باتريسيا جلاد

خبراء ينفون الصعود... مع الإعتراف بتفاؤل ما

كلفة البناء ارتفعت 25%... فهل سترتفع أسعار العقارات؟

7 تشرين الثاني 2022

02 : 00

تسري في كواليس تجار العقار «خبريات» مفادها أن أسعار العقارات بدأت تتحرّك محققة زيادة بسيطة، ما يبشّر بأن الأسعار قد ترتفع مجدداً لتصل تدريجياً، على مراحل الى الاسعار التي كانت سائدة في العام 2019 وتحديداً قبل بدء مسيرة الإنهيار الكبير.

إلا أن ما يحكى في هذا الإطار، بحسب المطوّرين والمهندسين والخبراء العقاريين، لا يمتّ الى الحقيقة بصلة، بل إن نسبة انخفاض الأسعار لا تزال هي نفسها وتتراوح بين 40 و 50% من السعر الذي كان معمولاً به في العام 2019.



مارون الحلو


فكل ما يحصل في القطاع العقاري هو عبور «موجة تفاؤلية الى حدّ ما، أثمرت بدء مرحلة طرح الأسئلة أو وجود طلب على شراء العقارات بشكل خجول»، كما أوضح لـ»نداء الوطن» رئيس نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء ورئيس شركة «أبنية» للهندسة والمقاولات مارون الحلو .

واذا قسّمنا الشقق الى صغيرة ومتوسطة وكبيرة، يتبيّن ان السؤال منعدم على الكبيرة منها التي تتعدّى مساحتها الـ200 متر إلا للراغبين في الإستثمار فيها، بسبب عدم وجود الإمكانيات للسكن في شقق كبيرة وتسديد تكاليف الصيانة ... فيما الشقق الصغيرة والمتوسطة الحجم، أي تلك التي تتراوح مساحتها بين 70 و و150 متراً وصولاً الى 200 متر، تسلّط عليها الأضواء في حال وجدت الرغبة في الشراء اذا وجدت شقّة بسعر «لقطة» في المدينة.

كلفة البناء بعد الحرب الروسية على أوكرانيا

قد نشهد بخجل في بعض المناطق عودة بعض الورش الى استكمال أعمالها الإنشائية وذلك قبيل إقرار الدولار الجمركي. عن تلك المشهدية وكلفة البناء المرتقبة، أوضح مارون الحلو أن الكلفة لن تتأثر برفع الدولار الجمركي 10 مرات (اذا ما احتسب على 15 ألف ليرة)، فذلك الرسم بالليرة اللبنانية.

لكن سبق لكلفة البناء في كل بلدان العالم أن سجّلت زيادة ملحوظة بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية، بنسب تتراوح بين 20 و 25% على اساس الدولار، كنتيجة مباشرة لزيادة أسعار المواد المستخدمة في البناء (من حديد وترابة والومنيوم وقساطل... ) وارتفاع كلفة شحن البضائع».

لذلك فإن كلفة البناء ارتفعت في لبنان على الأقل بنسبة 25%، ما يزيد من أسعار الشقق والأبنية الجديدة التي يتمّ إنشاؤها. ومع بعض الطلب أو طرح الأسئلة حول أسعار الشقق بعد الجمود الذي كان يحكم قبضته على السوق العقارية، يحاول المطوّرون العقاريون بحسب الحلو «أن يستفيدوا من هذا الواقع لزيادة الأسعار لمن يحتاج الى شراء منزل، أو لرجال الأعمال الذين يحاولون اقتناص فرصة الشراء بأسعار معينة. فللعقار والشقق السكنية قيمة في لبنان، وهذه نقطة جاذبة للمستثمرين للإقبال على الشراء».

وتبقى المشاريع الإنشائية الجديدة نادرة كي لا نقول متوقفة حالياً. وتنحصر ببناء مصانع جديدة بهدف التصدير، مع الإبقاء على تنشيط بعض ورش البناء القديمة منها ، كون المشتري يسعى للحصول على «السند الأزرق»، بمعنى آخر يشتري شقة بعد انتهاء البناء.

العام المقبل سيكون أكثر وضوحاً

وحول البوادر التي تقول ان الطلب على العقار قد يبدأ بشكل خجول، عزا الحلو سبب ذلك الى أن «الوضع الإقتصادي سيكون أكثر وضوحاً العام المقبل. اذ من المرتقب أن تقرّ خطة التعافي وإعادة هيكلة المصارف، وتسديد الديون القديمة والوصول الى مرحلة تتضح فيها صورة الإستقرار النقدي، أي سعر الصرف. وفي حال إنجاز تلك النقاط، نتوقّع أن يبدأ الطلب على العقارات في فترة ليست ببعيدة ، خصوصاً وان اسعار العقارات لم ترتفع لغاية اليوم، بل تتم عمليات البيع بأقل من سعرها الذي كان معتمداً في العام 2019 بنسبة تتراوح بين 40 و 50% بالدولار النقدي. بناءً على تلك المعطيات نرجّح ان يستتبع كل ذلك زيادة في الأسعار».



رجا مكارم


عمليات البيع خجولة جداً

مقابل تلك المشهدية التفاؤلية الى حدّ ما للمستقبل، والتي تؤشّر الى إمكانية حصول تحسّن في الحركة العقارية، رسم الخبير العقاري ومدير عام شركة رامكو للاستشارات العقارية رجا مكارم، صورة سوداوية عن الواقع العقاري حالياً. اذ قال لـ»نداء الوطن» إن «القطاع العقاري في أسوأ أيامه. سنة 2022 كانت سيئة جداً ولا تزال». مشيراً الى أن «عمليات البيع والشراء للشقق او للأراضي كانت خجولة جداً وتُعدّ على أصابع اليد».

