وليد شقير

الرسالة إلى البرلمان مثل حلّه العام 89

2 تشرين الثاني 2022

02 : 00

بعد ساعات على تحوّل الرئيس ميشال عون إلى الرئيس السابق للجمهورية، يخطر في بال من عايشوه منذ بدء حركته السياسية عندما كان ضابطاً في الجيش، قائداً للواء الثامن على جبهة سوق الغرب خلال الحرب الأهلية المشؤومة، ثم قائداً للجيش، ثم رئيساً للحكومة العسكرية مصراً على تبوّؤ رئاسة الجمهورية، أن يشبّهوا نهجه السياسي الحالي بممارساته في تلك الحقبة قبل قرابة 40 سنة.

آخر الذين تحدثوا ممن خبروا الجنرال وقاموا بالمقارنة أو التشبيه مع المراحل السابقة، هو رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي قال أول من أمس: «الرجل هو هو، منذ تعرفت إليه عن كثب عام 1986 لم يجرِ اعادة قراءة لمساره السياسي، والأنكى أنّه يتجه انحدارياً. فكلما أقفل مشهداً تراجيدياً يفتح البلاد على آخر أكثر مأسوية».

بصرف النظر عن الخصومة المستحكمة بين الرجلين، والتنافس بين وريث عون النائب جبران باسيل وجعجع على الصعيد المسيحي، فإنّ مقارنة الماضي بالحاضر تسهّل استخلاص النتيجة.

يُشبه توقيع عون مرسوم قبول استقالة الحكومة، المستقيلة أصلاً بقوة الدستور وليس بصلاحياته الرئاسية، قبل 36 ساعة من انتهاء ولايته، ذلك القرار الشهير الذي اتخذه في العام 1989 بمحاولة منع النواب المسيحيين من السفر إلى مدينة «الطائف» إبّان رئاسته حكومة العسكريين، للحؤول دون صياغتهم اتفاقاً على إنهاء الحرب، وفق أوراق إصلاحية جرى إعدادها في السنتين السابقتين لاتفاق «الطائف»، من مسودة آبريل غلاسبي الوسيطة الأميركية الشهيرة في حينه، والمسودة المنقّحة عنها التي أشرف عليها البطريرك الماروني الراحل الكاردينال نصرالله بطرس صفير والتي أعدها بالتفاهم مع رئيس البرلمان السابق حسين الحسيني، وبمعاونة شلّة من النخبة المسيحية والإسلامية العالية الاحترام، نذكر منها من أصبحوا في دنيا الحق، الرئيس الشهيد رفيق الحريري كوسيط مكلّف من اللجنة العربية الثلاثية إلى جانب الأخضر الابراهيمي في حينها، ونسيب لحود وسمير فرنجية، الذين يفتقدهم العمل السياسي الشريف والراقي في بلد هبط مستوى السياسة فيه إلى درجة شديدة التدني. قاعدة الأوراق كافة كانت وقف إطلاق النار الكامل وانتخاب رئيس، ثم الإصلاحات الدستورية ثم حلّ الميليشيات وإعادة انتشار الجيش السوري...

أبى الجنرال في ذلك الوقت حصول أي اتفاق رغم الإغراءات التي قدمها إليه ممثل الجامعة العربية الأخضر الابراهيمي كي يكون شريكاً في صوغ تسوية تنهي الحرب. فهو الذي ينهي الحرب أو يواصلها وليس أحداً غيره. ومع ذلك نجح النواب في الطائف على مدى 21 يوماً في إنجاز اتفاقٍ تعذر إنفاذه بسبب تمترس عون في القصر، إلا بالقوة العسكرية من أجل إنهاء تمرده. آنذاك أُسقِط عون من الجهات التي يعقد اليوم حلفاً معها قاده إلى الرئاسة العام 2016 .

المقارنة مع الحقبة الماضية تقود أيضاً إلى تعداد خطواته اللاحقة الكثيرة لمعاكسة تيار التسوية في لبنان بدفع دولي وعربي، وإلى تشبيه رسالته إلى البرلمان طالباً إنهاء تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتأليف الحكومة، بذلك القرار الذي أعلنه بحلّ مجلس النواب، أثناء توجه أعضائه من بيروت ليل 4-5 تشرين الثاني 1989، إلى مطار القليعات في الشمال، لانتخاب الرئيس الراحل رينيه معوض أول رئيس لجمهورية الطائف، الذي اغتيل بعد 17 يوماً. ما يجمع الرسالة قبل 3 أيام، وحلّ البرلمان قبل أكثر من 33 سنة، إلغاء النهج العوني المعالجات وفق منطق المؤسسات، إلّا إذا جاء الحل وفق مبتغاه. والمنطق في الحالتين المذكورتين هو إلغاء المؤسسة النيابية أو دعوتها إلى إلغاء نفسها بالإملاء عليها أن تلغي تكليف ميقاتي، في وقت يعتبر الخبراء الدستوريون أن لا نصّ في الدستور على حق النواب في العودة عن تكليف المكلف بتشكيل الحكومة، رغم الحاجة إلى توضيح هذه النقطة مع نقاط أخرى لم تلحظ «سوء النية» حيال مواده، لأنّ المشرّع يفترض حسن النية في سن الأحكام الدستورية.

في النتيجة لم يمنع حلّ مجلس النواب العام 89 البرلمانيين من المضي في الحل الذي ارتضوه، ولن تؤدي رسالته إليه قبل أيام طالباً منه إلغاء تكليف ميقاتي، إلى الاستجابة لطلبه، بل ان الأكثرية فيه ستسلك الطريق نفسه الذي سلكته عندما طلب عون إنهاء تكليف الرئيس سعد الحريري قبل أكثر من سنة. لا نتيجة لطلب عون سوى العبثية. فحتى لو استجاب البرلمان سيبقى ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال، وحتى لو رُفض طلبه لا مفعول لهذا الرفض في ظل الفراغ الرئاسي إذا افترضنا أن الرئيس المكلف سيبقى مكلفاً. فكيف يتابع اتصالات التأليف، فيما الرئيس الذي يجب أن يوقع مراسيم ولادة الحكومة معه، صار في الرابية؟ لم يخطر في بال عون أنّ التكليف سقط مع نهاية ولايته. فهل فطن لهذه السقطة قبيل ساعة من مغادرة ميقاتي إلى الجزائر وتنازل طالباً إليه إصدار مراسيم الحكومة المستقيلة من دون تغيير وشروط ومطالب بالتوزير والقرارات؟


MISS 3