتماً بانه يتضح مما سبق ذكره، ان المستدعى ضده الاول لا يدخل في عداد الموظفين العامين ولا هو من رؤساء مجلس ادارة مستشفى جزين الحكومي او اعضائه المذكورين في نص المادة 109 اعلاه. لذا فانه لا تتوافر فيه شروط حالات التمانع المنصوص عنها في الفقرة الاولى من المادة 109 من قانون الانتخاب رقم 44/2017.


لا بد قبل ابداء موقفنا من قرار المجدلس الدستوري رقم 7/2022 عن هذه المسألة الدقيقة، من ابراز العناوين الرئيسية التي انطلق منها المجلس توصلا الى المعيار الذي استند اليه، للخلوص الى رد السبب المبني على عدم اهلية النائب المنتخب الدكتور شربل مسعد للترشح عن المعقد النيابي عن دائرة صيدا - جزين الانتخابية.


لقد ركز المجلس في قراره على صفة الموظف العام معتبرا ان النائب المطعون ضده الدكتور شربل مسعد، تتسم مهمته بطابع مؤقت ومجاني وتخرج عن الاطار الوظيفي المعمول به في مستشفى جزين الحكومي. وهو متفرغ لدى مركز طبي آخر تابع للقطاع الخاص وما زال لغاية تاريخه. وانه لم يتقاضَ اي راتب شهري او اي تعويضات اخرى منذ تاريخ صدور قرار التكليف وطيلة فترة توليه لمهامه، ولا يستفيد من اي تقديمات اخرى. وان التكليف الحاصل لا يفرض على المطعون ضده الدكتور شربل مسعد التفرغ والعمل بدوام كامل أسوة بالموظفين العامين في ملاكات الدولة، فلا تكون صفة الموظف العام متوافرة في شخصه فلا يخضع تاليا لشروط عدم الاهلية المنصوص عنها في الفقرة 1 – ب من المادة 8 من قانون الانتخاب رقم 44/2017. وشدد المجلس على الطابع المؤقت والمجاني لعمله في المستشفى. وشدد ايضا على الطابع الاستثنائي للمنع المنصوص عنه في المادة 8 من قانون الانتخاب رقم 44/2017، اذ ان حق الترشح للانتخابات النيابية مكرس دستوريا وامميا، فيما المادة 8 من قانون الانتخابات ليست سوى استثناءا. وهي كما كل استثناء تفسّر وتطبق حصراً ولا يصح التوسع في تفسيرها.


ليس هذا هو المطلوب برأينا، اذ ان المجلس الدستوري اعتمد قاعدة واحدة في تفسير القوانين

Interprétation des textes législatifs بدون الالتفات الى قواعد اخرى لا تقل عنها شأناً واهمية.


فمبدأ الحق بالترشح يقابله مبدأ آخر لا يقل اهمية عنه هو مبدأ تكافؤ الفرص الانتخابية امام المرشحين، لان الغاية من المنع المنصوص عنه في المادة 8 من قانون الانتخاب رقم 44/2017، ليس الحد من طموح الموظف في الترشح للنيابة، بل الحؤول دون استغلاله لوظيفته العامة في الوصول الى مركز نيابي. وهنا بيت القصيد وليس في صفة او عدم صفة المطعون ضده الدكتور شربل مسعد؛ فهو – ولو لم يكن موظفا عاما حسب معيار مجلس شورى الدولة ـ لكنه يدير مرفقا عاما هو مستشفى جزين الحكومي. وينزل منزلة الموظف العام في تطبيق المنع المنصوص عنه في المادة 8 من قانون الانتخاب رقم 44/2017. فالمنع هو ـ وان يكن استثناء – يجب تفسيره بالاتجاه الذي ينتج فيه اثرا وليس بالاتجاه الذي يفرغه من مضمونه او على الاقل من الغاية منه، خصوصا وان التفسير الغائي للنصوص Interprétation fonctionnelle des textes législatifs هو تفسير جيد ويؤدي الى تفعيل النصوص لا الى تعطيلها، فيلاقي مبدأ آخر في تفسير النصوص القانونية هو تفسيرها بالاتجاه الذي يجعلها تحدث أثرا وليس بالاتجاه الذي يعطلها.