والوضع السيّئ الذي يعيشونه اليوم يجعل «الوسطاء العقاريين الذين نتواصل معهم يومياً يتحسّرون على الأيام الماضية التي ولّت».

وبرأيه أنه «بعد الإنخفاضات التي شهدتها أسعار سوق العقارات، قد لا نشهد ارتفاعاً قريباً، ولكن كل شيء ممكن. وستتقلّص تلك التراجعات مع استعادة الأسواق العقارية الوضع الذي عهدته. وقد تتفوّق الأسعار عن القديمة منها كلما زاد منسوب الثقة في البلاد. فرأس المال جبان ويبحث عن الإستقرار للاستثمار».

ولكن حالياً فان «المعروض في السوق العقاري لا يتمّ بيعه، وما يباع يسدّد بالدولار النقدي، ولم يعد الشيك المصرفي معمولاً به في تداولات البيع والشراء كما كان الوضع عليه قبل الأزمة وحتى بعدها». مشدّداً على أن «حامل الدولارات» النقدية يبحث عن السعر «اللقطة»، ولا يقدم على خطوة شراء شقّة اذا لم يتوفّر ذلك المعيار».

وأشار الى أنه «خلال العامين 2021 و2022، كان الراغب في الاستحواذ على عقار أو شقّة بـ»اللولار» أي شيك او من خلال تحويل مصرفي، يقدم على تلك الخطوة مع تراجع بالسعر بنسبة 50% مقارنة مع السعر الذي كان معتمداً في العام 2019».

الدافع بالدولار يريد حسماً اضافياً

فسعر المتر الذي كان على سبيل المثال بقيمة 3000 دولار إستناداً الى «حسابات الدكنجية» كان يمكن أن يجد من يشتريه بأقل بنسبة 50%. أما اليوم وبما أن الراغب في الشراء يعلم أنه يجب ان يسدّد بالعملة الصعبة «فإنه يراهن على مزيد من خفض لسعر الشقة. ويريد أن يشتري مع حسم بنسبة 60 و 70% طالماً أنه يسدّد الثمن نقداً بالدولار. فيما البائع يريد فقط أن يقتصر الحسم على نسبة تتراوح بين 30 و 40% من القيمة التي كانت معتمدة سابقا»ً إستناداً الى مكارم، لافتاً الى أن « من يريد الشراء ولديه النقد يبحث عن «اللقطة».

وفي ظلّ هذا الكباش الحاصل، يقول مكارم «من يخفّض سعره يبيع ومن لا يخفّض سعره لا يستطيع ان يبيع الشقق والعقارات التي لديه».

من هنا يرى أن «الحديث عن زيادة أسعار العقارات غير وارد في السوق حالياً ولا يمكن ان يحصل. ولكن ما يجري ليس سوى موجة تفاؤل اجتاحت البعض وغرقوا في شبر مياهها بعد التوقيع على اتفاقية الترسيم البحري مع إسرائيل وإمكانية اكتشاف النفط والغاز». ولم يغفل مكارم القول أن «صناعة البترول والغاز ستزيد الطلب من الشركات الأجنبية على شراء الشقق والأراضي بهدف إنشاء مكاتب... ولكن لم نشعر بهذا الأمر بعد».




«شهيّة» الشراء بأسعار مقبولة مفقودة

أما ما يُحكى عن وجود إقبال على شراء شقق أو عقارات قبالة شاطئ الناقورة، فأشار مكارم الى ان «الناس تعول على شراء العقارات هناك منذ 20 عاماً، بانتظار حصول سلم مع اسرائيل في الجنوب، فكيف بالحري اليوم بعد التوقيع على اتفاقية الترسيم؟».

لافتاً الى انه «لسوء الحظ دخلنا في نفق طويل لا نعلم كم سيأخذ من الوقت للخروج منه. والناس متخوفة من مزيد من التأزم بدل الإنفراج، ما ينعكس سلباً على شهيّة الإقبال على شراء العقارات بأسعار مقبولة».




تبقى الأسعار متراجعة

في ما يتعلق بتراجع الأسعار، أشار رجا مكارم الى إحدى الدراسات التي قامت بها «رامكو» والتي أكدت «أن الشقق التي تمّ بيعها في العامين 2020 و 2021 شهدت إنخفاضات بالسعر بنسبة تراوحت بين 40 و50%. أما عمليات البيع التي سجلت فشهدت تراجعاً بنسبة 42% مقارنة بالعام 2019، أي ان الصفقات عقدت بمعدّل 60% من قيمتها. حتى أن الشقق المعروضة للبيع والتي انخفض سعرها الى 55% لا تجد من يشتريها».

الوقت مناسب للشراء

اذا استثمر صاحب رأس المال حالياً في القطاع العقاري، فلعلمه أن الوقت اليوم هو مناسب للاستثمار والشراء كما يقول مارون الحلو. و"يمكن لحظ ذلك العام المقبل، اذا شهدنا أيضاً استقراراً سياسياً وتمّ انتخاب رئيس للجمهورية وتشكلت حكومة جديدة. عندها سنشهد المزيد من الإقبال على السوق العقارية. ولكن حتى هذه اللحظة لا تزال الأسعار نفسها ما قد يزيد الرغبة في الشراء».