شربل داغر

راس العبد

30 كانون الأول 2019

01 : 40

صديقة من باريس أرسلت فيديو يخص "إذاعة فرنسا الثقافية"، ويتناول لون التماثيل الإغريقية. فقد كشفت تحاليل متأخرة أن هذه لم تكن "بيضاء" أبداً، بل ملونة، أو مذهبة، أو ملونة ومذهبة في آن. وهذا يعني أن جانباً من تاريخ الفن الغربي يتساقط تماماً، لكون هذا التاريخ، بمروياته وأخباره وفلسفته وأحكام قيمته، قد بنى خطابه هذا على كون الفن الإغريقي القديم... أبيض الهيئة. وهو ما ترافق مع نظريات، لا سيما في القرن التاسع عشر، قالت بـ"تفوق" العرق الأبيض على غيره، في تراتبية للعروق انبنت على ألوان السحنة البشرية. وهو ما سيؤدي – بين جملة أسباب أخرى – إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية وجرائمها "العرقية" المشهودة...

وكانت قد تهاوت نظريات أخرى حول نشأة الكائن البشري، إذ ظهر ما كان يردده الرئيس والشاعر السنغالي الراحل ليوبولد سيدار سنغور على مسامعي، في غير مرة، من أن أصل البشرية... أسود، ابتداء من أفريقيا، ثم تدرجت ألوانه، بين سمراء وبيضاء وغيرها، بفعل انتقالها إلى أراضي المعمورة.

تتهاوى النظريات، من دون أن يتساقط الحكم العنصري، هنا وهناك، بما فيه في بلداننا. بل تفاقم الامر، حتى بات اللون الأسود قريناً بالعبد، حتى في بلداننا... السمراء.

هكذا تعلمتُ، في طفولتي، أن إحدى الحلويات تسمى "راس العبد" دلالة على لون الشوكولاتة االذي يغطي شكلها المقبب، أشبه بالرأس... وهو ما لبثت الشركة المنتجة أن بدلته، وأسمته: "طربوش"، من دون أن يروج الاسم إلا فوق العلب الكرتونية للحلوى: لا يزال كثيرون يطلقون عليه اسمه السابق. ولا يزال البعض، عند رؤية أفريقي، أن يسموه بالعبد..

على أي حال، تاريخنا ليس بالأبيض (بأكثر من معنى)، لا في نقائه الخلقي، ولا العرقي. والأشد في هذا أن هذه الأحكام العنصرية مبثوثة، تلقائية، في ما يشبه الثقافة الراسخة، من دون أن تخدش أبداً الثقافة الدينية التي يتباهون بكونها تتبع السنن الإلهية.


MISS 3