فالمعيار المعتمد ليس صفة الموظف الرسمي، بمعناها الحصري او حتى الواسع، طالما ان الجميع متفق ان المطعون ضده الدكتور شربل مسعد يقوم بادارة وتسيير مرفق عام؛ بل ان المعيار الحقيقي الواجب اعتماده هو مدى تمكن المطعون ضده الدكتور شربل مسعد من صرف نفوذه كمدير مؤقت ومجاني لمستشفى جزين في حملته الانتخابية ضد منافسيه، ما يضفي على المنع اهمية كبرى وخاصة، خصوصا وان عمله " مجاني ". وهنا يجب ان تكون " المجانية " سببا للتشدد في المنع وليس – كما ذهب اليه المجلس الدستوري – سببا للتساهل ! لان العمل المجاني قد يكون الهدف منه تولي المنصب، لتسهيل التواصل مع المواطنين وتأمين الخدمات لهم الى حد الخطر من ان يشكل رشوة انتخابية للناخبين (؟) بمعزل عما إذا كان هذا هو هدف الدكتور شربل مسعد ام لا (؟)، فهذا لا يهمنا هنا لاننا بصدد تعليق علمي على قرار قضائي لا نلتفت فيه الى حالات خاصة، بل نتطرق للامور بموضوعية مطلقة وتامة بمعزل عن وضع الخصوم.


ان التمانع المنصوص عنه في المادة 8 من القانون الانتخابي رقم 44/2017 ليس استثناء على مبدأ الحق بالترشح الى الانتخابات النيابية، بقدر ما هو مبدأ مكمل لهذا المبدأ، اذ يشكل حماية حقيقية له من الافراط في ممارسته وصولا الى حد صرف النفوذ الوظيفي في سبيل منفعة انتخابية هي في الحقيقة " رشوة انتخابية " من شأنها افساد العملية الانتخابية بكاملها، ليس فقط لانها مخالفة لروح القانون قبل نصّه، انما ايضا لانها تشكل ضربة قاضية لمبدأي تكافؤ الفرص بالنجاح امام المرشحين وعدم جواز صرف النفوذ الناشىء عن " الوظيفة " المتمثلة في حالتنا الحاضرة بتولي منصب ادارة مرفق عام هو مستشفى جزين الحكومي؛ وما ادراك " الخدمات الشخصية " التي يمكن لمرشح ان يؤديها لجمهور الناخبين من خلال توليه ادارة مستشفى حكومي في منطقة غائبة عنها بصورة شبه كاملة المستشفيات الخاصة، سوى بعض الخدمات الطبية المحدودة، البسيطة وغير الكافية. وهنا لا نقصد طبعا المطعون بنيابته الدكتور شربل مسعد شخصيا، بل نكرر ان كلامنا ياتي بالمطلق بدون ان نقصد شخصا محددا سواء اكان الدكتور شربل مسعد ام سواه.


ان الغوص في تحديد معيار تعريف " الموظف" للخلوص الى ان المطعون بنيابته الدكتور شربل مسعد ليس موظفا بحسب التعريف الذي اطلقه مجلس شورى الدولة، ليس موفقا لانه لم يكن في مكانه الصحيح، بل ان ما كان يقتضي فعله هو القول بان الدكتور شربل مسعد – من خلال توليه ادارة مستشفى جزين الحكومي – انما يتولى ادارة مرفق عام وبالتالي يسري عليه التمانع المنصوص عنه في المادة 8 من القانون رقم 44/2017؛ وليس استبعاد حالته من التمانع المذكور لعدم توافر العناصر اللازمة لتوصيف " حالته الوظيفية " . هذا فضلا عن ان المجلس اعتبر مجانية العمل في ادارة المستشفى سببا لاستبعاد تطبيق تماتع المادة 8 من قانون الانتخاب على المطعون في نيابته، في حين ان مجانية العمل هي حقيقة سبب اضافي مبرر لتطبيق التمانع، اذ لا مجانية بدون غاية في حقيقة الواقع الاجتماعي. فالمجانية هي سبب اضافي " للريبة " وللتشدد في تطبيق التمانع المنصوص عنه في المادة 8 من قانون الانتخاب وليست سببا لاستبعاد تطبيقه؛ خصوصا متى علمنا بان المطعون بنيابته الدكتور شربل مسعد – وبصفته رئيس مجلس ادارة مؤقت للمستشفى – لا يمكنه سوى ممارسة العمل الاداري دون العمل الطبي، ما ينزع اي طابع انساني او اجتماعي عن قبوله تولي المنصب المذكور مجاناً ودون اي مقابل.


