جواد الصايغ

إنتخابات أميركا... دروسٌ وعِبر لمنازلة 2024

11 تشرين الثاني 2022

02 : 01

مع انتهاء الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة يبدو أن التاريخ سيعيد نفسه مانحاً ولاية جورجيا بحسب الأرقام الحالية مهمّة تحديد الحزب الحاكم في مجلس الشيوخ وذلك للمرة الثانية في غضون عامين. 

الانتخابات التي كانت محط أنظار العالم لكونها جاءت بعد سلسلة أحداث كانت إدارة الرئيس جو بايدن معنية بشكل أساسي فيها كالإنسحاب من أفغانستان وحرب أوكرانيا خارجياً، والتضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية والمحروقات داخلياً، خيّبت آمال الجمهوريين من ناحية حدوث موجة حمراء تعطيهم تقدماً كبيراً ولكنها بالمقابل قد تعيد سيطرتهم على مجلس النواب مجدداً بعد غياب أربع سنوات عن سدّة القيادة ولو بنسبة ضئيلة فكما هو معروف وبغض النظر عن الأرقام فإن الأغلبية في المجلس تمسك بقرار المال، وجلسات الإستماع وصياغة السياسات. 

بالمقابل فإنّ ستار الصراع على مجلس الشيوخ لن يُسدل قبل السادس من الشهر المقبل وسيكون مسرحه ولاية جورجيا حيث فشل المرشحان الديمقراطي والجمهوري في الحصول على الأغلبية البسيطة التي يفرضها قانون الولاية لشغل كرسيها الثاني في مجلس الشيوخ. 

حصول جورجيا على شرف تحديد الحزب الحاكم في مجلس الشيوخ للمرة الثانية بعد انتخابات 2020 جاء على أثر النتائج التي أفرزتها الانتخابات حتى الآن. فوفق النتائج الحالية يمتلك الجمهوريون 48 مقعداً في مجلس الشيوخ وحظوظهم أعلى في الفوز بمقعدي آلاسكا ونيفادا، بالمقابل يمتلك الديمقراطيون حتى اللحظة 48 مقعداً أيضاً ويتقدّمون في أريزونا، وإذا ما استمرّت النتائج على ما هي عليه سيصبح للجمهوريين 50 مقعداً وللديمقراطيين 49 مقعداً مع تبقّي جولة الإعادة في جورجيا، وإذا تمكّن حزب بايدن من الفوز فيها فهذا يعني تساوي الحزبين في عدد المقاعد ليبقى لنائبة الرئيس كامالا هاريس اليد الطولى في منح الأغلبية للحزب الديمقراطي، فبحسب الدستور يمكن لنائب الرئيس لعب دور فاصل من ناحية التصويت بحال تساوى الحزبان بعدد المقاعد. 

ومع تحديد موعد إعادة السباق في جورجيا بدأت الاستعدادات منذ الآن لليوم الكبير. فالمرشح الديمقراطي السناتور رافاييل وارنوك تقدّم بفارق خمسة وثلاثين ألف صوت عن المرشح هارشل والكر وكان بإمكانه حسم السباق من الجولة الأولى لولا مرشح الحزب الليبريتاري شايس أوليفر الذي حصد 2,1 بالمئة من الأصوات، ولكن هذا التقدم لا يعني أن النتائج ستكون مشابهة في السباق المقبل فجولات الإعادة تاريخياً أعطت الجمهوريين أفضلية على الديمقراطيين من حيث قدرتهم على إقناع الناخبين بالعودة مجدداً إلى صناديق الإقتراع والإدلاء بأصواتهم، وحسن إدارة المعركة الانتخابية. 

