سناء الجاك

معضلة أحزاب السلطة

9 تشرين الثاني 2022

02 : 00

كثيرةٌ هي القراءات لمن يرغب في التوغّل التحليلي أبعد من مناسبة إحياء الذكرى الـ33 لاتفاق «الطائف»، ويدقق في تطورات أحزاب السلطة التي شكلت دعامة وثيقة لهذا الاتفاق في حينه. وأهم ما في التدقيق يبقى أنّ هذه الأحزاب لا تملك مقومات الاستمرار على حالها، ولا تستطيع مواصلة القبض على مكامن السلطة كما هي عليه اليوم. وبصراحة ومن دون عتب، يجب الإقرار أنّ غالبية هذه الأحزاب تُختزل بزعمائها لا في بنيتها أو مبادئها أو مشاريعها الفكرية والاقتصادية والأيديولوجية.

الزعيم هو الحزب، فقط لا غير. لا ديموقراطية أو تشاركية في الحزب ولا تداول للسلطة فيه. ومن بعد الزعيم، كلّ الاحتمالات واردة. فعمليات التوريث قد لا يكتب لها النجاح، ومن يوالي الأصيل قد لا يجد مبتغاه في موالاة الوريث، أو لعلّ الوريث يعتبر المسألة كلها قدراً غاشماً لا علاقة له به، ويخوض غماره مرغماً ومقيداً بفعل الوراثة... أو أنّه وبكل بساطة لا يريد تكرار تجربة سلفه، حتى لو كان من دمه ولحمه، لذا تبدأ الانقسامات ويسود التشرذم في حزبه... أو أن يكون ضعيفاً فتتغذى أطماع من حوله لإزاحته واحتلال موقعه، وبلا وراثة ولا أفكار رجعية وإقطاعية، أو أنّه وبكل واقعية يسقط أسير الظروف والتغييرات التي تطيح بما دعم زعامة السلف، بحيث لا يجد الخلف مقوماتٍ تساهم بإنجاح زعامته.

الظاهر أنّ الزمن فعل فعله بهذه الأحزاب مع تقدّم زعماء معظمها في السن، ومع افتقاد معظمها «الوريث الشرعي» القادر على استكمال ما أرسى سلفه. والاحتفال السعودي لحماية اتفاق «الطائف» أثار هذه الاحتمالات التي طرحت نفسها في خلفية المشهد.

فالقضية لا تتعلق باستعادة أمجاد معركة تلة «الثلاث ثمانات»، ولا بالمطالبة بتأسيس مجلس شيوخ ليكون من نصيب الطائفة الدرزية، والتي أجهضها «النظام الأسدي» في حينه، ولا بالاعتبار المسيحي الضمني أنّ «الطائف» هو اتفاق الأمر الواقع وهو حرم الطائفة من امتيازاتها، ولا بالبحث عن النوايا الحسنة في تفسير الدستور لتطبيقه وعدم الغرق في الفراغات المتكررة.

معضلة الأحزاب اللبنانية صارت أبعد من كل هذا التاريخ، وبسبب ما جنته أيديها من آفات أفقدتها دورها. ولعلّ خير دليل على فشلها وأفول نجمها مع أفول نجم زعمائها، هو الأداء السيئ والمؤذي لمن يُفترض أنهم ارتضوا بوثيقة الطائف خطة وخط عمل لإنهاء القتال في ما بينهم. وعوضاً عن ذلك، ارتضوا وصاية من كرّس زعامتهم على حساب تنفيذ الاتفاق، وأرخى لهم الحبل على غاربه ليتحاصصوا مقتدرات الدولة وينهبوها.

ومع دخول لاعبين جدد على تركيبتهم، وإفساحهم لهؤلاء اللاعبين في المجال، بات عليهم توسيع دائرة المحاصصة. وكله على حساب تنفيذ الاتفاق وإعادة بناء الدولة التي انهارت.

أكثر من ذلك. إنّ غياب مشاريع «زعماء الطائف» واكتفائهم باعتبار مرحلته استكمالاً للمرحلة الميليشيوية، ليواصلوا نفوذهم في مؤسسات الدولة كما في زواريبهم وخنادقهم، يَسَّرَ لأصحاب المشاريع والأجندات اكتساح الساحة ومصادرة السيادة ورهن البلاد لمحور لا همّ له إلا بسط نفوذه عبر اعتماد التدمير الكامل لمكوّنات الدولة وأسسها واستقرارها واقتصادها.

وليست صحوة هذه الأحزاب ومحاولتها تجديد شبابها وشد عصب المحازبين بعد انتفاضة 19 تشرين الأول 2019 وعشية الانتخابات النيابية، إلا آخر الصحوات على ما يبدو. فالمرحلة المقبلة ستكون لأصحاب المشاريع، وهم مع الأسف مندوبو «المحور الإيراني» في ربوعنا...

ماذا بعد؟

يبقى الرهان على حالة شعبية مدنية خارجة عن ظاهرة الزعيم ونظيفة ونقية من معضلة أحزاب السلطة، حالة تجيد تأسيس مشروعها الواضح لتحاول اقتلاع نفوذ «المحور التخريبي» ومعه اقتلاع الجذور السامة للفساد...


MISS 3