اما الطابع المؤقت الذي ارتكز اليه المجلس ايضا، فلا يعول عليه، لانه قد يكون مؤثراً على معيار توصيف الموظف الرسمي، ولكنه ليس له اي تأثير على مفعول تمانع المادة 8 من قانون الانتخاب لان صرف النفوذ الوظيفي محتمل الوقوع سواء اكان متولي المنصب " الوظيفي " يتولاه بصورة دائمة او مؤقتة.


وأخيراً، بالنسبة الى عدم جواز الجمع بين عضوية مجلس النواب وبعض " الوظائف " المعددة في المادة 109 من قانون الانتخاب فان ما ذكرناه بخصوص تمانع المادة 8 يصح ايضا بخصوص عدم الجمع المنصوص عنه في المادة 109 من القانون الانتخابي رقم 44/2017؛ اذ من المحتمل ان يعمد النائب متولي منصب رئيس مجلس ادارة مستشفى حكومي ان يقدم " خدمات شخصية لجمهور الناخبين تكون في حقيقتها صرف نفوذ، يوسّع من خلالها قاعدته الانتخابية عبر زيادة عدد ناخبيه، عن طريق صرف " نفوذه الوظيفي " واستخدام " مركزه الوظيفي " مكانا لتوسيع رقعة ما يسمى" زبائنيته الانتخابية " Clientèle électorale. وبخصوص صفة الطاعن ابراهيم عازار في نيابة المطعون ضده شربل مسعد ومصلحته في تقديم الطعن، فان الصفة والمصلحة تكونان متوافرتين في شخصه لطلب ابطال نيابة الدكتور شربل مسعد واحلال الخاسر الاول مكانه، اذا كان هو وليس سواه الخاسر الاول، اما اجراء انتخابات محصورة لملء الفراغ الناشىء عن ابطال نيابة الدكتور شربل مسعد، فلا صفة ولا مصلحة للطاعن ابراهيم عازار للتقدم بمثل هذا الطلب، لانه من غير طائفة المطعون بنيابته. ان هذا الموضوع بحاجة ـ فيما لو حصل ـ الى اعادة توزيع الحواصل الانتخابية على اللوائح لمعرفة نتائج الابطال. هذا بحث آخر، لسنا الان بصدده.


كم كان كبيراً رئيس المجلس الدستوري عندما قال عبر وسائل الاعلام انه يتمنى ان يقرأ نقدا علميا لقرارات المجلس. عرفناه قاضيا عدليا تميز بالصدق والنزاهة والدقة العلمية؛ وها هو اليوم - بالاضافة الى زملائه في المجلس ـ يعكس ذات الصفات.


أيدنا قرارات المجلس الدستوري الخمس الاخيرة الصادرة في 20/10/2022 في عدة اماكن. وعارضناها في اماكن أخرى أقل. إنه العلم القانوني، يتطور ويتشعب بتعدد رجال العلم واختلاف آرائهم. ولكن يبقى القرار القضائي قرارا، كلنا نحني رؤوسنا امامه ويبقى النقد رأيا بنّاءً يهدف الى الاضاءة على بعض النقاط. نختم بالقول: ارفعوا ايديكم عن القضاء. انه صمام الامان الوحيد، لا تدعوه يسقط، انقذوه مما هو عليه، انه ملاذنا الاخير. اسرعوا في اصدار قانون يرسي استقلاليته. كفى البعض تجريحاً به. لن يكون لنا لبنان جديد الا بقضاء مستقل.

MISS 3