ديمقراطياً لم تشكّل الانتخابات مؤشراً سيئاً للحزب كما كان يتوقع كثيرون رغم الإمكانية الكبيرة لخسارة مجلس النواب، فطوال الأسابيع الماضية كان الحديث عن موجة حمراء تطيح الديمقراطيين في أكثر من مكان هو الطاغي خصوصاً بظل الأداء المرتبك للبيت الأبيض في إدارة الأزمات الداخلية التي تهمّ الأميركيين، ولكنّ النتائج أعطتهم بريق أمل كبير للإنتخابات المقبلة الرئاسية بشكل كبير خصوصاً في الولايات المتأرجحة بعد تمكّنهم من انتزاع مقعد لولاية بنسلفانيا في مجلس الشيوخ من الجمهوريين عقب تمكّن جون فيترمان من التفوق على محمت أوز بفارق مئة وثمانية آلاف صوت، وكذلك تقدّم مرشحهم مارك كالي على نظيره الجمهوري بلاك ماكماستر في أريزونا، وكذلك تمكّنوا من انتزاع منصب الحاكم في ولايتي مريلاند وماساتشوستس متكئين على دفاعهم عن حق الإجهاض بوجه الجمهوريين. 

أهمية الفوز بولاية بنسلفانيا تبرز لكون الأخيرة تصنّف من بين الولايات المتأرجحة على الصعيد الانتخابي ولديها 19 صوتاً في المجمع الإنتخابي، أما أريزونا فتعدّ من الولايات المحسوبة على الحزب الجمهوري تاريخياً وينحدر منها السناتور الراحل جون ماكين ولكنّ الديمقراطيين تمكّنوا من الفوز بها عام 2020 ويبدو انهم بصدد المحافظة عليها مع تقدم مرشحيهم في سباق انتخابات مجلس الشيوخ والحكام على حد سواء. 

وبإمكان الديمقراطيين استخلاص العبر والتعلم من درس الإنفاق في غير مكانه بالانتخابات الحالية استعداداً للمحطات المقبلة، فرغم كل الجهود والإنفاق في ولايتي فلوريدا وتكساس أظهرت الانتخابات أن هاتين الولايتين لا تزالان حمراوين. فحاكم فلوريدا رون ديسانتس حقّق نتيجة كبيرة في سباق الدفاع عن منصبه مقدماً نفسه شخصية أساسية في حال أراد الترشح لانتخابات الرئاسة، أما تكساس التي لا يزال الديمقراطي يعول على إمكانية الفوز بها فأثبتت مجدداً أنها لا تزال وفية للجمهوريين. فغريغ ابوت حاكم الولاية نجح بتحقيق فوز كبير على أبرز وجوه الديمقراطيين في الولاية الجنوبية النائب بيتو اوروك بفارق وصل الى تسعمئة ألف صوت، ما يعني أن الاستثمار في ولايات كنورث كارولينا وجورجيا وأريزونا يعطي الحزب الديمقراطي فرصة أكبر للتفوق بالانتخابات الرئاسية عوضاً عن التلهّي بمحاولة الفوز بفلوريدا وتكساس. 

الانتخابات النصفية قرعت جرس سباق انتخابات الرئاسة التي ستجري بعد عامين مع الأخبار الكثيرة التي تشير الى إمكانية إقدام الرئيس السابق دونالد ترامب على إعلان ترشحه مبكراً. ترامب أثبت انه لا يزال يشكل حالة في الحزب الجمهوري، ولكن زخمه لم يعد كذاك الذي كان قائماً عام 2016 وتراجع كثيراً بعد أحداث السادس من كانون الثاني 2021، وأبرز مثال مرشحه في ولاية بنسلفانيا الذي مُني بخسارة كبيرة. ومع تصاعد نجم ديسانتس في فلوريدا، فإن أسئلة كثيرة باتت تطرح حول إمكانية ان يكون حاكم الولاية الحصان الرابح للحزب الجمهوري، وعلى المقلب الآخر فإن الديمقراطيين مدعوون للتفكير أكثر بمرشحهم المقبل، فإعادة ترشيح بايدن قد تصعّب الحفاظ على البيت الأبيض.